هل قطعت إسرائيل الغاز عن مصر لابتزازها سياسياً؟

13 يونيو 2024
اجتماع لمنتدى شرق المتوسط بالقاهرة، 16 يناير 2020 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خبراء وسياسيون مصريون يربطون تراجع مصر عن دعم دعوى ضد إسرائيل بتعطيل إسرائيل لشحنات الغاز لمصر، مما أثر على أزمة الطاقة وزاد من انقطاعات الكهرباء.
- الأزمة تعكس محاولة إسرائيل للضغط على مصر سياسيًا واقتصاديًا، مع تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على مصر وزيادة الضغوط عليها.
- التدخلات الأمريكية والأوروبية في ملف الغاز بين مصر وإسرائيل تجعل من تخفيض الإمدادات أكثر تعقيدًا، مع وجود بدائل لمصر مثل قطر والجزائر لتلبية احتياجاتها من الغاز.

ربط خبراء وسياسيون مصريون بين التراجع المصري عن الانضمام إلى جنوب أفريقيا في مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وبين إقدام الجانب الإسرائيلي باتخاذ إجراء عقابي بتعطيل شحنات غاز كانت مقررة لمصر نهاية شهر مايو/أيار الماضي، ما أدى إلى تفاقم أزمة إمدادات الطاقة التي ضاعفت أزمة انقطاعات التيار الكهربائي. سبب الربط بشكل أساسي هو أنه لم تحدث أية خطوات عملية مصرية على صعيد دعم الدعوى في لاهاي، التي اتُهمت فيها إسرائيل بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة. فضلاً عن ذلك، وصلت توجيهات إلى وسائل الإعلام المملوكة للشركة المتحدة المحسوبة على جهاز المخابرات في مصر بعدم ذكر التحرك المفترض الذي سبق أن أعلنت عنه القاهرة، في 12 مايو/أيار الماضي، بعزمها الانضمام لدعم الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا، مع تركيز التعليمات على أن التحرك المصري منصب بالأساس على الجوانب الإنسانية مع الحفاظ على دور الوسيط للقاهرة.

إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر

وأشار مصدر مصري في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن الجانب الإسرائيلي "استند في هذا الإجراء إلى بند في عقود الغاز الموقعة بين مصر وإسرائيل خاص بإمكانية وقف الإمدادات من دون شروط جزائية أو غرامات، حال تعذر الأوضاع الأمنية". وكشف المصدر أن ما ضاعف تأثير الإجراء الإسرائيلي هو تباطؤ شحنات مواد بترولية كانت مقررة في الوقت ذاته من السعودية، كانت تحصل عليها مصر بأسعار تمييزية وبنظام دفع ميسر. وسجلت أرقام إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر تراجعاً واضحاً خلال شهر مايو الماضي بنسبة تتجاوز 26 في المائة. وانخفض حجم الإمدادات من 1.25 مليار قدم مكعبة إلى حوالي 850 مليوناً يومياً، في تراجع غير مسبوق لم تشهده صفقات التعاون بين البلدين في مجال الغاز منذ عدة أعوام. وكان ملف الغاز أحد الملفات الغامضة التي أثارت تساؤلات شتى من دون إجابة مقنعة للكثيرين، إذ دأبت مصر منذ أكثر من عشر سنوات على إمداد إسرائيل بحاجتها من الغاز، وتعرضت خطوط الإمداد للتفجير ما أوقع على مصر غرامات مالية، ثم انقلب الوضع فجأة وباتت مصر هي المستورد للغاز الإسرائيلي بدعوى التعاون في تسييله وإعادة تصديره، مع تناقص وتقلص لإنتاج مصر من الغاز، بشكل دفعها للاعتماد على الغاز الإسرائيلي لسد النقص المحلي وليس للتصدير كما كان مخططاً.


عمرو هاشم ربيع: أزمة خفض إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر سياسية بامتياز

وثار الجدل مجدداً حول جدوى إبرام تعاقدات طويلة الأمد مع الكيان الإسرائيلي للحصول على إمدادات الغاز بأسعار متغيرة، ومن دون ضمانات لمصر في الحصول على تعويضات عن تراجع الإمدادات، مثل ما حصلت إسرائيل على 1.7 مليار دولار تعويضات عن تراجع الإمدادات له في مرحلة ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ومرور مصر بما أُطلق عليه القوة القهرية، وهو ما تذرعت به إسرائيل أخيراً، رغم أن حقول الغاز وموانئ التصدير الإسرائيلية لم تتعرض لهجمات من حزب الله وحركة حماس. وفتحت هذه الأوضاع الباب واسعاً أمام تساؤلات حول دوافع الاحتلال لتخفيض إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر في هذا التوقيت شديد الحساسية، وأسبابه، وما إذا كانت سياسية أم فنية، وما إذا كان استخدام إسرائيل هذا الملف من أجل ابتزاز مصر بالغاز، وما هي بدائل مصر للتعامل مع هذه الأسئلة.

نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عمرو هاشم ربيع أعرب عن اعتقاده، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أزمة خفض إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر سياسية بامتياز، إذ تسعى تل أبيب من وراء ذلك للضغط على مصر لانتزاع تنازلات سياسية، وعقاباً للقاهرة على حزمة من التوجهات المصرية، ومنها رفض احتلال إسرائيل معبر رفح وممر فيلادلفيا ورفض دخول المساعدات الإنسانية إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح، باعتبار أن تل أبيب ليست طرفاً في اتفاقية تشغيل المعبر، ما شكّل إحراجاً شديداً لتل أبيب أمام المجتمع الدولي". وقال هاشم ربيع إن إسرائيل "مستاءة للغاية من إدانة مصر المجازر الإسرائيلية في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وآخرها مجازر النصيرات، وإعلان مصر انضمامها إلى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ما دعا مسؤولين إسرائيليين لتذكير مصر بوقوف إسرائيل معها خلال المواجهة مع داعش، والسماح بخرق معاهدة السلام، ودخول عدد أكبر من القوات المصرية والآليات، بشكل يرون معه أنه يجب على مصر أن تغض الطرف عن مجازر الاحتلال في غزة". ووضع ذهاب تل أبيب في ابتزاز مصر إلى أقصى مدى في سياق "محاولة خلق رأي عام شعبي ضد صانع القرار في مصر، وإظهار الحكومة المصرية في وضع العاجز في مواجهة أزمة الكهرباء"، مشيراً إلى أن مصر "أمامها بدائل عديدة، ومنها التوجه إلى قطر والجزائر للحصول على احتياجاتها من الغاز، وأن الجزائر تبدو الأكثر مناسبة وذلك لارتباط قطر بعقود وشروط جزائية لتصدير الغاز إلى عدد كبير من دول العالم".

في المقابل، قلل المساعد السابق لوزير الخارجية المصري معصوم مرزوق من أهمية وجود دوافع سياسية من وراء تراجع إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر مؤكداً أن هناك "دوافع اقتصادية من استيراد مصر الغاز من إسرائيل، إذ تقوم بشرائه من الكيان بدولارين للوحدة وتقوم بتسييله وبيعه لأوروبا بأربع دولارات للوحدة، ما يشكل دعماً لميزان المدفوعات المصري". ورأى مرزوق في حديث لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة في مصر تتمثل في ارتفاع أسعار الغاز والنفط عالمياً، بشكل زاد من الضغوط الاقتصادية على القاهرة في ظل أزمتها المتفاقمة"، نافياً تأثر المواقف السياسية لمصر إزاء الحرب على غزة، باعتبار أن دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته يشكل قضية أمن قومي وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.


عصام عبد الشافي: ملف الغاز لم يعد إسرائيلياً مصرياً، بل تداخلت فيه أميركا وأوروبا

ملف الغاز أكبر من مصر وإسرائيل

من ناحيته، أعرب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أن "الحديث عن أن الاحتلال أوقف إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر رداً على نيتها الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا يحتاج إلى تمعن، لأن ملف الغاز لم يعد ملفاً إسرائيلياً مصرياً، بل تتداخل فيه الولايات المتحدة وأوروبا بشكل قوي لأنه في يونيو/حزيران 2022، تم توقيع اتفاق ثلاثي بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بملف الغاز، على خلفية تداعيات الأزمة الأوكرانية. والأمر الآخر أن هناك الكثير من الشواهد التي تؤكد استمرار التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل، خصوصاً بعد قيام تركيا بتجميد جزء كبير من علاقاتها التجارية مع إسرائيل ولم تعد هناك بدائل استراتيجية يمكن أن تمرر من خلالها شحنات المواد الأساسية التي يحتاج إليها الكيان، إلا عبر النظام في مصر وعبر الأردن أو عبر البحر من خلال حلفائه الاستراتيجيين، وبالتالي التلويح بهذه الورقة، أعتقد أنه لا يخدم إسرائيل، ولا يتوافق مع طبيعة العلاقات الاستراتيجية التي تربطها بالنظام". وتابع عبد الشافي: "تدخل الولايات المتحدة في ملف الغاز لم يكن وليد اليوم، ولكنه كان حاسماً منذ الاكتشافات الضخمة في شرق المتوسط، وكانت راعية لمنتدى غاز شرق المتوسط، وحاضرة بقوة في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وما كانت فكرة الرصيف البحري قبالة غزة إلا كي يكون للولايات المتحدة حضور مباشر في ملف الغاز".

أما أستاذ هندسة الطاقة بجامعة الزقازيق حافظ سلماوي، فرأى أن أسباب خفض إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر الغاز قد تكون لها اعتبارات فنية، وتعود لتطورات الحرب في غزة، والتوترات على الحدود اللبنانية، بشكل يمكن معه توجيه كميات أكثر من الصادرات الإسرائيلية للمجهود الحربي، ولتعويض زيادة الطلب على الغاز في الداخل الإسرائيلي. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "وجود حقول الغاز وميناء التصدير في أسدود، شمال غزة، قد يكون هدفاً لهجمات المقاومة الفلسطينية وحزب الله"، موضحاً أن "كميات كبيرة من الغاز الإسرائيلي كانت تُستورد خاماً ويجرى تسييلها في دمياط (مصر) وتصديرها إلى أوروبا، ما يشكل خسارة لمصر، ناهيك عن أن البديل قد يكون الحصول على الغاز عبر السفن ما يضاعف التكلفة، فضلاً عن أن المرحلة الأخيرة شهدت تراجعاً في إنتاج الغاز المصري بنسبة 15 في المائة، ما دفع الدولة لزيادة مدة تخفيف الأحمال وقطع الكهرباء عن محافظات مصر".

المساهمون