المساءلة وعدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب، وتوثيق تلك الانتهاكات في سورية، ملفات رئيسية بالنسبة لمعظم منظمات حقوق الإنسان السورية، وغيرها من منظمات دولية وأممية ناشطة في توثيق الانتهاكات في سياق الحرب السورية، التي اندلعت بعد الثورة المناهضة لحكم نظام الرئيس بشار الأسد، قبل نحو 13 عاماً.
وفي سياق محاولة تلك المنظمات التنسيق فيما بينها، ومع الجهات الحقوقية، لإيجاد أفضل السبل للتواصل مع المنظمات الدولية لتقديم تقارير ذات معايير دولية، تكون حاضرة مستقبلاً عند بدء المراحل الانتقالية، والمحاسبة، أقامت "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، يوم أمس الخميس، بالتعاون مع منظمة "ميزان للدراسات وحقوق الإنسان"، ومنظمة "العدالة من أجل السلام"، وبشراكة مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ورشة عمل حقوقية، في مقر الرابطة بمدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، لمتابعة تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل في سياق النزاع السوري، والمناصرة للقضايا الحقوقية.
الاستعراض الدوري الشامل
والاستعراض الدوري الشامل هو آلية من آليات مجلس حقوق الإنسان تدعو كل دولة عضو في الأمم المتحدة إلى إجراء استعراض لسجلّها في مجال حقوق الإنسان من قبل الأقران، مرّة كل أربع سنوات ونصف السنة، ما يتيح لكل دولة تقديم تقرير عن الإجراءات التي اتخذتها لتحسين حالة حقوق الإنسان فيها، والتغلب على التحديات التي تعيق التمتع بحقوق الإنسان، وتلقي التوصيات، بالاستناد إلى مدخلات أصحاب المصلحة المتعددين، وتقارير ما قبل الدورات، من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل التحسين المستمر.
كما يهدف الاستعراض الدوري الشامل، الذي أنشأته الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس/ آذار 2006، بموجب القرار 60/251، إلى حث الدول على تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها ودعمها وتوسيع نطاقها في كل بلد.
توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سورية من أجل المساءلة
وتركزت الورشة على تعزيز المعرفة، من خلال تقديم فهم شامل حول آلية الاستعراض الدوري الشامل، وكيف يمكن لمنظمات المجتمع المدني استخدامها بفعالية في السياق السوري، والتوثيق والمساءلة من خلال تسليط الضوء على أهمية توثيق الفظائع واستخدام هذه المعلومات في تقارير الاستعراض الدوري الشامل للضغط من أجل المساءلة، وبناء القدرات عبر تطوير مهارات المشاركين في صياغة التقارير، وخاصة استخدام الخطاب القانوني بفعالية، وتشجيع التنسيق والتعاون بين منظمات المجتمع المدني السورية لتوحيد الجهود وزيادة الفعالية.
ووجهت الورشة إلى نشطاء حقوق الإنسان، الممثلين عن منظمات المجتمع المدني السوري، والباحثين في مجال حقوق الإنسان، والمهتمين بالعمل الحقوقي والإنساني في سورية، لاسيما أنها تضمنت جلسات تدريبية حول آليات الاستعراض الدوري الشامل، وورشة عمل حول توثيق الفظائع وصياغة التقارير، وجلسات نقاش حول تحديات وفرص تحقيق العدالة في سورية، واستراتيجيات تهدف لتعزيز التعاون بين المنظمات.
وقال سامر ضيعي، وهو المدير التنفيذي لـ "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الورشة هي عبارة عن عمل يجمع منظمات المجتمع المدني الحقوقية والقانونية السورية"، مؤكداً، أن "هدفها الأساسي هو "تعزيز جهود منظمات المجتمع المدني السورية في تنفيذ توصيات الاستعراض الدولي الشامل في سياق النزاع السوري، بالإضافة إلى تنسيق جهود المنظمات في العمل على مناصرة قضايا حقوق الإنسان وتسليط الضوء على الانتهاكات التي يقوم فيها النظام السوري، والأطراف الأخرى خلال حولي 12 عاماً من الصراع في سورية".
ويتهم النظام السوري بالوقوف وراء معظم الانتهاكات المرتكبة في سورية، لاسيما الاعتقال التعسفي والقسري، والقتل داخل السجون، واستخدام السلاح الكيماوي، وارتكاب المجازر باستخدام الطيران الحربي وأسلحة المدفعية والدبابات والرصاص، وفق منظمات سورية ودولية.
ما بعد ورش العمل
من جانبه، يشير المحامي علي الزير، وهو عضو "مجموعة عائلات الأشخاص المفقودين"، وأحد المشاركين في الورشة، إن "الفكرة الأساسية من هذه الورشة تتلخص حول كيفية بناء عمل مشترك بين منظمات المجتمع المدني السوري لتحقيق أثر واضح فيما يتعلق بآليات الأمم المتحدة على مختلف مستوياتها، وبشكل خاص على موضوع الاستعراض الدوري الشامل".
وأضاف، في حديث لـ "العربي الجديد" أن "الاستعراض الذي نحن أمامه كمنظمات مجتمع مدني، هو تقرير منتصف المدة، إضافة إلى تقرير الاستعراض الشامل الذي انجز منذ سنتين تقريباً".
ويرى الزير، أن "الورشة كانت إيجابية حتى تعمل المنظمات مع بعضها البعض، والأمر الأهم هو استخلاص هذه التوصيات التي صدرت في التقرير السابق ومن ثم تبويبها ضمن فقرات معينة، والإشارة إلى ما تم القبول به أو رفضه والإحاطة به من قبل النظام السوري".
وشدد الحقوقي السوري على الخطوة التالية ما بعد الورشات، قائلا: "يجب أن نطلع على ما تم العمل عليه سابقاً، والمفترض أن يكون لدينا شيء للمستقبل، وكيف سوف تتعامل منظمات المجتمع المدني السوري التي كانت حاضرة في هذا اللقاء، وكيف يمكننا بناء مشروع مشترك وتقارير مشتركة، وهذا هو الغاية الأساسية من هذه الورشة".
وأشار إلى أهمية استمرار مثل هذه المناقشات، لتحقيق نتائج إيجابية في المستقبل من خلال هذه الاجتماعات، وعدم الوقوف عند مرحلة ما".
ومنذ اندلاع الحرب في سورية، ظهرت وتأسست كثير من المنظمات الحقوقية، وربطت هذه المنظمات شراكات مع منظمات دولية وأممية بهدف توثيق انتهاكات الحرب المستمرة، التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين، إضافة إلى ملايين النازحين واللاجئين والمهجرين قسراً، علاوة عن المعتقلين والمختفين قسرياً.