اقرأ أيضاً: الخارجية الفلسطينية: وثيقة إسرائيل بشرعية الاستيطان مناهضة للسلام
في بلدة القدس القديمة، يقيم صندوقة (في نهاية العقد السادس من عمره)، في منزل كبير رممته عائلته وحافظت عليه لوقوعه وسط مجموعة من البؤر الاستيطانية الكبيرة والخطيرة في عقبة الخالدية الواقعة إلى الغرب من المسجد الأقصى، بعدما نجح المستوطنون بالاستيلاء على بعض المباني، منذ بدأت حركة التهويد لهذه المنطقة الحيوية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إثر مقتل أحد المستوطنين ويدعى إلياهو عميدي طعناً بالسكين على يد شاب فلسطيني.
وبالقرب من منزل صندوقة، يقع المقرّ العام للجمعية الاستيطانية اليهودية المسماة "عطيرت كوهنيم". وفي داخل عقار ضخم، يتخذ عراب الاستيطان في القدس العتيقة، متتياهو دان، مقرّاً ومقاماً له. ومنه، يوجّه حركة الاستيطان ونشاط الجمعيات الاستيطانية اليهودية التي شكّلت فرقاً وطواقم لها بحثاً عن عقارات تدعي أنها مملوكة ليهود قبل الاحتلال الإسرائيلي في العام 1948.
وتعتقد هذه الجمعيات بوجوب تحرير هذه العقارات من الغرباء؛ ويقصدون بذلك المقدسيين قاطني هذه العقارات، وبعضهم لا يزال يدفع إيجارات لحارس أملاك الغائبين الإسرائيلي، الذي يتعاون وثيقاً مع هذه الجمعيات للسيطرة على عقارات الفلسطينيين، كما يقول صندوقة لـ"العربي الجديد".
ويتوقع حصول المزيد من عمليات الاستيلاء على عقارات جديدة بغطاء قانوني واسع، وبدعم مالي كبير، سواء من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلية وأجهزتها التنفيذية المختلفة، أو من قبل أثرياء يهود يقيمون في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ومن أشهرهم إيرفينغ موسكوفيتش الذي يضخ سنوياً لجمعيات الاستيطان نحو مائة مليون دولار، يُستثمر الجزء الأكبر منها في شراء المزيد من العقارات والاستيلاء عليها، أو في تطوير العقارات المستولى عليها وترميمها وبناء إضافات جديدة عليها.
اقرأ أيضاَ: منظمات أميركية تدعم المستوطنات الإسرائيلية بـ220 مليون دولار
ولا تجد تلك الجمعيات أي صعوبة في الحصول على تراخيص البناء اللازمة من قبل بلدية الاحتلال في القدس، على عكس ما تفرضه تلك البلدية من قيود على أعمال الترميم التي يقوم بها المقدسيون، وتجري مكافحتها بكل الوسائل والسبل.
تصاعد في وتيرة الاستيلاء
على مدى الأسبوعين الماضيين، كانت أربع عائلات مقدسية قد تسلمت بلاغات قضائية وأوامر من قبل جمعيات الاستيطان تطالبها بإخلاء منازلها في غضون شهر، وإلا سيتم طردها منها بالقوة، فيما استولت جمعية "عطيرات ليوشناه" الاستيطانية صباح أمس، وبمساندة من قوات الاحتلال، على عقار جديد عند المدخل الرئيس لعقبة السرايا يعود لعائلة القيسي، والذي تقيم فيه منذ عقود، وقامت باستبدال أقفاله، إذ يعدّ العقار المستولى عليه جزءاً من مبنى ضخم كانت جمعيات استيطانية قد استولت على طوابقه العليا.
ويتوّج الاستيلاء على هذا العقار سيطرة الجماعات الاستيطانية على كامل المبنى الواقع عند ملتقى عقبة السرايا بالخالدية، ويتميز طابقه الأرضي الذي تم الاستيلاء عليه بسعة مساحاته وتفرعه واتصاله في عقار المواطنة نورا غيث صب لبن، المهددة بالإخلاء من منزلها. وتزعم جمعيات الاستيطان أن العقار جزء من أملاك الطائفة اليهودية المغربية المتروكة في القدس العتيقة.
أما العائلات الأربع التي تسلمت بلاغات بالإخلاء، والتي تقطن في عدّة طوابق من البناية، فيقارب عدد أفرادها نحو 30 شخصاً غالبيتهم من الأطفال والنساء، وهي تعود لعوائل حشيمة وكستيرو وصيداوي ومسودة. ويهدف الإخلاء إلى ضم العقارات إلى الكنيس المجاور للبناية.
وتعيش العائلات المقدسية الأربع، في قلق دائم منذ أن تسلمت البلاغات القضائية، ويحوم شبح الإخلاء حولها في كل لحظة، رغم أنّها تعيش في المنزل منذ نحو خمسين عاماً. وتُجمع هذه العائلات في حديثها لـ"العربي الجديد" على أنها رغم المعاناة اليومية بسبب ممارسات المستوطنين المقيمين في البناية، وأولئك الذين يقطنون في محيطها، حيث توجد مدرستان تلموديتان، فإنّها على استعداد للبقاء حيث هي الآن مهما بلغت المعاناة.
وتذكر هذه العائلات ما حرمت منه على مدى عقود إقامتها في المنزل، من القيام بأي ترميمات لمنازلها، إذ يتطلب هذا الأمر تصريحاً خاصاً من الجهات المختصة، بما في ذلك تصريح وإذن من جمعيات الاستيطان التي تدّعي أن أي عملية ترميم ستكون تغييراً لطبيعة المبنى يفقدها حق استخدامه أو التصرف بالإقامة فيه.
وفي المنطقة نفسها، تعيش المواطنة المقدسية نائلة الزرو من سكان عقبة السرايا المتاخمة لعقبة الخالدية، المعاناة نفسها. ويحدث ذلك مع الحاجة رفيقة السلايمة التي طالما تحدثت ومثلها نائلة عن تعديات المستوطنين عليهما ونزولهما عراة في بعض الأحيان لإرغامهما على المغادرة.
توفيت الحاجة رفيقة. وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الصراع معهم، سقط البيت في أيدي المستوطنين، فيما سقط معه عقار آل الزرو في أيدي المستوطنين بعد صراع مرير مع قضاء الاحتلال، الذي حسم الصراع لصالح المستوطنين.
تتسع رقعة الاستيطان اليهودي في منطقة محيطة بالمسجد الأقصى وعلى تخومه، كما يقول هايل صندوقة، الذي يحتفظ بأرشيف ضخم من الوثائق والصور والبينات عن الاستيطان اليهودي داخل القدس العتيقة، وعن جمعياته الناشطة وأبرز رموزه، ويحتفظ بمعلومات قيمة عن وسائل استلاب عقارات المقدسيين واغتصابها حتى وصل عدد العقارات المستولى عليها داخل الحي الإسلامي لوحده إلى أكثر من 80 عقاراً.