عاد الوضع على الحدود الأردنية مع سورية ليشكل مصدر ضغط وقلق للجانب الأردني، الذي باءت، كما يبدو، جميع محاولاته السابقة لضبط هذه الحدود بالتعاون مع النظام السوري.
والأمر المقلق للأردن أن محاولات اختراق حدوده من الجانب السوري لم تعد تقتصر على عمليات تهريب المخدرات، بل باتت ترافق المهربين مجموعات مسلحة، يتراوح عديدها بين 100 و150 شخصاً مزودين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وهو ما تسبب في الآونة الأخيرة باشتباكات سقط فيها قتلى من الطرفين. وكان الجانب الأردني أعلن أن العمليات كانت تستهدف إدخال السلاح أيضاً وليس فقط المخدرات.
وعلى الرغم من كل المحفزات التي قدمها الأردن للنظام السوري، سواء لناحية خطوات التطبيع المباشر معه، أو إقناع الدول العربية بتبني مبادرة قدمتها عمّان أدت لإعادة النظام إلى جامعة الدول العربية، تبعتها خطوات تطبيعية من بعض الدول العربية شكلت خطوة مهمة بالنسبة للنظام على طريق إعادة تأهيله دولياً،رغم ما ارتكب من فظائع بحق السوريين، إلا أن الواقع الحالي يشي بأن الوضع في الجنوب السوري تسوده فوضى تبدو متعمدة أو مخطط لها من جانب بعض ضباط النظام السوري المتعاونين مع الحرس الثوري الإيراني. ويهدف هؤلاء إلى أن تضيع سلطة الدولة، ويصبح من المتعذر إلقاء المسؤولية على أحد بشأن ما يجري في الجنوب من عمليات اغتيال وتصنيع وتهريب للمخدرات والسلاح.
ورغم إدراك الجميع أن للنظام وجود عسكري وأمني قوي في الجنوب، غير أنه يجرى تحييد القطعات العسكرية النظامية غير المستفيدة من هذا الوضع، الذي تستغله وحدات بعينها مثل "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، وبعض الأجهزة الأمنية، بخاصة الأمن العسكري بقيادة العميد لؤي العلي، بالتعاون مع "حزب الله" اللبناني وبعض المليشيات القريبة من إيران.
ومن هنا، تبدو خيارات الأردن صعبة، في ظل غياب جهة رسمية واحدة فاعلة يمكن التخاطب معها لضبط الوضع على الحدود، ما دفعه للتفكير بخيارات أحادية من طرف واحد، مثل الغارة التي شنّها سلاحه الجوي قبل أيام مستهدفاً بعض تجار المخدرات، فيما تعلو أصوات أردنية باتجاه إنشاء "منطقة عازلة" على طول الحدود بين البلدين تُفرض بالقوة من الجانب الأردني.
إلا أن الواقع الميداني والتجارب المشابهة لوضع الجنوب السوري تؤكد أن عملية ضبط الحدود لا يمكن أن تتم من دون تعاون حقيقي بين طرفي الحدود، وهو أمر صعب التحقق في الجانب السوري بسبب عدم امتلاك النظام القدرة على ضبط المستفيدين من عمليات التهريب من ناحية، وعدم استعداد المتحكمين بقراره للتخلي عن المكاسب التي يحققونها من هذه التجارة.
هذا الأمر يحتم على المجتمع الدولي ودول جوار سورية الابتعاد عن الحلول الترقيعية والعودة إلى موضوع الحل السياسي، الذي من دونه لا يمكن حل أي من هذه الجوانب الأمنية.