محدودية خيارات موسكو ضد المنطقة الآمنة

26 نوفمبر 2015
أكد لافروف أن بلاده لا تريد الحرب (آيكوت أونلوبينار/الأناضول)
+ الخط -

تُشكّل حادثة إسقاط طائرة "سوخوي 24" الروسية من قبل تركيا، نقطة تحوّل نوعية في العلاقات بين الدول المتدخلة في الشأن السوري، وربما في شكل الصراع في المنطقة ككل. وبرزت أولى بوادر التحوّلات النوعية بقرار تركيا الردّ على أي اختراق لأجواء المناطق الحدودية بينها وبين سورية، حتى لو كان من قبل الطيران الروسي، ونُفّذ القرار بإسقاط الطائرة الروسية.

الردّ الميداني استُتبع بقرار سياسي آخر، وهو توسيع حدود "المنطقة الآمنة"، التي تسعى تركيا لإنشائها شمالي سورية، وصولاً إلى البحر المتوسط غرباً. أما التصعيد الروسي بالمقابل، فجاء على لسان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي نقلت عنه قناة "روسيا اليوم" قوله خلال اجتماع للهيئة القيادية في وزارة الدفاع الروسية، أمس الأربعاء، إن "بلاده ستنشر منظومة الدفاع الجوي إس 400، في سورية". وهي منظومة صواريخ متطورة كانت روسيا قد امتنعت عن تزويد الجيل الأقدم منها، "إس 300" للنظام السوري، على الرغم من وجود عقد بينهما، قبل بداية الثورة السورية (2011).

وبعد يوم من إسقاط الطائرة الروسية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، بمناسبة "عيد المعلم" التركي، إنه "تثار أقاويل أن تلك الطائرات كانت موجودة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، غير أنه لا جود لداعش في اللاذقية وريفها الشمالي، الذي يسكنه التركمان، فلا داعي لأن يحاول البعض خداع الآخرين". ويضيف "تبيّن أن الطائرة التي أسقطناها تابعة لروسيا الاتحادية، بعد إعلانها ذلك رسمياً، وقامت تركيا عقب الحادثة مباشرة بإطلاع الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحلف الأطلسي على حيثيات الحادث وتفاصيله".

ويردف أردوغان أن "عدم وقوع الحادث حتى تاريخ أمس، كان بسبب حسن نية وصبر تركيا، غير أنه يجب على الجميع ألا يتوقعوا منّا التزام الصمت، والوقوف مكتوفي الأيدي حيال أي خرق لأمن حدودنا أو سيادتنا". لكن الرئيس التركي يحسم قائلاً "بالتأكيد لا رغبة لدينا في تصعيد الحادث (إسقاط الطائرة الروسية)، فنحن ندافع فقط عن أمننا وحقوق إخوتنا".

ويكشف بأن "تركيا ستواصل تقديم المساعدات الإنسانية لإخواننا الموجودين في المناطق التي تتعرّض لهجمات النظام، ونحن عازمون على اتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث موجة نزوح جديدة إلى بلادنا. وسنُقدّم ما بوسعنا من الدعم لأجل أمن وسلامة الشعب السوري". وهو الأمر الذي يمكن تفسيره إصراراً تركيّاً على إنشاء "المنطقة الآمنة"، كونها التدبير الوحيد الذي من شأنه منع حدوث موجات نزوح جديدة.

من جهة أخرى، أمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي، أمس، في موسكو "ألا يتم استخدام إسقاط الطائرة الروسية كذريعة لفرض منطقة حظر جوي على سورية". ويضيف أن "إسقاط قاذفة القنابل الروسية عمل استفزازي مخطط له، واستخدام الإرهابيين للأراضي التركية في نشاطهم التدريبي والمالي أمر خطير جداً".

غير أن لافروف بدا واضحاً بقوله "لا نريد حرباً مع تركيا، وعلاقتنا مع الشعب التركي لم تتغيّر، ولدينا أسئلة إلى القادة الأتراك. نحن لا نتهرّب من الاتصالات بالجانب التركي، ولا نريد إثارة أي عقبات مصطنعة أمام الشركات التركية".

ويبدو من تسارع الأحداث على خلفية إعلان تركيا نيتها إنشاء "المنطقة الآمنة"، وما تبعها من إسقاط الطائرة الروسية والتصعيد الروسي باتجاه نشر منظومة "إس 400"، أن روسيا ذاهبة باتجاه التصعيد مع الأتراك والتعامل مع الأراضي السورية كمناطق نفوذ لها. بالتالي ستحاول منع إنشاء هذه المنطقة، وتوسيع أفق محاولات تحقيق تقدم ميداني على فصائل المعارضة الموجودة في محيط تلك المنطقة المفترضة، والمدعومة من "أصدقاء سورية"، ومن بينهم تركيا. كما يتوقع أن تحاول روسيا الضغط على تركيا من خلال دعم فصيل "وحدات حماية الشعب" الكردية، الجناح العسكري لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، الذي يسعى لإقامة منطقة حكم ذاتي شمال سورية.

ويبدو أن خيارات الروس محدودة جداً في مواجهة "المنطقة الآمنة"، كونها مرتبطة بتصعيد من أطرافٍ أخرى قد تُفقد الروس بعض مكتسباتهم الميدانية والسياسية، خصوصاً إذا تصاعد الدعم الروسي للنظام ودعم "أصدقاء سورية" لفصائل المعارضة. كما أن أي تصعيد من جانب روسيا، سيُفقدها المكتسبات السياسية التي حصلت عليها كشريك في إيجاد حل سياسي في سورية، وسيُفقدها تأييد معظم الدول التي دعت روسيا لحضورها في مؤتمر فيينا كمصر والإمارات والأردن.

من جهة أخرى، يبدو من خلال تصريحات دول أعضاء في الأطلسي، مؤيدة للخطوة التركية، أنه من غير المرجح أن تكون تركيا قد أقدمت على خطوة إسقاط الطائرة والتصعيد مع الروس من دون تنسيق مسبق مع الحلف.

اقرأ أيضاً: "المنطقة الآمنة" أول الفائزين: تسريع وتوسيع جغرافي ووظيفي

ويبدو من خلال الأداء الروسي في معاركه الأخيرة إلى جانب النظام، أنه على الرغم من استخدامه لكثافة نيران جوية كبيرة، إلا أن القوات التي يساندها على الأرض لم تتمكن من تحقيق تقدم، وقد تعرضت لخسائر غير مسبوقة. بالتالي فإن موضوع الاستمرار بمحاولة التقدم شمالاً باتجاه "المنطقة الآمنة" سيكون صعباً للغاية، كما أنه من المتوقع أن يترافق أي دعم يقدّمه الروس لقوات النظام، بدعمٍ مقابل للمعارضة من قبل الدول المساندة للمعارضة السورية، كما حصل خلال معارك حماه ومعارك الساحل.

في هذا الصدد، يُشدّد المستشار السياسي للجيش الحر، أسامة أبو زيد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أن "نشر الروس لمنظومة صواريخ إس 400، هي وسيلة ضغط سياسية، ولكنها ليست ذات تأثير على العمل الميداني. لأن الفصائل العسكرية المعارضة لا تمتلك سلاحاً جوياً، كما أنها غير محمية من أي سلاح جوي آخر، ولكنها على العكس قد تُسرّع من احتمال تزويد المعارضة بمضادات طيران".

ويرى أبو زيد أن "ما يجري الآن هو مجرد حرب كلامية أكثر مما هو فعل قد يُترجم على الأرض". ويلفت إلى أن "أي تصعيد من قبل الروس، سيزيد الهوّة بين روسيا وإيران من جهة، وكل من فرنسا والسعودية وقطر وتركيا من جهة أخرى، الأمر الذي يُشكّل مزيدا من الضغط على مساعي الحل السياسي".

ويُبدي اعتقاده بأن "روسيا غير مستعدة لخسارة مكتسبات فيينا، تحديداً الدول التي لا تُبدي رأيها في موضوع بقاء بشار الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، كالولايات المتحدة وألمانيا وبعض الدول العربية". وعن إمكانية ضغط روسيا على الأتراك من خلال دعم حزب "الاتحاد الديمقراطي"، يقول مستشار الجيش الحر، إن "تركيا حتى اللحظة متحكمة بكل تحركات الفصائل الكردية، وأن ردة الفعل التركية لن تكون بسيطة في حال حصل هكذا نوع من الضغط. بالتالي فإن أي تحرك روسي ليس في صالح روسيا، لأنها غير موجودة على الأرض كوجود الأتراك".

ويرى أبو زيد أن "روسيا استخدمت كل إمكانياتها في سبيل تمكين النظام من تحقيق تقدم، ولم يتبق لديها سوى استجلاب قوات برية على الأرض أو استخدام السلاح النووي أو الكيماوي، وهي خيارات غير متاحة للروس حالياً".

اقرأ أيضاً: المعارضة تُمسك زمام المبادرة جنوب حلب

المساهمون