وفاة جان ماري لوبان... الفاشية ليست تفصيلاً في التاريخ

07 يناير 2025
جان ماري لوبان في باريس، 1 مايو 2013 (شارل بلاتيو/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توفي جان ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا، عن عمر 96 عاماً، بعد مسيرة سياسية بدأت بالانضمام إلى رابطة كوربو اليمينية، وتأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2002.
- شارك في الجيش الفرنسي خلال حرب الهند الصينية، وأسس حزب الجبهة الوطنية في 1972، حيث عُرف بآرائه المعادية للسامية والرافضة للأجانب، وأثار جدلاً بتصريحاته حول التعذيب في الجزائر.
- عُرف بتبنيه لثقافة كراهية الأجانب، واستخدم هجمات 11 سبتمبر لدعم خطابه حول الأمن القومي، واختلف مع ابنته مارين حول استراتيجية الحزب، تاركاً إرثاً يمينياً متطرفاً.

توفي، اليوم الثلاثاء، مؤسس حزب الجبهة الوطنية (التجمع الوطني بدءاً من عام 2018)، اليميني المتطرف في فرنسا، جان ماري لوبان عن 96 عاماً بعد فترة من المرض. ومعروف عن الرجل، والد مارين، أنه من غلاة اليمينيين المتطرفين في فرنسا. وشكّل تأهله للجولة الثانية من الرئاسيات الفرنسية في عام 2002 مفاجأة صاعقة، تحولت لاحقاً إلى واقع مع تكرار وصول ابنته مارين إلى الجولة الثانية من رئاسيات فرنسا، خصوصاً في عامي 2017 و2022. وُلد جان ماري لوبان عام 1928 في مقاطعة موربيهان، وهي بلدة ساحلية صغيرة في بريتاني، شمال غربي فرنسا. كان الابن الوحيد لعائلة متواضعة من أب صياد. حصل لوبان على نموذج تعليمي خاص بريف فرنسا. وبعد اختفاء والده في صيف 1942، خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، بدأ جان ماري لوبان يتحوّل إلى الأفكار اليمينية المتطرفة، إذ بعد حصوله على البكالوريا في الفلسفة، التحق في أكتوبر/تشرين الأول 1947 بكلية الحقوق في ساحة بانتيون بالعاصمة باريس وتخرج من التعليم العالي في العلوم السياسية، وكان يتقن فن البلاغة والخطابة. وانضم جان ماري لوبان إلى رابطة كوربو اليمينية، معززاً قناعاته في محاربة الشيوعية، وانتُخب رئيساً لها عام 1949. واعتُبر هذا المنصب أول خطوة ترشده في مشواره المستقبلي، فضلاً عن السياق السياسي آنذاك والحرب الباردة (1947 ـ 1991)، التي عززت قناعاته بضرورة محاربة الشيوعية لضمان "استدامة الأمة الفرنسية المهددة بالزوال".


جان ماري لوبان: لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأن فعل ذلك كان ضرورياً

جان ماري لوبان في الجيش الفرنسي

تطوع لوبان للمشاركة في القتال مع الجيش الفرنسي في عام 1954 في الهند الصينية (كانت تضمّ كمبوديا، لاوس، ميانمار، تايلند، فيتنام، وجزء من ماليزيا) آنذاك، وبعد عودته بعامين لاحظه السياسي بيار بوجادي، الذي قرر ضمه إلى الاتحاد الفرنسي للدفاع عن تجار وحرفيي فرنسا. وأطلق على هذا الاتحاد اسم "البوجادية" (نسبة إلى مؤسسه بوجادي)، قبل أن يصبح حزباً سياسياً يقاوم التدقيق الضريبي ويرفض دفع الضرائب من قبل التجار ويدافع عن حقوق المهن البسيطة. واكتسحت "البوجادية" المشهد السياسي في فرنسا وبدأت ملامحها المعادية للسامية والرافضة للأجانب تتكشف حتى أصبحت رمزاً للشعبوية في البلاد، وضمت 52 نائباً منتخباً في الجمعية الوطنية (البرلمان) عام 1956، بمن فيهم جان ماري لوبان في أول فترة انتخابية له.

واعتبر انضمام لوبان لهذا الحزب فرصة ذهبية لتكريم قناعاته حول القومية وجعل اتحاد التجار والحرفيين قوة جماهيرية حقيقية يمكنها ترسيخ نفسها بشكل دائم في الساحة السياسية من خلال جعل الحزب رأس حربة الدفاع عن "الجزائر الفرنسية" في البرلمان. وكان قد أثير جدل كبير حول ما إذ كان لوبان قد ارتكب أعمال تعذيب خلال وجوده في الجزائر لمدة ستة أشهر عام 1957. ففي التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1962، قال لوبان في مقابلة مع صحيفة كومبا: "لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأن فعل ذلك كان ضرورياً"، لكنه في ما بعد نفى ما قاله، موضحاً أنه كان يعني بـ"نحن" الجيش الفرنسي و"ليس أنا ورفاقي".

تقارير دولية
التحديثات الحية

وأكد لوبان أنه "كانت هناك استجوابات خاصة وصعبة.. تحدثنا عن التعذيب، وكان الجيش الفرنسي عائداً من الهند الصينية، ورأى هناك عنفاً رهيباً يفوق الخيال ويجعل خلع الأظافر يبدو إنسانياً إلى حد ما.. لذا، نعم، لقد مارس الجيش الفرنسي ذلك للحصول على معلومات خلال معركة الجزائر، لكن الوسائل التي استخدمها كانت الأقل عنفاً. كان هناك ضرب وتعذيب كهربائي، لكن من دون تشويه أو أي شيء يمس السلامة الجسدية". وفي عام 1984، كتبت جريدة لو كانار أنشينيه أن جان ماري لوبان شارك في أعمال التعذيب أثناء ثورة التحرير الجزائرية (1954 ـ 1962)، التزاماً بالتراتبية العسكرية المفروضة آنذاك. وفي عامي 2000 و2002، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية سلسلة من الشهادات التي كشفت عن طرق التعذيب التي شارك في تنفيذها لوبان في الربع الأول من عام 1957 في الجزائر. ولعل أهمها "قضية الخنجر"، حيث وجد محمد شريف، وهو ابن جزائري تعرض للتعذيب أمام زوجته وأطفاله الستة، خنجراً نُقشت عليه عبارة "جان ماري لوبان، الفوج الأول للمظليين".

وبعد نهاية حلم ما كان يسمى بـ"الجزائر الفرنسية" عام 1962، انتقل لوبان من معاداة الشيوعية إلى معاداة الديغولية (نسبة إلى الزعيم الفرنسي الجنرال شارل ديغول)، أي معارضة فرنسا التي أسسها ديغول وتحكمها التكنوقراطي النخبوي، والتي كان يعتقد أنها تقمع الطبقات الاجتماعية الأكثر تواضعاً في البلاد. وبالفعل، تمكن جان ماري لوبان من تأسيس "الجبهة الوطنية" مع فرانسوا دوبرات في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 1972. وترأس جان ماري لوبان الحزب بين عامي 1972 و2011، وخلالها انتخب مستشاراً لبلدية باريس عام 1983 ومستشاراً إقليمياً في إيل دو فرانس في عام 1986. وخلال هذه الفترة، أجرى لوبان تغييرات على خطابه السياسي وتخلى عن المفاهيم الاستعمارية القديمة ليقدم نفسه "محرضاً ساخراً" بشأن المواضيع الاجتماعية الآنية، وهو ما اعتُبر آنذاك تطوراً أيديولوجياً يلقي الضوء على المصالح الوطنية والرفض الصريح للهجرة.


يؤمن جان ماري لوبان بعدم المساواة بين الأعراق

كراهية الأجانب

أكسبت هذه الثقافة السياسية اليمينية المتطرفة الجديدة زعيم الجمعية الوطنية أول نجاح سياسي له في الانتخابات الأوروبية عام 1984، ووصل إلى منصب عضو في البرلمان الأوروبي، وهو ما سمح لحزبه بالخروج بعد فترة طويلة من التهميش. ورافقت لوبان باستمرار ثقافة كراهية الأجانب التي تبناها منذ دخوله المعترك السياسي، ففي عام 1996 قال في مقابلة مصورة "أنا أؤمن بعدم المساواة بين الأعراق، ومن الواضح أن التاريخ يوضح ذلك. ليست لديهم القدرة ذاتها والمستوى نفسه من التطور التاريخي".

ويمكن القول إن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة شكلت حجر الأساس في خطابات لوبان حول الأمن القومي وأيديولوجية اليمين المتطرف، واستخدمها بشكل يدعم خطاباته، بعدما دمج في فرنسا "القضية الدينية الإسلامية وانعدام الأمن والإرهاب الإسلامي"، وهو ما حدد إيقاع حملته الانتخابية لعامي 2002 و2007. وخلق جان ماري لوبان المفاجأة خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 21 إبريل/نيسان 2002 حين وصل إلى المركز الثاني خلف جاك شيراك بنتيجة 16.86%، لكن انتخابات 2007 أكدت تراجعه السياسي بنسبة أصوات لم تتجاوز 10.58% في الجولة الأولى. وفي يناير/كانون الثاني 2011، سلّم السلطة لابنته مارين لوبان، ليصبح بعدها الرئيس الفخري للحركة.

لكن مع اختلاف توجهات الأب عن ابنته، أعلن جان ماري لوبان أنه لا يحب "استراتيجية نزع الشيطنة" (عن الحزب وتلميع صورته) التي اختارتها ابنته عام 2015، فغيّرت مارين اسم حزبها من "الجبهة الوطنية" إلى "التجمع الوطني" وغيرت سياساتها محاولة تخليص الحزب من تهمة التطرف. وبسبب إحدى مقابلات جان ماري لوبان التي وصف فيها غرف الغاز بأنها "تفاصيل عن تاريخ الحرب العالمية الثانية" في إحدى المقابلات، أعلنت مارين ابنته سلب رئاسته الفخرية للحزب منه بشكل نهائي، ما دفعه إلى رفع دعوى قضائية ضدها. وفي مارس الماضي، وضعت السلطات القضائية الفرنسية جان ماري لوبان، البالغ من العمر 96 عاماً، تحت الوصاية القانونية بناء على طلب عائلته، إثر تدهور حالته الصحية. مات جان ماري لوبان تاركاً خلفه يميناً متطرفاً يغزو العالم وإن لم يكن ذلك اليمين الفاشي الذي كان الرجل يحلم به. صاحب عبارة "الهولوكوست تفصيل في التاريخ" ظل لفترة طويلة رمزاً للفاشيين في العالم وليس في فرنسا أو أوروبا فحسب، وها هو يغادر هذا العالم ربما مطمئناً إلى أن "إرثه" الفاشي بألف خير.

تقارير عربية
التحديثات الحية