هل ينجح الحراك الشبابي في ليبيا رغم تراجع مظاهر الاحتجاج؟

03 يوليو 2022
المحتجون يطالبون بإجراء الانتخابات المؤجلة (يوسف موراد/ أسوشييتد برس)
+ الخط -

بعد مرور يومين على اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العاصمة طرابلس وعدة مدن ليبية، للمطالبة بإسقاط جميع الأجسام السياسية، وللتنديد بسوء الأحوال المعيشية، بدت وتيرة الاحتجاجات في تراجع، في وقت بدأت فيه أصوات القادة السياسيين والعسكريين تسير تدريجيا نحو إنتاج خطاب يتماهى مع مطالب الشارع. فهل ستقضي هذه الاحتجاجات غرضها وتنجح في الدفع نحو إجراء الانتخابات المؤجلة؟

ولا يزال "تيار بالتريس الشبابي" يواصل دعوة المواطنين الليبيين إلى الاستمرار في الخروج في تظاهرات على وسائط التواصل الاجتماعي، وسط تدوينات تبين مواقفه من تصريحات الساسة والقادة في البلاد.

ورجح الناشط السياسي مالك هراسة، الذي يشارك في الاحتجاجات بأحد أحياء العاصمة طرابلس، خروج المواطنين، اليوم، في أحيائهم "ليلا فقط"، معتبرا أن "عدم قدرة تيار بالتريس على ترتيب نفسه بدأ في إفقاد الاحتجاجات زخمها تدريجيا".

وتسير الحركة في أغلب أحياء العاصمة بشكل طبيعي مساء اليوم الأحد، بينما فتحت أغلب طرقات الأحياء الجنوبية والشرقية التي شهدت إقفالا وحرقا لإطارات السيارات ليلة البارحة. واختفت مظاهر الاحتجاجات منذ أمس في مناطق شرق البلاد، وبشكل نسبي في جنوب البلاد.

ولفت هراسة في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن دعوات التيار الشارع بالخروج في الساحات والميادين لم تلق تجاوبا لسبيين، أولهما أن "التيار لا يزال ضعيفا وغير قادر على تشكيل قيادة معلنة، واكتفى بالبيانات على مواقع التواصل الاجتماعي". أما السبب الثاني، وفق المصدر ذاته، فهو مرتبط بالأول، "وهو خوف المتظاهرين من بطش المسلحين والاعتقالات، فقد سبق أن حدث هذا في العام الماضي، وفي سنوات سابقة".

احتجاجات ليبيا (يوسف موراد/ اسوشييتد برس)
تخوف لدى المتظاهرين من بطش المسلحين والاعتقالات (يوسف موراد/ اسوشييتد برس)

وأول من أمس، دعا "تيار بالتريس" المواطنين إلى الخروج مجددا إلى "الميادين والساحات والشوارع، حتى تسقط جميع الأجسام السياسية والتشريعية والتنفيذية، بما فيها المجلس الرئاسي،وتعلن استقالتها أمام العلن"، مع إعلانه "حالة بداية العصيان المدني في كل مدن وربوع الوطن الواحد".

وألحقه ببيان آخر حدد فيه الأماكن التي سيعتصم فيها المحتجون، بدأ من عصر الأمس، وهي ميادين طرابلس، ومصراتة، وبنغازي، وسبها، والبيضاء، وطبرق، لكن المحتجين لم يغادروا أحياءهم ومناطقهم وقاموا بحرق الإطارات وإقفال الطرق، قبل أن ترجع الحياة لطبيعتها مع ساعات صباح اليوم.

ولفت هراسة الى أن أفراد التيار بشعارهم المتمثل في السترة الصفراء غابوا ولم يعد لهم ظهور ولا وجود لهم بين المحتجين، مضيفا "مع غموض خلفيات وطريقة تشكيل التيار وتزايد الاتهامات بانتماء أفراد للنظام السابق، سيفقد مصداقيته، خصوصا مع عدم القدرة على الظهور في الفضائيات ووسائل الإعلام".

محاولات "التماهي" مع المتظاهرين

وفيما لا تزال العديد من الأجسام السياسية تلزم الصمت حيال مطالب المحتجين، كحكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، إلا أن قادة آخرين أبانوا عن مواقف تحمل في مضامينها التماهي مع مطالب المحتجين.

فبعد أن أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ضم صوته "للمتظاهرين في عموم البلاد"، أعلن المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أحمد المسماري، دعم حفتر "التام للإرادة الشعبية وتأييدها لمطالب المواطنين". وفي محاولة للقفز في مركب المحتجين، دعاهم المسماري إلى تنظيم أنفسهم "لوضع خريطة لطريق الخلاص من الواقع المرير والعبث القائم". ولم يقف عند ذلك الحد، بل دعا الأجسام السياسية لاحترام إرادة الشعب. لكن المحتجين لا يبدو أنهم يلقون بالاً لمثل تلك الدعوات، حيث أحرقوا صور جميع القادة في المشهد السياسي والعسكري.

وفي الصدد، جاء موقف رئيس البرلمان عقيلة صالح متناقضا، ففي حين عبّر عن وقوفه مع مطالب الشعب، حمل المحتجين المسؤولية على اقتحام مقر مجلس النواب، واعتبره "مؤامرة". وأكثر من ذلك، قال "سنتعامل معهم وفق القانون ولن ينجو أحد بفعلته"، بعد حرق مئات المحتجين في طبرق مقر مجلس النواب.

بدورها، اعتبرت وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، اليوم، عبر تغريدة على حسابها، الاحتجاجات بأنها "روح جديدة في عروق ليبيا"، قائلة "أقف مع مطالبكم كمواطنة وكوزيرة للخارجية، سلميا سأحملها معي في كل لقاءاتي حتى يسمع العالم صوتكم المتطلع لدولة مدنية، عبر الانتخابات".

وعقّب "تيار بالتريس"، عبر صفحته على "فيسبوك"، على تصريحات القادة السياسيين معتبراً أنها "محاولة يائسة منهم لاستغلال أو الركوب على أمواج التغيير"، مؤكدا رفضه "هذه التصريحات من قبل فاقدي الشرعية القانونية، والدستورية والشعبية"، على حد زعمه.

وفيما قلل هراسة من أهمية المواقف الصادرة عن "تيار بالتريس" مع استدركه بالقول "إلا إذا تمكن من تنظيم نفسه والإعلان عن قادته وبرنامجه"، تسائل الناشط المدني والمشارك في الاحتجاجات الحالية بطرابلس، يونس عكريم، قائلا "إذا كانت كل هذه الوجوه السياسية تدعم مطالبنا، فعلى من خرجنا نحتج إذا؟". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "لا معنى لمحاولة ركوبهم موجة الحراك الشعبي إلا إذا كانت رسالتنا قد وصلت إليهم".

تمسك بـ"إسقاط الطبقة السياسية"

وبخصوص ضرورة تنظيم الحراك الشبابي، اعتبر عكريم أن "ثورة فبراير (الثورة الليبية التي أطاحت العقيد معمر القذافي) كانت عفوية واستمرارها هو من أجبر النخبة على تشكيل جسم سياسي". وأوضح أن مجرد استمرار مظاهر الاحتجاج بشكل عفوي، "ولو بحرق الإطارات في الأحياء والقرى، مؤشر على الرغبة في الاستمرار على الرغم من خطر مواجهة المسلحين الذين يمكنهم تلفيق أي تهمة للمتظاهرين لاعتقالهم وحبسهم".

وأضاف عكريم أنه "بالرغم من توجيه التركيز على بعض الممارسات، كحرق مجلس النواب والمجالس البلدية، لتجريم المحتجين لإبعاد الأنظار عن المطلب الأساسي للمحتجين وهو إسقاط الطبقة السياسية، إلا أن ذلك لم يجدِ، فالمواقف الدولية ذهبت لدعم المتظاهرين، وبياناتها استندت إلى التظاهرات للضغط في اتجاه إجراء الانتخابات". وبحسب رأيه، فإن "صوت الشارع رغم ضعفه أصبح ندا لقادة الأطراف السياسية الذين تحاول الالتفاف كل مرة على استحقاق الانتخابات للبقاء في مناصبهم".

احتجاجات ليبيا (يوسف موراد/ اسوشييتد برس)
المحتجون يرفضون بقاء الوجوه نفسها (يوسف موراد/ اسوشييتد برس)

ويرى عكريم أن الفارق بين الاحتجاجات الحالية والسابقة "هو وعي الناس بأن هؤلاء السياسيين وأمراء الحرب سبب انهيار وضعهم المعيشي وحرمانهم من أبسط حقوقهم كالكهرباء". وقال "في السابق، كانت هناك مطالب خاصة بتحسين الوضع المعيشي، أما الآن فالوضع مختلف بعد انكشاف مراوغات قادة الساسة والمال والحرب للبقاء، وأنهم ليست لديهم نية للانسحاب من المشهد ولو على حساب حقوق المواطن".

وختم عكريم بالقول "حتى إذا تراجع زخم الاحتجاجات وطرحت مبادرة جديدة للتسوية بأي شكل، فسيكون فيها تيار الشباب قوة سياسية وطرفا لا يمكن تجاهله، وسيتحصل على تمثيل كبير يمكنه من تغيير المعادلة باتجاه فرض واقع الانتخابات".

وفي هذا الصدد، أكد المجلس الرئاسي، أمس السبت، أنه "تابع الأحداث الأخيرة على كامل التراب الليبي"، معلناً أنه "في حالة انعقاد مستمرّ ودائم، حتى تتحقق إرادة الليبيين في التغيير، وإنتاج سلطة منتخبة يرضى عنها الليبيون". وتابع "المجلس لن يخيب آمال وإرادة شعبنا بالعيش في دولة تنعم بالأمن والاستقرار الدائم"، من دون أن يلحق بيانه بأي خطوات عملية، أو يصدر عنه موقف جديد.

المساهمون