على خلاف الموقف الرسمي لحكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تحاول على استحياء النأي بنفسها عن الخطاب العنصري للمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، فإن نخباً إسرائيلية من الوسط واليمين جاهرت باحتفائها بهذا الخطاب، معتبرةً أنّه الوحيد الذي يضمن معالجة "التهديد" الذي يمثله الإسلام.
اقرأ أيضاً: شعبوية ترامب تُنذر بحرب حتمية لدى الجمهوريين
وجاءت المفارقة أنّ مفكراً وشاعراً يمثل الوسط الصهيوني مثل بني تسيفر جاهر بتأييده لمواقف ترامب العنصرية تجاه المسلمين.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر أمس الإثنين، زعم تسيفر أن ترامب يمثل نمطاً قيادياً أفضل من النمط القيادي الذي يعكسه الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما "لأنه يخلو من الوهم الذي يحاول أوباما ترويجه من خلال تصوير كل الناس على أنهم رائعون". وهاجم تسيفر "نفاق" أوساط الحكم وبعض النخب الإسرائيلية التي انتقدت خطاب ترامب، مشيراً إلى أن إسرائيل منذ تأسيسها تطبق نظرية ترامب. وتساءل: "أليست المعاملة التمييزية التي يتعرض لها المسلمون والعرب عند وصولهم مطار بن غوريون تدلل على أن إسرائيل سبقت بالأفعال ترامب".
واعتبر تسيفر أن ترامب أفضل بكثير من كل من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا مركيل، لأنهما يخشيان اتهام المسلمين بالتسبب في العمليات الإرهابية التي هزت فرنسا أخيراً".
ويتفق تسيفر مع الأديب اليهودي الجزائري الأصل بوعلام سنسال، الذي اعتبر الإسلام "نازية القرن الحادي والعشرين". فيما قال الكاتب اليميني أرئيل سيغال إنه على الرغم من الطابع "الفظ" لخطاب ترامب، فإنه يعبر عما يعتقده الجميع في الغرب.
وفي مقال نشرته أمس صحيفة "ميكور ريشون"، رفض سيغال اعتبار خطاب ترامب تأجيجاً للإسلاموفوبيا، مشدّداً على أن هذا المصطلح غير صحي "لأن الخوف من الإسلام المتطرف يستند إلى أسس ومبررات متينة". واعتبر سيغال أن سلوك وممارسات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تدلل على أن تحذيرات ترامب في محلها، وأن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات لتأمين الغرب في مواجهة هذا التهديد.
ورأى سيغال أنّ خطاب ترامب يمثل الردّ المباشر لسلوك وسياسات أوباما، الذي أفضت فترة حكمه إلى المس بقيادة الولايات المتحدة للعالم.
أما الكاتب شمعون زين، فرأى أنّ الوقائع تؤكّد صوابية خطاب ترامب، مشدّداً على أنّ سماح أوروبا للمسلمين بدخول أراضيها هو السبب الرئيس وراء تدهور مستويات الشعور بالأمن الشخصي داخل القارة العجوز. وفي مقال نشره في مدونته، قال زين إنه على الرغم من أنّ ترامب "لم يتحل بالحكمة في طريقة إيصاله رسائله، إلا أنه محق في كل قاله على اعتبار أن قطاعات واسعة من الجمهور الأميركي في مناطق كثيرة في الغرب تؤيده".
واستند زين إلى خطاب ترامب ليدعو قادة إسرائيل إلى عدم التردد في التشديد على ضرورة القيام بكل الخطوات التي تضمن بقاء وديمومة الطابع اليهودي للدولة، حتى لو كان الأمر على حساب المضامين الديمقراطية لنظام الحكم.
من جهة ثانية، لم يكن مفاجئاً احتفاء قيادات التنظيمات الإرهابية اليهودية بمواقف ترامب. وهاجم الحاخام بنتسي غوفشتاين، زعيم منظمة "لاهفا" الإرهابية اليهودية، التي ينفذ عناصرها اعتداءات يومية ضدّ الفلسطينيين في القدس المحتلة، على حسابه على موقع "تويتر"، النواب الإسرائيليين الذين انتقدوا ترامب بسبب إعلانه عن نيته زيارة المسجد الأقصى.
ويذكر أن غوفشتاين أيد أخيراً إحراق الكنائس في الضفة الغربية والجليل فقط، لأن الحاخام الرمبام الذي عاش في القرن الثاني عشر أفتى أن المسيحية "ضرب من ضروب الوثنية". والمفارقة، أن بعض النخب التي عارضت خطاب ترامب أو تحفظت عليه أقدمت على ذلك لدواع مصلحية وليس من منطلقات أخلاقية. فقد حذرت رئيسة تحرير صحيفة "ميكور ريشون"، أوري جولدكلينغ، من مغبة الاحتفاء بخطاب ترامب لأن "هناك أساسا للاعتقاد أنه سيتخذ نفس الموقف من اليهود بعد أن يتخلص من خطر المسلمين".
وحذرت في مقال لها من أن التسليم بالخطاب الذي يقوم على "كراهية الأجانب" عادة ما يتحول إلى خطاب عام، بحيث يفضي إلى مواقف سلبية وعدائية تجاه كل "الأجانب وضمنهم اليهود".
واللافت أن ترامب نفسه لا يأخذ على محمل الجد انتقادات نخب الحكم في تل أبيب، وضمنهم رئيس الوزراء نتنياهو. فقد نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة الليلة الماضية عن ترامب قوله إنه "غير واثق من أن نتنياهو لا يشاركه نفس الموقف من المسلمين".
اقرأ أيضاً: دونالد ترامب في كل مكان: نُسَخ أوروبية للعنصرية الصاعدة