بينما كانت الأنظار مشدودة إلى تقدم مرتزقة فاغنر الروسية باتجاه موسكو، في 24 يونيو/ حزيران الجاري، كان مسؤولو الأنظمة الحاكمة في دول مثل سورية ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، يراقبون بقلق ما يجري، متسائلين عن مصير الأعمال الموكلة إلى عناصر المجموعة الموجودين في بلدانهم.
لم يتأخر جواب الكرملين، إذ ما إن تمكن الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، من سحب فتيل الأزمة، التي كادت أن تقود إلى صراع مسلح في روسيا، حتى توجه نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، إلى دمشق لإيصال رسالة شخصية إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، مفادها أنّ قوات مجموعة فاغنر لن تعمل هناك بشكل مستقل، بحسب ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أمس الأربعاء.
واتصل كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فاوستين أركانج تواديرا، الذي يضم عناصر من فاغنر بين حراسه الشخصيين، وقدموا تأكيدات أنّ أزمة السبت لن تعرقل توسع روسيا في أفريقيا.
التحرك السريع لروسيا باتجاه الدول التي تعمل فيها مجموعة فاغنر، والتي اعتادت موسكو إنكار علاقتها بها، عكس بوضوح حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تأكيد استمرار عمليات فاغنر دون انقطاع تحت إدارة جديدة، وفق "وول ستريت جورنال".
ونقلت الصحيفة عن المبعوث الأميركي الخاص السابق لمنطقة الساحل في غرب أفريقيا جيه بيتر فام، قوله إنّ فاغنر "ساعدت روسيا في بناء نفوذها، والحكومة الروسية لم تكن ترغب في التخلي عنها" حيث اعتاد الكرملين التنصل من أفعال فاغنر. والسؤال هنا بحسب فام عمّا "إذا كان بإمكان الكرملين إدارة نشاطات فاغنر المعقدة مباشرةً هذه المرة"، وكيفية التعامل مع الأساليب التي اعتادتها المجموعة.
ساعدت فاغنر الكرملين في توسيع نفوذه بتكلفة بسيطة، وكان لها مردود مالي كبير. ووفقاً لمسؤولين غربيين ووثائق اطلعت عليها "وول ستريت جورنال"، حولت شبكة من الشركات الوهمية التابعة لفاغنر الأموال إلى الكرملين. ويقول مسؤولون غربيون إن فاغنر تدرّ مئات الملايين من الدولارات سنوياً من أفريقيا، وهي مصدر أساسي للتمويل للحفاظ على نفوذ روسيا في القارة وتمويل العمليات في أوكرانيا.
وقال هؤلاء المسؤولون إن مصادر دخل المجموعة تشمل صادرات الذهب السوداني إلى روسيا، وكذلك الماس من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الإمارات العربية المتحدة والأخشاب إلى باكستان.
قوة أمنية للأنظمة الاستبدادية
وعملت فاغنر لسنوات قوةً أمنية للأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، وأخيراً كانت تتجه نحو أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وتضم فاغنر أكثر من 30 ألف مقاتل.
ويتوقف مصير عمليات فاغنر الآن على ما إذا كان الكرملين يستطيع تهميش قائدها يفغيني بريغوجين والحفاظ على "الإمبراطورية" التي بناها في الوقت نفسه، بحسب ما تشير إليه الصحيفة. ويقول بعض مسؤولي الأمن القومي الأميركي إنّ واشنطن قد تكون لديها فرصة لاستعادة نفوذها في أفريقيا التي تسعى روسيا والصين للسيطرة عليها.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والحكومات الأوروبية تضغط على القادة في أفريقيا للتوقف عن العمل مع فاغنر، وتشديد العقوبات على المجموعة. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، ضغط مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، على اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر لطرد فاغنر، وسط مخاوف من أن المجموعة قد تستفيد من ثروات البلاد النفطية.
مشاريع فاغنر في أفريقيا
منذ أن شنّ بوتين حربه على أوكرانيا، اتخذت فاغنر خطوات صارمة لتوسيع وجودها في أفريقيا وخارجها، وفي بداية العام نشرت المجموعة الروسية إعلانات تجنيد جديدة للمقاتلين ذوي الخبرة.
وأجرت فاغنر محادثات، في يناير/ كانون الثاني الماضي، حول إرسال قوة عسكرية إلى بوركينا فاسو في غرب أفريقيا، وأشارت المنافذ الدعائية للمجموعة إلى أنها كانت تضع نصب عينيها بعد ذلك على ساحل العاج.
وشاركت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية في فبراير/ شباط زُعم أنها تكشف عن مؤامرة بريغوجين لمساعدة المتمردين على زعزعة استقرار الحكومة التشادية، وربما قتل الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي.
وذكر تقرير للأمم المتحدة هذا العام أن مدربين روساً يعملون مع جنود محليين في جمهورية أفريقيا الوسطى للسيطرة على مناطق معروفة بتعدين الألماس الحرفي. وقالت التقارير إنّ الهدف كان تشكيل ممر من المناطق التي تسيطر عليها فاغنر عبر السودان إلى مركز تجارة المعادن في دبي.
وتعتمد حكومة مالي، التي كانت تدفع لشركة فاغنر 10 ملايين دولار شهرياً، على مرتزقة الشركة لملء الفراغ، وفقاً لمسؤولين أمنيين غربيين، وزودت روسيا فاغنر بالطائرات والمعدات الثقيلة والإمدادات الأخرى. ووفقاً لضابط مخابرات أميركي طلبت موسكو من مقاتلي فاغنر البقاء في مواقعهم مهددة بأعمال انتقامية قاسية بحال رفض القيام بواجباتهم.
وقال مصدران مطلعان للصحيفة، إنّ مقاتلي فاغنر، الذين عملوا بشكل مستقل إلى حد كبير في سورية، تلقوا أوامر، يوم الثلاثاء، بالذهاب إلى قاعدة "حميميم" الجوية التي تديرها وزارة الدفاع الروسية في مدينة اللاذقية الساحلية، وقد امتثلوا.
وفي روسيا، أمام عناصر فاغنر حتى الأول من يوليو/ تموز لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع. وكان بريغوجين، الذي هبطت طائرته، أول أمس الثلاثاء في بيلاروسيا، قد قال مراراً وتكراراً إنّ رجاله سيرفضون العقود، لكنه لم يقل ما إذا كان سيواصل إدارة عمليات فاغنر الخارجية في أثناء وجوده في المنفى.