100 يوم من الإبادة

12 يناير 2024
دير البلح في غزة، الأربعاء (أشرف عمرة/الأناضول)
+ الخط -

في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية (اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2000)، ومحاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله، استصرخ الفلسطينيون، كما فعلوا على مدار نحو 100 يوم من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، قوة العرب وتأثيرهم ووزنهم لوقف جرائم الإبادة. وأغلب الأسئلة عن دور العرب هي من أشخاص مقهورين.

وعلى أرضية ما نُظر له بين عموم الفلسطينيين عن "العمق العربي"، والانتماء إلى أمة كبيرة، ليست بالطبع موجهة للشارع العربي، المساند لقضية فلسطين من منظور نصرة المظلومين، والوقوف مع الحق والعدل، بل للسياسة الرسمية العربية المستهينة بمصالحها، إذ واصل البعض علاقاته بتل أبيب وكأن جريمة لم ترتكب.

تلك السياسة أثبتت في محطات مفصلية وكثيرة أنها في انفصام شديد عن شعوبها. شكلياً يبدو بعضها في دونية وضعف وارتباك. ويمكن في السياق التمعن بلقاء وزير خارجية واشنطن أنتوني بلينكن، المؤيد مع رئيسه جو بايدن لجرائم الحرب في فلسطين، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، حين أُجلس على أريكة منخفضة، وباستعلائية صهيونية تكررت مع غيره من الدبلوماسيين سابقاً.

لا يهم ما إذا كانت تل أبيب هي نجمة أخرى على العلم الأميركي أو العكس، فأقله، رمزياً، بمقارنة لقاءات بلينكن في مدن عربية تظهر استعلائية واشنطن. وربما لمعرفتها ببحث البعض عن بوصلة نيل ورضا وإعجاب "اليانكي".

في كل ما تقدم، وقائمة طويلة أخرى، ليس الأمر اتهاماً "عبثياً". الوقائع تتحدث عن نفسها بعد نحو 100 يوم من حرب الإبادة وارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية، إذ يأبى البعض إلا الظهور كشهود زور، مذكرين الناس بالعروبة المريضة، منذ سطرتْ مسطرة الغربي حدود دولها الحديثة. ولا يحتاج المرء لكثير من العناء لاكتشاف كيف ينأى البعض بأنفسهم عن مبادرة دولة جنوب أفريقيا لملاحقة دولة الاحتلال عن جرائم الإبادة أمام محكمة العدل الدولية.

مع الوقوف على ناصية الفرجة، بتمنيات تحقيق الاحتلال أهدافه لتصفية قضية فلسطين، جاءت دعوى دولة جنوب أفريقيا لتفضح مستوى الخذلان. فهي دولة عانت الأبرتهايد، وقادت عبر "المؤتمر الوطني" كفاحاً بالسلاح لتحقيق تحررها، وباحتضان دول الجوار له. إذاً، سؤال "أين العرب؟"، وإن تكرر في الشوارع، هو تشخيص لأمراض العروبة، بشقيها الصامت وصاحب الشعارات. ففي الأمس القريب كانت سورية أحد أمثلة وباء الصمت، وغياب الجرأة لمواجهة جرائم حرب نظامها ضد شعبه.

كارثة تلك السياسات ليس في صمتها فحسب، بل في ممارسة أشد أنواع النفاق (المتهم به بعض الغرب) في تبريرات عجزها، وسؤال إعلامها البليد: ما فائدة المقاومة؟ ولعله آن أوان طرح أسئلة عميقة عن أمراض الحالة العربية. دولة جنوب أفريقيا، كما دول في أميركا اللاتينية وآسيا، لا تواجه جرائم الإبادة على أسس عاطفية، بل لأنها تشاهد الدوس على القيم والقوانين الدولية لأكثر من ثلاثة أشهر.

ويبدو سريالياً تساؤل غربيين مؤيدين لفلسطين، وليس لحركة حماس، عن أسرار هذا الوهن الرسمي العربي، وخوفه الشديد من ممارسة مكانته في السياسة العالمية. بل الأفظع تلك الأسئلة لجيل عربي جديد في الغرب عن أسباب دس "وسائل إعلام" ناطقة بالعربية للسم بالعسل، أملاً في إعادة "سكة التطبيع" مجدداً.

تفسيرات تقدم مثلاً لجيل عربي ولد في المهجر، من تشيلي حتى الدنمارك، تزيد الطين بلة وتشوش الانتماء، وهم يراقبون كيف أن البعض أقدم على طرد سفراء وممثلي الاحتلال الإسرائيلي، فيما يتواصل الأمر في عواصم عربية "كالعادة". ويزداد يقين الأجيال العربية الشابة في أن الأولوية هي في طرح أسئلة الاستبداد وقمع الحريات، والتي تصل إلى ما لم تستطع لا برلين ولا باريس ولا كوبنهاغن ولا استوكهولم ولا لندن فرضه، كحظر العلم الفلسطيني والتعبير عن رفض المجازر.