هنري كيسنجر في الصين.. مهمة إحياء دبلوماسية القنوات الخلفية

20 يوليو 2023
كيسنجر يحظى بتقدير كبير في الصين (أسوشييتد برس)
+ الخط -

وصل وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، إلى العاصمة الصينية بكين، في زيارة غير معلنة يوم الثلاثاء الماضي، حيث أجرى محادثات رفيعة المستوى مع عدد من المسؤولين، كما التقى صباح اليوم الخميس بالرئيس الصيني شي جين بينغ.

وكان كيسنجر، الذي يوصف بأنه مهندس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قد استهل زيارته بلقاء وزير الدفاع الصيني، لي شانغ فو، الخاضع للعقوبات الأميركية. وقال المسؤول الصيني الذي رفض خلال الشهر الماضي لقاء نظيره الأميركي لويد أوستن في قمة دفاعية بسنغافورة، إن الصين تريد علاقة صحية ومستقرة مع الولايات المتحدة، لكن العلاقات تضررت بسبب تعنت الجانب الأميركي، حسب قوله. وأضاف بأن العلاقات الصينية الأميركية تقف عند أدنى نقطة لها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1979، كما ألقى باللوم في تدهور العلاقات على فشل بعض المسؤولين في الجانب الأميركي في التحرك بنفس اتجاه الصين، وفق ما جاء في بيان لوزارة الدفاع الصينية.

وفي اليوم التالي، التقى كسينجر بكبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، الذي حث بدوره الولايات المتحدة على عدم محاولة تطويق الصين، وقال إن واشنطن بحاجة إلى حكمة دبلوماسية على غرار حكمة كيسنجر، كما وجّه المسؤول الصيني تحذيراً صارماً بشأن تايوان، وحث واشنطن على معارضة استقلال الجزيرة علناً.

وأثارت زيارة كيسنجر المفاجئة، التي تزامنت مع زيارة رفيعة المستوى للمبعوث الأميركي للمناخ جون كيري، إلى الصين، تساؤلات حول ما إذا كان الرجل المخضرم البالغ من العمر مائة عام يعمل كقناة خلفية لإعادة فتح الحوارات الدفاعية والعسكرية بين الجانبين. وكانت الحوارات العسكرية قد توقفت بين بكين وواشنطن منذ أغسطس/آب الماضي، عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان. كما فشلت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في وقت سابق من الشهر الحالي، في إحراز أي تقدم على صعيد إحياء الاتصالات بين جيشي البلدين.

صديق الصين القديم

في تعليقه على الزيارة، قال الباحث الصيني في العلاقات الدولية، وانغ تشي بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هنري كيسنجر لعب دوراً رئيسياً في تطبيع العلاقات بين البلدين في سبعينيات القرن الماضي، حين كان مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية للرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون، وهو شخص مرحب به في الصين في أي وقت، باعتباره صديقاً قديماً للشعب الصيني.

ولفت إلى أن كيسنجر هو ثالث شخصية أميركية كبيرة تزور الصين في الأسابيع الأخيرة، بعد زيارة بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين، الأمر الذي يؤكد، حسب قوله، أن واشنطن وبكين ترغبان في الانخراط من جديد في محاولة لتخفيف التوترات بشأن الملفات والقضايا الخلافية بينهما. وأضاف أن بكين تدرك أن كيسنجر لا يمثل المستوى الرسمي في الولايات المتحدة، لكنه يحظى بتقدير الجانبين الأميركي والصيني، كما أن آراءه وأفكاره السياسية تؤخذ دائماً بعين الاعتبار بفضل نجاحه في وقت سابق في تذليل العقبات بين أكبر قوتين في العالم.

دبلوماسية القنوات الخلفية

يعتقد أستاذ الدراسات السياسية في معهد "قوانغ دونغ"، لين تشين، أن كيسنجر يقود مهمة لإعادة إحياء دبلوماسية القنوات الخلفية في ظل انسداد العلاقات بين الجانبين، وقال في حديث مع "العربي الجديد": "تعتبر زيارة كيسنجر السرية إلى الصين عام 1971 مثالاً على دبلوماسية القنوات الخلفية بين الصين والولايات المتحدة، وقد ساهمت في ما بعد في تطبيع العلاقات بينهما، وكذلك أيضاً زيارته إلى الصين في أعقاب أحداث تيان آنمن عام 1989، قد لعبت دوراً رئيسياً في استقرار العلاقات، بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على بكين وقيادات الجيش، حيث كانت العلاقات الثنائية آنذاك في حالة يرثى لها".

وتابع لين "مع وصول العلاقات الصينية الأميركية إلى مستويات منخفضة في الأشهر الأخيرة، ارتفعت أصوات تطالب بتكرار مثل هذه الجهود الدبلوماسية غير الرسمية، لرأب الصدع وضمان عدم الانزلاق إلى مواجهة حقيقية". وأكد أن أهمية هذه اللقاءات تكمن في منح تصورات وهامش أكبر للمسؤولين في الجانبين بشأن التفاهمات المحتملة والنقاط التي بالإمكان الارتكاز عليها في مراحل وجولات متقدمة.

أزمة ثقة

في المقابل، يرى الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه للدراسات السياسية، وان زانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التعويل على كيسنجر لإعادة ترميم العلاقات بين بكين وواشنطن أقرب إلى التمني ويفتقر إلى الواقعية السياسية، لافتاً إلى أن الجانبين يعانيان من أزمة ثقة حقيقية، فضلاً عن الأعمال العدائية بينهما التي تجعل من عمل القنوات الخلفية أمراً عبثياً ومجرد مضيعة للوقت.

وأضاف "من الصعب تكرار نجاح كيسنجر في فتح مسارات جديدة ما لم تكن هناك دوافع حقيقية وتوافق في الرؤى والمصالح الاستراتيجية"، معتبراً أن "ظروف حقبة نيكسون وكيسنجر في سبعينيات القرن الماضي، تختلف تماماً عن الحقبة الحالية".

وأوضح أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى الصين كما في السابق لمجابهة الاتحاد السوفييتي، فضلاً عن اعتبار بكين التهديد الأكبر والمنافس الأول لواشنطن، إلى جانب وضع مسؤولين صينيين على قوائم العقوبات، ورسم خطط استراتيجية وإنشاء تحالفات دولية ترتكز جميعها حول احتواء وتطويق الصين، وهي عوامل ومؤشرات تنسف فكرة أو جدوى إحياء دبلوماسية القنوات الخلفية، حسب قوله.

وكان كيسنجر قد صرح خلال زيارته إلى الصين، بأن محاولة احتواء بكين غير مقبولة، وأنه يجب على كلا الجانبين معاملة بعضهما البعض على قدم المساواة والحفاظ على الاتصال لحل سوء التفاهم والتعايش السلمي وتجنب المواجهة. وأضاف: "لقد أثبت التاريخ والممارسة باستمرار أنه لا يمكن للولايات المتحدة ولا الصين التعامل مع الآخر كخصم"، لافتاً إلى أن الحرب والمواجهة لن تجلبا أي نتائج ذات مغزى لشعبي البلدين.