تطورات الشمال الأفغاني... بوابة عودة النفوذ الروسي

17 أكتوبر 2015
مباحثات دوستم في موسكو ركزت على دعم الجيش(مصطفى باغ/الأناضول)
+ الخط -
لم يكن القلق الروسي حيال التطورات الأمنية ونفوذ الجماعات المسلحة في شمال أفغانستان مفاجئاً لكل من راقب سير الأحداث عن كثب أخيراً. وقد زادت وتيرة هذا القلق بعد سقوط مدينة قندوز التي تربط أفغانستان بطاجكستان بيد حركة طالبان قبل أن يشنّ الجيش الأفغاني هجوماً لاستعادتها.

رد فعل روسيا كانت سريعاً من خلال وضع القوات الأمنية والمروحيات القتالية في حالة التأهب القصوى على الحدود مع أفغانستان، ونقل تعزيزات جديدة إلى الحدود، تحسباً لأي محاولة عبور للمسلحين من الحدود الأفغانية إلى دول آسيا الوسطى.
في موازاة ذلك، اتهمت روسيا، على لسان مبعوثها الخاص إلى أفغانستان، ضمير كابلوف، الولايات المتحدة وبريطانيا وباكستان بتدريب مسلحي "داعش"، لا سيما المنتمين إلى دول آسيا الوسطى، وسط خشية من أن يؤدي الاتهام الروسي لباكستان تحديداً إلى تدهور في علاقات إسلام آباد وموسكو.
وأشار كابلوف إلى أنّ التقارير الاستخباراتية تؤكد أن اللغة الرائجة في مخيمات تدريب "داعش" في أفغانستان، وبالقرب من دول آسيا الوسطى، هي اللغة الروسية، ما يؤكد، من وجهة نظره، وجود عدد كبير من مقاتلي دول آسيا الوسطى في صفوف التنظيم، وما يلمح إلى أن الهدف من وراء تدريب هؤلاء هو الوصول إلى روسيا ودول آسيا الوسطى.

اقرأ أيضاً سقوط قندوز بيد طالبان: ضرب للنفوذ الصيني بالشمال الأفغاني؟ 

لم يكن كابلوف هو المسؤول الروسي الأول الذي أعرب عن قلق بلاده إزاء التطورات المتسارعة في الشمال الأفغاني ولن يكون الأخير، إلا أن المهم هو إجماع المسؤولين الروس على بذل جهود مشتركة مع أفغانستان وتجهيز الجيش الأفغاني لاستئصال جذور تلك الجماعات التي باتت تهدد روسيا ودول آسيا الوسطى بصورة مباشرة.

دعم الجيش أولوية

عضو مجلس الشيوخ الروسي، إيغور موروزوف، اعتبر أن الحل الأساسي هو دعم أفغانستان، وتوفير كل ما يحتاج إليه جيش ذلك البلد، قبل أن يشير إلى أن "الجيش الأفغاني، لو كان يملك سلاح الجو، ما تطورت الجماعات المسلحة، لذا علينا أن نسد هذه الثغرة في أقرب فرصة".
من جهتها، كانت الحكومة الأفغانية، والتي بذلت العديد من الجهود خلال الأشهر الماضية لتأمين الدعم للقوات المسلحة، تنتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر. وما إن احتدمت المعارك في الشمال الأفغاني وسقطت مدينة قندوز في يد طالبان في الـ29 من الشهر الماضي، حتى أرسل الرئيس الأفغاني، أشرف غني أحمدزاي، نائبه الأول الجنرال عبد الرشيد دوستم، إلى موسكو للتباحث بشأن التطورات الجديدة مع القيادة الروسية.
وبحسب ما ألمح إليه المتحدث باسم مكتب نائب الرئيس سلطان فيضي، فإنّ "الزيارة كانت لها نتائج إيجابية للغاية"، إذ استطاع دوستم أن يقنع القيادة الروسية بتقديم الدعم اللازم للجيش الأفغاني بهدف محاربة الجماعات المسلحة التي عززت قوتها إلى حد كبير في الشمال الأفغاني. وذكر فيضي أن روسيا اتفقت بعد لقاء وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بدوستم على تقديم مروحيات قتالية من طراز "آم آي 35" في المرحلة الأولى للجيش الأفغاني. كذلك تقرّر أن تساهم في تدريب الطيارين الأفغان، وتقديم أنواع مختلفة من السلاح للقوات الأفغانية. وشدد فيضي على أن روسيا لن تتدخل بصورة مباشرة في أفغانستان كما فعلت في سورية، وإنما ينحصر عملها في دعم القوات المسلحة، وهو ما تحتاج إليه أفغانستان في الوقت الراهن.
في أعقاب ذلك، أعلن كابلوف أن بلاده توقع قريباً اتفاقية مع كابول يقدم بموجبها تطوير سلاح الجو الأفغاني. ولمح كابلوف إلى أن بلاده بدأت تقدم بعض الأسلحة للجيش الأفغاني. في موازاة ذلك، يزور وفد من مجلس الشيوخ الأفغاني والبرلمان، حالياً، موسكو قبل أيام لمناقشة تعزيز التعاون بين كابول وموسكو، فيما أشارت المصادر الحكومية إلى أن الزيارة أتت بدعوة من الحكومة الروسية وهدفها تعزيز التعاون الأمني بين الدولتين، بعد أن شكلت أحداث الشمال الأفغاني فرصة لروسيا استغلتها للعمل على تعزيز نفوذها في أفغانستان.

تحقيق أهداف متعددة

لم يكن إقناع روسيا بدعم الجيش الأفغاني هو الهدف الوحيد التي أنجزته الحكومة الأفغانية بعد سقوط مدينة قندوز، بل إن حركة طالبان تلقت ضربة قوية من خلال قتل عدد كبير من مقاتليها، لا سيما الأجانب الذين دخلوا مدينة قندوز. فعندما دخلت القوات الأفغانية الخاصة إلى المدينة لطرد المسلحين، لم يكن هؤلاء يعرفون طريق الخروج منها، وبالتالي وقع معظمهم في قبضة الجيش أو قتلوا. ووفق المصادر القبلية ومصادر في حركة طالبان فإن نحو 500 مسلح قتلوا خلال هذه المعارك، بينما تقول الحكومة إن عدد قتلى طالبان أكثر من 700 عنصر.
كذلك مع دخول طالبان إلى المدينة أفرج عن نحو 700 سجين كانوا في سجن قندوز، وكان من بينهم نحو 100 من معتقلي الحركة. أما الباقون فكانوا في السجن على خلفية ملفات حقوقية. كما أن بعضهم كانوا تجار مخدرات. هؤلاء السجناء، وغيرهم من المسلحين، انضموا إلى صفوف حركة طالبان وقاموا بنهب الأموال وتدمير المحال التجارية والأسواق في مدينة قندوز، ما أساء إلى سمعة الحركة، مما سهل على الحكومة شن حملة إعلامية ضد الحركة.
ولا يستبعد مراقبون أن تفضي هذه الأحداث إلى وقوع تصدّع أكثر في صفوف الحركة التي تعاني من الخلافات الداخلية الحادة بعد إعلان وفاة زعيمها السابق الملا عمر واختيار الملا أختر منصور خليفة له.
كذلك، استغل الرئيس الأفغاني الفرصة للقضاء على سيطرة أمراء الحرب، وبعض من ينسبون أنفسهم إلى الجهاد الأفغاني ضد القوات السوفياتية، إذ تم إطلاق حملة ضد جميع من يحملون السلاح بخلاف الجيش، الأمر الذي أثار قلقاً في صفوف قادة "جبهة الشمال" الأفغاني التي كانت تستولي على معظم المناصب السيادة في حكومة الرئيس السابق حميد قرضاي قبل أن يجري تقليص نفوذها.

اقرأ أيضاً بوتين ورواية محاربة "الجهاديين" سورياً: الخطر اﻷكبر داخل روسيا 

المساهمون