يستغل النظام السوري الانشغال العربي والدولي بالحرب الإسرائيلية على غزة، من خلال القيام بالتصعيد العسكري مع حليفيه روسيا وإيران في محافظة إدلب.
ويتبع النظام سياسة جديدة تقوم على استهداف المدن والبلدات، وحتى المخيمات، في مناطق مختلفة من المحافظة عدة أيام، ومن ثم التصعيد على خطوط التماس مع فصائل المعارضة، قبل معاودة قصف المدنيين والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية الخدمية، مخلفاً قتلى وجرحى ودماراً وحالات نزوح.
ويحاول النظام، عبر هذا الأمر، إعادة المنطقة إلى أجواء الحرب بعد أن شهدت هدوء نسبياً خلال الفترة السابقة، وجس نبض الضامن التركي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وما حولها)، المنشغل أساساً بالتصعيد في شمال غرب سورية مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والذي لم يبد حتى الآن أي رد فعل على تصعيد النظام في إدلب.
ويتزامن تصعيد النظام في إدلب مع حديث وسائل إعلامه عن ضرورة قيام قواته بعملية عسكرية تسيطر من خلالها على "إم 4"، وهو الطريق الدولي الذي يصل بين حلب واللاذقية، والذي لا يزال قسم كبير منه تحت سيطرة فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
وقد اعتمد النظام على حادثة استهداف الكلية الحربية في حمص أخيراً بطائرة مسيّرة، لا تزال مجهولة المصدر، مبرراً لبدء شن هجماته على المدنيين في محافظة إدلب، والتي اتهم الفصائل فيها بمهاجمة الكلية، على الرغم من عدم امتلاك تلك الفصائل طائرات مسيّرة تصل إلى عمق مناطق النظام بهذه المسافات.
ويحاول النظام تعزيز هذه الرواية من خلال الإعلان عن استهداف طائرات مسيّرة مطارات ومواقع عسكرية تتبع له، أو الإعلان عن إسقاط دفاعاته الجوية طائرات مسيّرة حاولت تنفيذ هجمات في عمق مناطق سيطرته، وذلك بهدف تبرير استمرار تصعيده في إدلب وربما اقتناص الفرصة التي تسمح له بشن هجوم يسيطر من خلاله على المناطق الواقعة جنوب خط "إم 4"، وذلك على غرار العملية التي شنها، بمساندة الطيران الروسي، على ريف إدلب الجنوبي في 2019، وتمكن خلالها من السيطرة على كامل "إم 5"، وهو الطريق الدولي الذي يصل بين دمشق وحلب، رغم وجود نقاط عسكرية تركية جرى تجاوزها، وحصارها، وسحبها فيما بعد.
لكن من المستبعد أن تسمح تركيا، التي تنشر العديد من القواعد العسكرية جنوب "إم 4"، للنظام بالإقدام على مثل هذه العملية في الوقت الحالي، ما لم تكن تلك العملية جزءاً من تفاهم روسي تركي يمكن أن تحصل من خلاله أنقرة على مكاسب في ريف حلب الشمالي (منبج أو تل رفعت)، وأن تكون ثمناً لعودة مسار التطبيع المتوقف بين تركيا والنظام.