هل يخشى حفتر البرغثي حقاً؟

هل يخشى حفتر البرغثي حقاً؟

12 أكتوبر 2023
عادت ملامح الحياة في بنغازي (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

انحصرت الصورة العامة المتابعة لنهاية أحداث مدينة بنغازي التي امتدت لأربعة أيام، برصد عودة اللواء المتقاعد خليفة حفتر للظهور، مساء أول أمس الثلاثاء، في بعض الأنشطة واللقاءات الروتينية، وأيضاً ببدء عودة ملامح الحياة للمدينة، كالاتصالات الهاتفية وفتح المحال والمدارس وغيرها من الملامح.

وتلك الصورة العامة أراد منها الراصدون الإيحاء بأن حفتر تنفس الصعداء بعدما تمكنت مليشياته من وأد توتر أمني بدأ مساء الجمعة الماضي، مع رجوع وزير الدفاع الأسبق المهدي البرغثي إلى بنغازي، والذي دخل أنصاره في اشتباكات مع مليشيا "طارق بن زياد" بقيادة صدام حفتر، بعدما طلبه الأخير للتحقيق معه. 

صحيح أن دخول البرغثي برفقة عدد من المسلحين إلى بنغازي شكّل خطراً على حفتر، خصوصاً أنه من خصومه القدماء، لكن في الواقع لم تكن المخاطر منحصرة في المهدي ومسلحيه الذين تم القضاء عليهم خلال أقل من ساعتين من وصول المهدي إلى منزله في حي السلماني بالمدينة وإلقاء القبض عليه داخله. فالمدينة استمرت تعيش لمدة أربعة أيام بعد ذلك في عزلة تامة عن العالم وسط احتقان وتوتر أمني كبير. 

الواقع أن ما يخشاه حفتر يتجاوز البرغثي إلى البراغثة، ومن ثم العواقير مروراً بالمغاربة والعبيدات وقائمة أسماء القبائل تطول.

ويدرك حفتر أنها لا تزال تملك نفوذاً وثقلاً اجتماعياً، ويدرك أنها لم تنس أنها هي التي خلقت منه شخصية عسكرية وشكل أبناؤها خزاناً بشرياً لحروبه، وأنها لن تنس أنها هي التي بنت له إمبراطوريته الحالية، وأنه قابلها بالنكران وإقصاء أبنائها من الضباط والعسكريين لصالح تعزيز نفوذ أولاده وأسرته في المواقع والمناصب العسكرية في قيادة مليشياته، بل وفي دوائر صنع القرار السياسي والأذرع الاقتصادية. 

ما يجب ملاحظته أن مظاهر الحياة التي بدأت في العودة لبنغازي تزامنت مع ظهور عمدة البراغثة عبد السلام عبد العاطي، وهو يتبرأ من المهدي ويصفه بالمخادع والخائن لقبيلته والساعي للفوضى في بنغازي. لقد كانت تلك الكلمات كافية لتبعث الراحة ولو نسبياً في نفس حفتر، وتزيح عنه مخاوف انتفاضة شعبية يعلم جيداً أنها آتية لا محالة. 

وإن اختلف شكل الأحداث التي شهدتها مدينة درنة، منتصف الشهر الماضي، عما حدث في بنغازي خلال الأيام الأخيرة، حيث حدثت في الأولى احتجاجات حاشدة طالبت بمحاسبة المسؤولين عن انهيار سدَي المدينة والتسبب في مقتل الآلاف، وفي الثانية جاهر البرغثي برفض الانصياع لأوامر حفتر وهو في وسط بنغازي، إلا أن تعاطي الأخير مع تلك الأحداث يكاد يكون نسخة مكررة، كعزل المدينتين عن العالم بقطع الاتصالات وتقييد حركة السكان بترهيبهم بواسطة نشر المقاتلين والآليات وإطلاق حملات اعتقال واسعة. 

ورغم حدة تلك الإجراءات والقيود الأمنية وحالة الترهيب والقمع، إلا أن واقعاً آخر كان ظاهراً في تضارب تصريحات أركان حفتر ولغتهم المرتبكة حيال توصيف ما حدث في بنغازي.

فبعدما أكد رئيس حكومة مجلس النواب أسامة حماد أن البرغثي استغل تراخي الإجراءات الأمنية في البوابات ومر برفقة عدد من أنصاره المسلحين وبصحبة أرتال حملات الإغاثة الشعبية القادمة من غرب البلاد باتجاه المناطق المنكوبة في الشرق، أكد وكيل وزارة الداخلية في الحكومة ذاتها فرج قعيم، بعد أقل من ساعتين، أن البرغثي تسرّب عبر الصحراء بطرق ملتوية ليدخل إلى بنغازي خفية، وبدعم مالي ومخابراتي محلي وخارجي.