نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، اليوم الجمعة، عن مسؤولين سعوديين مطلعين قولهم إن السعودية تدرس عرضًا صينيًا لبناء محطة للطاقة النووية في المملكة، في خطوة تهدف إلى الضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتقديم تنازلات بشأن شروطها لمساعدة المملكة للحصول على الطاقة النووية.
وطرحت فكرة موافقة الولايات المتحدة على بناء محطة للطاقة النووية لأغراض مدنية في خضم المباحثات التي تقودها واشنطن للتطبيع بين المملكة و"إسرائيل"، وهو ما تعارضه الأخيرة.
ومن ضمن الشروط التي تضعها الولايات المتحدة على هكذا خطوة نووية، موافقة السعوديين على عدم تخصيب أو استخراج رواسب اليورانيوم الخاص بهم، وهي شروط لا تسعى إليها الصين، "مما أثار ذعر واشنطن"، على حد قول الصحيفة.
ووفق الصحيفة، قال المسؤولون السعوديون إنّ شركة الصين الوطنية النووية، وهي شركة مملوكة للدولة تُعرف باسم (CNNC)، قدمت عرضًا لبناء محطة نووية في المنطقة الشرقية بالمملكة، بالقرب من الحدود مع قطر والإمارات.
واعترف المسؤولون السعوديون بأن التوجه نحو الصين كان وسيلة للتواصل مع إدارة بايدن للتوصل إلى حل وسط بشأن متطلبات حظر الانتشار النووي، بحسب الصحيفة.
وقال هؤلاء إن السعودية تفضل استئجار شركة كوريا للطاقة الكهربائية أو شركة كيبكو في كوريا الجنوبية، لبناء مفاعلات المحطة وإشراك الخبرة التشغيلية الأميركية، ولكن دون الموافقة على ضوابط الانتشار التي تطلبها واشنطن بشكل عام.
وأضاف المسؤولون أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستعد للمضي قدمًا مع الشركة الصينية قريبًا، إذا انتهت المحادثات مع الولايات المتحدة بالفشل.
ونقلت الصحيفة عن جوستين دارجين، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمتخصص في الطاقة في الشرق الأوسط، أن الصين لن تفرض على الأرجح نفس النوع من متطلبات عدم الانتشار، مما يجعلها شريكًا أكثر ملاءمة للسعودية.
وسبق أن صرحت وزارة الخارجية الصينية بأنّ بكين ستواصل التعاون مع السعودية في مجال الطاقة النووية المدنية، مع الالتزام بالقواعد الدولية لمنع الانتشار.
"تحول جيوسياسي"
واعتبرت الصحيفة، أن المضي قدمًا في العرض الصيني من شأنه أن يمثل تحولًا جيوسياسيًا آخر تجاه الصين بالنسبة للسعودية التي كانت سابقاً في المعسكر الأميركي.
وقالت: "بناء مفاعلات لدولة أخرى هو أمر جيوسياسي بطبيعته، لأنه يقيد الدول بعقود باهظة الثمن وطويلة الأجل. ذات يوم، شبه سون تشين، الرئيس السابق لشركة CNNC، مثل هذه الصفقات بـ"زواج لمدة 100 عام"، نظراً للوقت الذي تستغرقه المناقشات الأولية حتى توقيع الاتفاقية ثم بناء المحطة وصيانتها وإيقاف تشغيلها".
وخطوة نووية من الصين تجاه السعودية، تتوج عدة تحركات وشراكات جرت بين بكين والرياض خلال العام الماضي ومنذ بداية العام الجاري، في ما بدا خروجاً سعودياً من عباءة الولايات المتحدة، تجاه خصمها العالمي.
وبرز دور بكين، في الشرق الأوسط، في مارس/ آذار الماضي، عندما رعت اتفاقًا مفاجئًا بين الرياض وطهران، على استئناف العلاقات بين أبرز قوّتين إقليميّتين في الخليج بعد سبع سنوات من القطيعة.
وزار الرئيس الصيني شي جين بينغ الرياض في أواخر 2022، وقال إن زيارته التي تخللها توقيع اتفاقات شراكة تجارية بالمليارات ستفتح "عصراً جديداً" للعلاقات بين الصين والعالم العربي ودول الخليج والسعودية.
والصين هي أكبر مشتر للنفط السعودي وأكبر شريك تجاري لها.
وفي مايو/ أيار الماضي، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أنشطة تنقيب عن يورانيوم تجريها السعودية بمساعدة صينية، ما أثار مخاوف بين المسؤولين الأميركيين والحلفاء من أن الرياض تبقي خيار تطوير أسلحة نووية مفتوحاً.
وقالت الصحيفة: "حتى لو لم يكن أمام الصين سوى فرصة بعيدة، يمكن للسعودية أن تبقي CNNC كخيار إذا أرادت "إشعال النار تحت أقدام صناع القرار في واشنطن" لتسريع التوصل إلى حل بين "كيبكو" و"ويستنغهاوس" الأميركية.
لكن بحسب الصحيفة، أبدى المسؤولون الأميركيون القليل من القلق بشأن تواصل السعودية مع الصين للمساعدة في برنامجها النووي، على الرغم من أنهم ضغطوا على الرياض للحد من تعاونها العسكري مع الصين.
وقالت إن "إدارة بايدن مقتنعة بأن الخبرة التشغيلية والتنظيمية الأميركية أفضل مما تقدمه الصين. وتم تمديد المناقشات السعودية مع مقدمي العروض بشكل متكرر، ومن المتوقع الآن أن تمتد المحادثات حتى نهاية هذا العام على الأقل".
وقال المسؤولون السعوديون إن العرض الصيني أرخص بنسبة 20% على الأقل من العروض الواردة من اثنين من المنافسين، "كيبكو" الكورية الجنوبية، وشركة إي دي إف الفرنسية، مما يجعله جذابًا للسعوديين، بالرغم من تفضيل مفاعلات كيبكو.
ووفق الصحيفة، يسعى السعوديون إلى منح عقد إنشاء محطة المنطقة الشرقية، المعروفة باسم الدويهين وهي منشأة مكونة من مفاعلين بقدرة 2.8 غيغاوات، بحلول نهاية عام 2023، وفي نهاية المطاف بناء 16 مفاعلًا بتكلفة حوالي 80 مليار دولار إلى 100 مليار دولار.
وقالت إن الدافع وراء التوجه السعودي للطاقة النووية هو قضيتان وجوديتان محتملتان: البرنامج النووي الإيراني، والمستقبل الذي لم تعد فيه صادرات المملكة الرئيسية؛ النفط، ذات قيمة.
وتحدثت السعودية أيضاً مع فرنسا وروسيا بشأن الطاقة النووية. لكن المسؤولين السعوديين قالوا إنهم يشكون في قدرة فرنسا على الوفاء بالتزاماتها، كما أن لديهم مخاوف بشأن العقوبات بشأن التعاون مع روسيا.