شهد العام الحالي وفاة أو مقتل العديد من كبار الضباط في جيش النظام السوري في حوادث يكتنفها الغموض، بينما لا تستبعد مصادر مختلفة أن يكون النظام طرفاً رئيسياً في هذه الحوادث، في وقت تحول فيه هذا الجيش بعد نحو 10 سنوات من زجه في مواجهة جموع المطالبين بتغيير سياسي عميق في البلاد، إلى مجرد واجهة للنفوذ الروسي والإيراني المتعاظم في سورية.
وفي جديد هذه الحوادث، توفي الإثنين الماضي العميد أكرم محمد معلا، قائد "اللواء 65 ميكا" التابع لـ"الفرقة الثالثة" في القلمون الشرقي بريف دمشق، عن عمر يناهز 56 عاماً. ولم توضح عائلته أسباب الوفاة في نعيها له، غير أنها أشارت إلى أن جثمانه نُقل من مستشفى تشرين العسكري في محيط العاصمة السورية، ليدفن في مقبرة قرية الروسية في ريف اللاذقية على الساحل السوري غربي البلاد. ووفق مصادر في المعارضة السورية، فإنّ المتوفى كان مسؤولاً عن العديد من المجازر المرتكبة بحق أهالي مناطق القلمون والغوطة الشرقية والبادية السورية.
ويكتنف الغموض أسباب وفاة أو مقتل عدد كبير من ضباط قوات النظام الذين رحلوا خلال العام الحالي، ومن اللافت أنّ وسائل إعلام النظام تشير غالباً إلى أن أزمات قلبية هي السبب وراء الوفاة. وبحسب موقع تلفزيون "سوريا" المعارض، نعت صفحات ومواقع موالية لنظام الأسد أكثر من 15 ضابطاً برتب كبيرة منذ مطلع شهر أغسطس/آب الماضي وحتى سبتمبر/أيلول الماضي، مشيراً إلى أنّ أغلبهم "تقلّدوا مناصب حساسة ومهمة، سواء داخل المؤسسة العسكرية أو الأمنية، خلال السنوات العشر الأخيرة".
يحرص النظام على التخلص من الضباط الذين انتهى دورهم أو يبحثون عن أدوار يمكن أن تؤثر عليه
وفي مطلع أغسطس، لقي العميد فؤاد شعبان الذي كان قائد عمليات في "الفرقة 15" التابعة لـ"القوات الخاصة" التي يديرها ماهر الأسد، مصرعه في ظروف غامضة، بينما لقي العقيد موفق عجيب مصرعه في اليوم نفسه دهساً، على طريق المستشفى العسكري في مدينة اللاذقية. وبحسب المصدر ذاته، توفي عدد من كبار الضباط في جيش النظام منتصف العام الحالي، منهم العميد الطبيب مصطفى درويش الذي كان يشغل منصب مدير المستشفى العسكري في دمشق، والعميد غسان صالح رئيس لجنة التحقيق في فرع الأمن العسكري والذي توفي متأثراً بجروح خطيرة من جراء حادث سير.
كما قُتل العقيد علي جمبلاط، أحد مرافقي ماهر الأسد، قنصاً في منطقة يعفور بريف دمشق، والذي كان ضالعاً في الإعدامات الميدانية واقتحام البيوت في الغوطة الشرقية وعموم ريف دمشق وممارسة القتل والتعذيب. كذلك، أردت رصاصات عدة العقيد سومر ديب، الذي كان يعمل محققاً في سجن صيدنايا، قتيلاً أمام منزله في حي التجارة بالعاصمة السورية دمشق. وشهد شهر مايو/أيار الفائت مقتل 8 ضباط من الطائفة العلوية كانوا يحملون رتباً عالية ويتولون مفاصل عسكرية وأمنية مهمة في النظام السوري.
وتتجه أصابع الاتهام إلى النظام في التخلّص من عدد كبير من الضباط الذين بات لهم حضور في الطائفة العلوية التي ينتمي أغلب ضباط الجيش إليها منذ عام 1970 عندما عمل حافظ الأسد على "علونة" القوات المسلحة لحماية نظامه. ووفق مصادر مطلعة في دمشق تحدثت لـ"العربي الجديد"، "لا يتردد النظام في تصفية كل ضابط يشعر بأنه يعلم أكثر مما يجب، أو عندما يرى أنه بات يشكل عبئاً عليه". وأشارت المصادر إلى أنّ جل المتوفين لـ"أسباب غامضة هم من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد، وتتحكم بسورية منذ 50 عاماً"، مضيفةً: "طبيعة النظام الأمنية تحتم عليه التخلص من أي أحد يمكن أن يشكل خطراً عليه". ولم تستبعد المصادر "وجود عمليات تصفية داخل جيش النظام وأجهزته لأسباب تتعلق بالنفوذ"، موضحةً أنّ هذا الجيش "تحول منذ سنوات عدة إلى ما يشبه العصابة أو المليشيات المنفلتة، في ظلّ وجود ضابط ضعيف في وزارة الدفاع (العماد علي أيوب)، وخلو منصب رئيس الأركان منذ سنوات عدة".
وبيّنت المصادر أنّ النظام "يحرص على التخلص من الضباط الذين انتهى دورهم أو يبحثون عن أدوار يمكن أن تؤثر عليه، بطريقة لا تثير الطائفة العلوية"، مضيفةً "لذلك يلجأ إلى الدهس في الشوارع أو القنص، واتهام ما يسميها بالعصابات الإرهابية المسلحة". وأوضحت المصادر أنّ هناك "نفوذاً كبيراً للجانبين الروسي والإيراني في مؤسسة الجيش، وقد انقسم ضباط هذا الجيش من الطائفة العلوية ما بين الولاء لموسكو بشكل علني أو لطهران".
حسون: الضباط الذين توفوا أو قتلوا بظروف غامضة هم غالباً متورطون بجرائم، أو يريد النظام التخلص منهم بسبب امتلاكهم معلومات تدينه
من جانبه، رأى العميد فاتح حسون، وهو ضابط منشق عن قوات النظام، أنّ الضباط الذين توفوا أو قتلوا بظروف غامضة "هم غالباً متورطون بجرائم، أو يريد النظام التخلص منهم بسبب امتلاكهم معلومات تدينه، أو تعاملهم مع قوى دولية خارجية". وحول عدد ضباط النظام الذين قتلوا منذ بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، أكد حسون في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا توجد إحصائيات دقيقة يمكن الاعتماد عليها"، مرجحاً أن يربو العدد عن العشرة آلاف ضابط. وحول عدم تعيين ضابط في منصب رئيس أركان الجيش، قال حسون "يبدو أن هناك خلافاً حول هذا المنصب بين الروس والإيرانيين، وعندما يصلون لاتفاق يعيّن أحد الضباط".
ولم ينتظر النظام السوري طويلاً قبل أن يزج بالجيش في مواجهة جموع المتظاهرين المطالبين بالتغيير عام 2011، وهو ما جعل هذه المؤسسة التي يعود تأسيسها إلى عام 1920 طرفاً في الصراع، وهو ما دفع وزير الدفاع في ذلك العام، العماد علي حبيب، وفق مصادر مطلعة، إلى الاعتراض ما أدى إلى إقالته من منصبه، وتعيين داوود راجحة خلفاً له. ولقي راجحة مصرعه منتصف عام 2012، في تفجير لم تُكشف حتى اللحظة الجهة التي تقف وراءه، إلى جانب آصف شوكت الذي كان نائباً لوزير الدفاع، وحسن تركمان الذي كان معاوناً عسكرياً لبشار الأسد، وهشام اختيار الذي كان أرفع مسؤول أمني. وكان هؤلاء إلى جانب آخرين يشكلون ما كان يُعرف في حينه بـ"خلية الأزمة" التي كانت مكلفة بالتعامل مع الأحداث التي كانت تتصاعد في سورية.
إلى ذلك، قال العقيد مصطفى البكور، وهو طيار منشق عن جيش النظام، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ هذا الجيش "في أضعف حالاته"، موضحاً أنّ عدده "لم يعد يتجاوز 100 ألف شخص أكثر من نصفهم غير محاربين". وأضاف: "من يتحرك بفاعلية على الجبهات المليشيات الإيرانية وحزب الله، اعتماداً على القوة النارية من الطيران الروسي".