غضب الشمال السوري من الانفتاح التركي ينفجر في وجه الائتلاف الوطني

15 يوليو 2024
تظاهرة ضد تقارب تركيا وسورية بالباب، يوليو 2024 (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تشكيل جسم سياسي جديد**: تعتزم فعاليات معارضة في الشمال السوري تشكيل جسم سياسي بديل عن الائتلاف الوطني، رفضاً للتطبيع التركي مع نظام الأسد، ويستمر اعتصام "الكرامة" في أعزاز مطالباً بذلك.

- **مجلس قيادة الثورة**: كشف رشيد زعموط عن تشكيل لجنة تحضيرية لوضع آليات لتشكيل مجلس قيادة الثورة، تشمل الانتخاب والترشيح، بمشاركة مكونات الشعب السوري، مع إشراف النقابات والقضاة لضمان النزاهة.

- **التحديات والتشكيك في النجاح**: يشكك الباحث ياسين جمّول في قدرة الحراك على تشكيل جسم سياسي بديل، مشيراً إلى العقبات وعدم توحيد المطالب، لكنه يرى أهمية استمرار الحراك للضغط على الائتلاف الوطني.

تعتزم فعاليات معارضة في الشمال السوري تشكيل جسم سياسي جديد ليكون بديلاً عن الائتلاف الوطني المعارض، في خطوة تأتي كرفض للانفتاح التركي على التطبيع مع نظام بشار الأسد، وهو تقارب يرفضه جلّ سكان هذا الشمال الذي تحوّل منذ سنوات إلى منطقة نفوذ لأنقرة بلا منازع.

ويتواصل اعتصام "الكرامة" في مدينة أعزاز، أبرز معاقل المعارضة السورية في شمال البلاد، أيام الأحد والأربعاء والجمعة، رفضاً لمسار تطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري، والتأكيد على "ثوابت الثورة السورية"، في خطوة تستبق أي ضغوط تركية محتملة لفرض تسوية مع النظام. وأغلق متظاهرون في أعزاز قبل أيام مقرّي الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة التابعة له، تعبيراً عن رفضهم مواقف المعارضة التي وصفوها بـ"الخجولة" حيال مسار التطبيع التركي مع النظام السوري. وأعلنوا، في بيان "سحب الشرعية من الائتلاف الوطني السوري"، مطالبين بـ"تشكيل جسم سياسي جديد يمثل تطلعات الشعب السوري المتمثلة في إسقاط النظام وتحقيق الحرية والعدالة للسوريين وفق قرارات الأمم المتحدة".

العمل لتشكيل مجلس قيادة الثورة

وكشف رشيد زعموط، وهو مدير اعتصام "الكرامة"، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه شُكلت "لجنة تحضيرية لوضع آليات ومعايير لتشكيل مجلس قيادة الثورة، وآليات الانتخاب والترشيح". وأضاف: وُضعت مدة زمنية لإنجاز هذه المهمة خلال ثلاثة أشهر من الآن. وتابع: هذا المجلس لن يكون خاصاً بالشمال السوري، بل يشمل البلاد كلها، وسيكون هناك مرشحون لغالبية مكونات الشعب السوري التي شاركت في الثورة.

رشيد زعموط: شُكلت لجنة تحضيرية لوضع آليات ومعايير لتشكيل مجلس قيادة الثورة

وأكد زعموط أن الباب "مفتوح للأكراد والتركمان ليكونوا في هذا المجلس"، مشيراً إلى أن هناك تنسيقاً مع الحراك الثوري في السويداء، مضيفاً: ستكون هناك دائرة انتخابية وسيتم الاتفاق على التفاصيل لاحقاً. وبيّن أن اللجنة التحضيرية "كلها من شخصيات أكاديمية لا يحق لها الترشح"، مضيفاً: ستتم دعوة كل النقابات والقضاة للإشراف على سير الانتخابات. ستكون المراقبة على نطاق واسع لضمان النزاهة الكاملة. كما اعتبر أن الشمال السوري بكل فعالياته سحب الاعتراف بالائتلاف، مضيفاً: سنوجّه خطاباً للأمم المتحدة وجميع دول العالم نشرح فيه أن الائتلاف الوطني لا يمثل الشعب السوري ونطالبهم بعدم التعامل معه.

ويعدّ الشمال السوري منطقة نفوذ تركية، لذا من المتوقع أن تضغط أنقرة على فصائل المعارضة السورية للقبول بأي تفاهمات يمكن أن تصل إليها مع النظام السوري، في حال نجاح الوساطة الروسية للتقريب بين الحكومة التركية والنظام. ويكاد يُجمع سكان الشمال السوري على رفض أي تسوية أو مصالحة مع النظام السوري تحت أي ذريعة كانت، ما يعني مقاومة أي ضغوط تركية مستقبلية يمكن أن تمارس. ويشعر سكان الشمال السوري بأن تقارب أنقرة مع النظام سيكون على حساب مطالبهم في تطبيق القرار الدولي 2254 الذي يدعو إلى انتقال سياسي في البلاد تعقبه كتابة دستور وتنظيم انتخابات.

وحاولت أنقرة تقديم تطمينات للشارع السوري المعارض قبل أيام، حين اجتمع مسؤولون أمنيون وعسكريون أتراك مع وجهاء وعسكريين وأكاديميين وصحافيين سوريين في ريف حلب الشمالي، طالبوا الجانب التركي بـ"انتخاب قيادة ذات صلاحيات كاملة، يعود لها قرار الحرب والسلم" في الشمال. ويبدو أن التطمينات التركية بأن التقارب مع النظام لن يكون على حساب المعارضة، لم تكن كافية لتبديد مخاوف ملايين السوريين من صفقة برعاية روسية بين أنقرة ودمشق، تمهّد الطريق أمام عودة قوات النظام إلى الشمال السوري، وإجبار فصائل المعارضة على إجراء تسويات، على غرار تسوية الجنوب والوسط السوري التي أثبتت الوقائع عدم جديتها وجدواها، فالنظام اتخذ منها باباً للقيام بعمليات انتقامية واسعة بحق معارضيه.

وأوضح الناشط السياسي المقيم في الشمال السوري معتز ناصر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المعتصمين والمتظاهرين في ريف حلب الشمالي "بصدد الانتقال من العشوائية، وردود الفعل العاطفية، إلى التنظيم والعمل المخطط". وقال: "كل النخب الوطنية تدعم تحركات المتظاهرين، والتي إن نجحت سترفع من كفاءة وفعالية الحراك الثوري". وتابع: يعيش الشمال السوري حالة من التجاذبات، ما بين قوى وطنية داخلية التوجه، تحاول انتزاع القرار الوطني، وتحريره من المؤثرات الخارجية، وقوى وظيفية للخارج، تحاول إبقاء حالة الارتهان الوظيفي، والتبعية. ورأى أن "الحل يكون بتشكيل مجلس وطني يمثل كل الأطياف الثورية الوطنية في الشمال، وينبثق عن هذا المجلس حكومة محلية تسيّر أعمال الشمال، وتكون مسؤولة أمام هذا المجلس".

تشكيك في تشكيل جسم بديل عن الائتلاف الوطني

لكن الباحث السياسي ياسين جمّول شكك، في حديث مع "العربي الجديد"، في قدرة الحراك الشعبي في الشمال السوري على تشكيل جسم سياسي ربما يكون بديلاً عن الائتلاف الوطني المعارض، رغم أن هذا الحراك "آخذ في الازدياد والتطوّر في الحركة والمطالب"، معرباً عن اعتقاده بأن "عقبات كثيرة ما زالت أمامه، ولن يكون سهلاً عليه تجاوزها كما يبدو". وتابع: "الحراك لم يأخذ حتى الآن طابعاً عاماً موحداً بمطالبه ورؤيته على مستوى خريطة المحرّر (الشمال الخارج عن سيطرة النظام)، رغم صغرها". وأوضح أن "الحراك في مدينة أعزاز بلغ إغلاق مقرات الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، والمناداة بمنع أعضائه من دخول المناطق المحررة، في حين يستمر بشكل أضعف وبمطالب أقل في مدينة عفرين، ولا يكاد يظهر في مدينة الباب، ويختفي عن جرابلس والراعي". وتساءل جمول، وهو المقيم في الشمال السوري: كيف لحراك كهذا أن يُسقط الشرعية عن الائتلاف الوطني ويشكّل جسماً سياسياً جديداً؟

شكك ياسين جمّول في قدرة الحراك الشعبي على تشكيل جسم بديل عن الائتلاف

واستبعد جمول نجاح الحراك الشعبي في الشمال "في ضوء المعطيات الداخلية والخارجية"، في تشكيل جسم يُزيح الائتلاف الوطني بمؤسساته عن قيادة المشهد السوري المعارض، مشيراً إلى أهمية استمرار هذا الحراك لـ"الضغط على متصدّر المشهد من المعارضة في الائتلاف الوطني والحكومة لضمان سقف أعلى في أي ترتيب يُعدّ للمنطقة".

وكان الائتلاف الوطني دعا، في بيان السبت الماضي عقب إغلاق مقره في أعزاز، "الشعب السوري الحر إلى التحلي بالحكمة وعدم الانجرار وراء الإشاعات والأخبار المزيفة التي يسعى نظام الأسد إلى نشرها من أجل تفريق أبناء الشعب الواحد". وأكد أن "جوهر الثورة سوري وجوهر الحل سوري، ولا يمكن تحقيق السلام المستدام من دون تحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومن دون إطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المغيبين قسرياً". وأشار إلى أن "القرار رقم 2254 (2015)، هو الحل الوحيد القادر على تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين، وتحقيق السلام المستدام".

المساهمون