"هيئة تحرير الشام" تنشئ "ديوان مظالم".. إصلاح أم إجراء شكلي؟

02 يوليو 2024
من تظاهرة معارضة لهيئة تحرير الشام في إدلب، 1 مارس 2024 (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- هيئة تحرير الشام في شمال غربي سورية أنشأت "ديوان مظالم" ومحكمة جنايات للقضايا الأمنية، ضمن "إصلاحات" لتعزيز العدالة ومحاولة لتهدئة الاستياء الشعبي ضد سياساتها المتشددة، تشمل النظر في جرائم كالقتل وتهريب المخدرات.
- يُشكك في فعالية هذه الإجراءات ونواياها، حيث يعتبرها البعض خطوات شكلية تحت ضغط شعبي، في محاولة لإعادة تأهيل صورة الهيئة وتخفيف قبضتها الأمنية، مع تحويل السجناء للنظام القضائي الجديد.
- الحراك الشعبي يطالب بإجراءات أكثر جذرية لتحقيق العدالة وتحسين الأوضاع المعيشية والأمنية، مثل إقالة قيادات وحل جهاز الأمن العام، مؤكدين أن الأفعال هي المقياس الحقيقي لنجاح الإصلاحات.

شكّلت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، "ديوان مظالم"، ومحكمة جنايات متخصصة بالقضايا الأمنية، في خطوة يُعتقد أنها محاولة جديدة لامتصاص الغضب الشعبي والنقمة المتصاعدة على سياساتها المتشددة وتفردها بالقرار.

"إصلاحات" هيئة تحرير الشام

وأصدرت وزارة العدل في "حكومة الإنقاذ"، الذراع الإدارية لـ"تحرير الشام" في شمال غربي سورية، يوم السبت الماضي، قراراً بإنشاء "محكمة الجنايات" الثانية، المتخصصة بالنظر في جرائم الجنايات ذات الطابع الأمني، على أن يصدر "المجلس الأعلى للقضاء" اللائحة التنظيمية لعمل المحكمة، وفق الوزارة. وبحسب مصادر مقربة من الهيئة، تنظر المحكمة في جنايات القتل غير الخطأ، وتهريب وتجارة وترويج وإنتاج المخدرات والمؤثرات العقلية، إضافة إلى قضايا متعلقة بالسطو المسلح والخطف والدعارة والقوادة والزنا المحصن والاغتصاب، والسحر والشعوذة والجرائم المالية الكبرى.

باحث مقيم في الشمال السوري: قوى سياسية مناهضة للهيئة في محافظة إدلب تمانع أي إصلاحات

وجاء هذا القرار بعد يومين من تشكيل الهيئة "اللجنة العليا لديوان المظالم" والمكونة من ثلاثة أشخاص، لـ"تعزيز العدالة وحماية حقوق الأفراد في المناطق المحررة، ولضمان الشفافية والنزاهة في التعاملات بين المؤسسات الحكومية، والأهالي"، وفق هذه هيئة تحرير الشام. ويبدو أن هذه الخطوات تندرج في سياق "إصلاحات" وعد بها قائد الهيئة، أبو محمد الجولاني، في مارس/آذار الماضي لتطويق الحراك الشعبي ضده والذي لم ينقطع منذ أواخر فبراير/شباط الماضي، على خلفية التجاوزات الأمنية بحق المدنيين والعسكريين في شمال غربي سورية والتي وصلت إلى حدّ القتل تحت التعذيب. وكان الجهاز الأمني في الهيئة اعتقل العام الماضي، العشرات في ما بات يُعرف بـ"قضية التخابر"، من بينهم قادة في الهيئة وُجهت إليهم تهم العمالة لجهات خارجية. بيد أن التحقيقات أثبتت بطلان هذه التهم، وهو ما كان شرارة لبدء احتجاجات شعبية ضد الهيئة شارك فيها العناصر الذين تعرضوا للتعذيب في سجون الهيئة. 

وقالت مصادر مقربة من "هيئة تحرير الشام" لـ"العربي الجديد"، إن إنشاء ديوان لردّ المظالم "يدخل عملياً ضمن حزمة الإصلاحات التي بدأتها الهيئة على وقع الحراك الشعبي في مناطق سيطرتها". وأضافت: "محكمة الجنايات تندرج ضمن الإصلاحات الأمنية حيث كان الجهاز الأمني لديه قدرة عبر جهاز قضائي خاص به، على إصدار الأحكام بحق المتهمين وتنفيذها دون رقابة حقيقية عليه، أما الآن فإن محكمة الجنايات هي من ستصدر القرارات، ما يعني تعزيز دور وزارتي الداخلية والعدل في حكومة الإنقاذ على حساب جهاز الأمن العام.

وأشارت المصادر إلى أن "كفّ يد الجهاز الأمني عن إصدار الأحكام يعني تخفيف القبضة الأمنية عن الناس في المستقبل"، مضيفاً: "كانت هناك تجاوزات كثيرة ويبدو أن الهيئة في طريقها إلى إيقافها". وبيّن أنه "بعد تشكيل المحكمة، سيتم تحويل السجناء الموجودين لدى جهاز الأمن العام، بمن فيهم أعضاء خلايا تنظيم داعش، إليها"، لافتاً كذلك إلى أنه "سيتم تقييد جهاز الأمن ضمن ضوابط وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ".

غير أن باحثا مقيماً في الشمال السوري طلب عدم ذكر اسمه، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن إنشاء محكمة جنايات وديوان لرد المظالم "خطوة شكلية وللاستهلاك الداخلي لعناصر الهيئة لا أكثر ولا أقل"، مضيفاً أن "هيئة تحرير الشام لم تكن في وارد الإقدام على أي إصلاحات لولا الضغط الشعبي المتصاعد عليها". بيد أنه أشار إلى أن قوى سياسية مناهضة للهيئة في محافظة إدلب "تمانع أي إصلاحات"، موضحاً أن "هذه القوى تريد العنف وتسعى وراءه إلى محاولة لخلق الفوضى في المنطقة وضرب الاستقرار من أجل عودتها مرة أخرى إلى واجهة المشهد وفرض قوانين أكثر تشدداً على السكان". وأضاف: "بعض التنظيمات تنعشها الفوضى الأمنية".  

الحراك ينتظر الأفعال

ويصر الحراك الشعبي في محافظة إدلب ومحيطها منذ انطلاقه على إقالة أبو محمد الجولاني، وحلّ جهاز الأمن العام في هيئة تحرير الشام وتبييض السجون المتعددة في إدلب من معتقلي الرأي، وانتخاب مجلس شورى يمثل شرائح المجتمع في شمال غربي سورية، وتشكيل حكومة تلبي حاجات الناس وتخفف من تبعات الأزمتين الاقتصادية والمعيشية.

محكمة الجنايات تندرج ضمن الإصلاحات الأمنية

وأعرب الباحث في مركز "كاندال"، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن الخطوات التي أقدمت الهيئة عليها من إنشاء ديوان للمظالم "محاولة لعدم تكرار أزمة العام الماضي التي كادت تفجر الهيئة من الداخل"، مضيفاً أن "الهيئة تريد حالة رقابة على الجهازين الأمني والقضائي". وتابع: "يبدو أن قيادة الهيئة تريد ردّ الاعتبار للشخصيات التي وقع عليها الظلم والخروج بتسوية معهم، وإعادة ترتيب البيت الداخلي". وكان الجهاز الأمني في الهيئة لجأ إلى اعتقال عدد من رموز الحراك الشعبي في مايو/أيار الماضي، متهماً المتظاهرين بـ"التخريب"، و"زعزعة استقرار المنطقة"، إلا أنه لم ينزلق إلى مواجهة مفتوحة مع المتظاهرين.

من جهته، رأى الباحث ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المظالم في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام شمال غربي سورية "كثيرة"، معتبراً أن "علاجها لا يكون بإنشاء ديوان صُوري، لاسيما مع تسميات مستوردة لا تعرفها بيئتنا السورية"، وفق قوله. وأشار جمول إلى أن "أي خطوة من شأنها ردّ المظالم، ستجد ترحيباً من الناس التي تعبت وملّت، وتنتظر الأفعال لا الأقوال"، لكنه عبّر عن تشاؤمه من الخطوة، بقوله "إما أن نرى إجراءات على الأرض تدعم كونه ديواناً فاعلاً بصلاحيات عملية، وإلا فسنعود إلى ما سبق من دواوين أو إدارات، والقرار الفعلي بيد الأمن فقط لا غير".

وتسيطر هيئة تحرير الشام على ما تبقّى من محافظة إدلب خارج سيطرة النظام السوري، وفيه مدن مهمة منها إدلب وأريحا وجسر الشغور. كما تسيطر على جانب من ريف حلب الغربي والشمالي الغربي، وقسم من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي على الحدود السورية التركية. وحيّدت هيئة تحرير الشام خلال السنوات الماضية كل المناوئين لها، بمن فيهم تنظيمات أكثر تشدداً، مثل تنظيم حراس الدين المتطرف.