استمع إلى الملخص
- بدأت هيئة النزاهة العراقية التحقيق في تسجيلات صوتية تتعلق برشاوى وتلاعب بأموال الضرائب، مما أدى إلى إعفاء واعتقال بعض المسؤولين. التحقيقات مستمرة بحق المتورطين مع إصدار 18 مذكرة قبض.
- أثارت الفضيحة ردود فعل سياسية واسعة، حيث تقدم نوري المالكي بشكوى ضد رئيس الوزراء. التحقيقات قد تؤدي إلى استجواب السوداني في البرلمان، وسط تكتم سياسي على التفاصيل.
كشفت مصادر قضائية عراقية في العاصمة بغداد، اليوم الأربعاء، عن ارتفاع عدد الدعاوى المقدمة للقضاء بشأن فضيحة "شبكة التنصت"، التي تواجه مسؤولين في المكتب الحكومي ببغداد، إلى 80 دعوى قدمها مسؤولون وسياسيون ونواب وشخصيات مختلفة، تم التنصت على هواتفهم.
وللشهر الثالث على التوالي، تتواصل التحقيقات في العاصمة العراقية مع مسؤولين بالمكتب الحكومي والأمانة العامة مجلس الوزراء، أبرزهم محمد جوحي الذي يُوصف بأنه "مسؤول خلية التنصت"، التي يتورط بها معه نحو 20 آخرين بينهم مسؤولون أمنيون وآخرون موظفون في قسم مسؤول عن الجانب الفني والمعلوماتي في المكتب الحكومي.
واليوم الأربعاء، قال مصدر قضائي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد "شبكة التنصت"، تجاوزت 80 دعوى، رفعتها شخصيات سياسية وعامة وأعضاء في مجلس النواب. ولم تؤشر التحقيقات القضائية على وجود أي صلة لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بملف التنصت على هواتف مسؤولين وسياسيين، وفقاً لما يؤكده المصدر الذي توقع ظهور تسريبات لمكالمات أخرى خلال الأيام المقبلة، لمسؤولين ومستشارين بحكومة السوداني.
وبدأت هيئة النزاهة العراقية، الاثنين الماضي، التحقيق في تسجيل صوتي منسوب إلى رئيس هيئة المستشارين بمكتب رئيس الوزراء عبد الكريم الفيصل وهو يتحدث عن طلبه الرشوة خلال مكالمة صوتية ويعاتب على استلام "مليون دولار فقط". لكن الفيصل نفى الاتهامات، وقال: "إنه مقطع صوتي مفبرك". وبحسب الهيئة، فقد جاء التحقيق بتوجيه من السوداني و"بالتعاون والتنسيق مع قاضي محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية".
تسجيل الفيصل، هو الثالث خلال شهرين تقريباً، بعد إعفاء رئيس هيئة النزاهة السابق حيدر حنون، الشهر الماضي، جرّاء تسجيل تضمن الحديث عن مبالغ مالية ومنازل وسيارات فاخرة، بالإضافة إلى رئيس هيئة الضرائب علي وعد علاوي الذي أوقف عن العمل لمدة ستين يوماً واعتقال على ذمة التحقيق، بسبب تسجيل صوتي ظهر في حديث يكشف عن تلاعب بأموال الضرائب مقابل تخفيض نسبة الضرائب على مشاريع أحد رجال الأعمال.
ووفقاً للمصدر القضائي ذاته، فإنّ "11 نائباً في مجلس النواب، بالإضافة إلى أحد قادة تحالف الإطار التنسيقي ونحو 70 شخصية عامة وسياسية تقدمت بشكاوى ضد شبكة التنصت، بعد تأكدهم من أنهم تعرضوا إلى التنصت، وبعضهم مع أفراد عوائلهم"، مبيناً أن "الإجراءات القضائية مستمرة بحق المتورطين بالشبكة، التي يتهم محمد جوحي بتزعمها، في حين أن القضاء يتابع التسريبات التي يتداولها الإعلام بشأن بعض المسؤولين ويفتح تحقيقات بشأن صحتها، ومن المفترض أن تشهد المرحلة المقبلة تقدم في سير التحقيقات وصولاً إلى الإعلان عن نتائجها".
ولفت المصدر إلى أنّ "القضاء أصدر 18 مذكرة قبض بحق متورطين في الشبكة، لكن بعض المتورطين هربوا خارج بغداد، وبعضهم غادر العراق كليا، وهم موظفون بصفة فنيين ومخترقين، (هاكرز) كانوا يعملون ضمن الشبكة، لكن الإجراءات مستمرة بحقهم ويجري البحث عنهم".
وفي 19 أغسطس/ آب الماضي، اعتقل الأمن العراقي "شبكة تنصت وتزوير" يقودها المقرّب من السوداني، محمد جوحي، وتضم موظفين وضباطاً، حسب تصريحات أدلى بها النائب مصطفى سند.
وبحسب مصادر سياسية، كانت قد تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن "التنصت شمل أفراداً من عوائل سياسيين وزعماء أحزاب وفصائل مسلحة، ما دفع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي إلى أن يتقدّم بشكوى ضد السوداني بوصفه رئيساً للوزراء، يطلب فيها الحق الشخصي وفق القانون العراقي، كون الشبكة كانت تعمل من داخل مكتب رئيس الحكومة، وأنها (شبكة التنصت) وصلت إلى مراحل غير مقبولة اجتماعياً وعشائرياً أيضاً، وقد دوّن المالكي أقواله بالفعل".
وبدأت قصة شبكة التنصت في العراق بمكتب السوداني بعد توجيه الأخير بتشكيل لجنة تحقيقية بحق أحد الموظفين العاملين في مكتبه، دون الإشارة إلى اسمه، لتبنيه منشوراً مسيئاً لبعض المسؤولين وعدد من أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق. ووفق بيان حكومي سابق، فإنّ السوداني دعا إلى "عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون، وهو يدعم كلّ الإجراءات القانونية بهذا الصدد".
لكن النائب العراقي مصطفى سند، أكد، أنّ "محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب اعتقلت شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء، وعلى رأسها الموظف في رئاسة الوزراء محمد جوحي وعدد من الضباط والموظفين". وأشار إلى أن "الشبكة كانت تمارس أعمالاً غير نظيفة، منها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسها رقم هاتفي)، وكذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية وصناعة أخبار مزيفة وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".
أعقب ذلك بيان من الحكومة العراقية حذرت فيه من "الحملات المضللة"، وأكدت أنها تتابع "من منطلق التزامها ومسؤولياتها القانونية الحملات المضللة التي تستهدف إعاقة عملها في مختلف المجالات، ومنها ما جرى تناوله من معلومات غير دقيقة تستبطن الغمز، وبعضها تضمن الاتهام المباشر للحكومة تجاه قضايا تخضع الآن لنظر القضاء".
في السياق، قال القاضي والوزير العراقي الأسبق وائل عبد اللطيف، لـ"العربي الجديد"، إن "المعلومات المتوفرة حالياً تفيد باحتمال دعوة السوداني إلى البرلمان بهدف استجوابه، بشأن التسريبات الصوتية بحق مسؤولين مهمين في البلاد، ومعرفة ما يحصل من جرّاء شبكة التنصت التي أربكت المشهد السياسي"، مبيناً أن "الجهة التي ستستجوب السوداني، هي تحالف الإطار التنسيقي الذي كان داعماً للسوداني، والاستجواب سيشمل عدم الالتزام بالتعهد الحكومي بشأن إجراء انتخابات مبكرة".
وخلال الأشهر الماضية، حقق القضاء العراقي بعمليات التجسس التي جرت على هواتف مسؤولين ونواب وقضاة، وفق مصادر "العربي الجديد". ورغم التسريبات التي يتوقع أن تستمر، إلا أن معظم القوى السياسية لم تذكر مواقفها إزاء تطورات التحقيقات القضائية، بل إنها تتعمد التعتيم على الإعلام بشأن تفاصيل الفضيحة، كما أن بعض الأحزاب وجهت أعضاءها بمنعهم عن التحدث بشأن "شبكة التنصت".
وتجري التحقيقات مع المتورطين، وأغلبهم موظفون في دائرة رئاسة الوزراء، وبإشراف قاضي جهاز المخابرات، وتوصلت إلى نتائج بعضها مصحوب بأدلة وتسجيلات صوتية من شأنها إدانة شخصيات حكومية، لكنها قد تأخذ وقتاً إضافياً، "كونها تمثل تحدياً كبيراً داخل النظام السياسي وقد تؤدي إلى تغيّر شكل التحالفات السياسية في المستقبل"، وفقاً للمصادر.
وسبق أن اعترف عضو في "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، رسول أبو حسنة، بأن "شبكة جوحي تنصتت على هواتف المالكي والنائب ياسر صخيل، وحتى الآن يتم التكتم داخل الإطار التنسيقي على الإجراءات القادمة".