استمع إلى الملخص
- **الأزمة الاقتصادية والإهمال الحكومي**: تزايدت الأزمة الاقتصادية في إسرائيل نتيجة الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023، مع اتهامات للحكومة بعدم التعامل المهني مع الأزمة وتفضيل المصالح السياسية.
- **الاقتصاد كجزء من الأمن القومي**: الأزمة الاقتصادية مرتبطة بالحالة الأمنية، حيث أن توسيع الحرب قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية، مع تحذيرات من خبراء اقتصاديين حول انخفاض الناتج المحلي وارتفاع الدين العام.
منذ حرب لبنان الأولى (الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982)، ورغم الاختلاف في طبيعة الحرب وحجمها، لم تخض إسرائيل حرباً طويلة وبوتيرة عالية، تجاوزت العشرة أشهر حتى الآن، وعلى أكثر من جبهة، من دون أن يكون في الأفق القريب تصوّر لموعد وكيفية انتهاء الحرب أو نتائجها. ومنذ أن وضع ديفيد بن غوريون أسس العقيدة العسكرية في خمسينيات القرن الماضي، فهم أن لا قدرة لبنية المجتمع الديمغرافية وطبيعة وحجم الاقتصاد الإسرائيلي، على تحمّل حرب طويلة أو حرب مهددة للجبهة الداخلية قادرة على تعطيل الاقتصاد بشكل تام من جهة، فضلاً عن تجنيد قوات احتياط لفترة طويلة، وتخصيص ميزانيات ضخمة لها. العقيدة العسكرية اعتمدت على خوض حروب سريعة، بغرض نقل المعارك إلى أرض "العدو"، لحسمها، وفق الرؤية الإسرائيلية، بأقل الخسائر المادية والبشرية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
في الجانب الاقتصادي، لم تتغير الاعتبارات والشروط بشكل جوهري بعد مرور أكثر من سبعة عقود على إقامة إسرائيل ووضع العقيدة العسكرية الأساسية، حتى ولو بات الاقتصاد الإسرائيلي متطوراً وحديثاً، وبلغ فيه الناتج المحلي السنوي للفرد الواحد أكثر من 50 ألف دولار، متشابهاً مع العديد من كبريات الاقتصاد في العالم. وبات هذا الاقتصاد مرتبطاً بالأسواق العالمية والاستثمارات الخارجية، معتمداً على قطاع التقنيات الحديثة والتكنولوجيا الفائقة، مكرّساً العجز عن خوض إسرائيل الحروب الطويلة.
أعرب محافظ المصرف المركزي الإسرائيلي عن قلقه من الوضع الاقتصادي
الأزمة الاقتصادية في إسرائيل والإهمال الحكومي
تزايدت في الأسابيع الأخيرة مؤشرات عن عمق الأزمة الاقتصادية في إسرائيل المشتقة بشكل مباشر من حرب الإبادة على قطاع غزة، والحالة الأمنية والسياسية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكما في الجانب الأمني والعسكري، فإن أهداف الحكومة غير واضحة أيضاً في الجانب الاقتصادي، وهناك اتهامات علنية بأن الحكومة لم تتعامل بشكل مهني وعقلاني مع الأزمة الاقتصادية في إسرائيل بل تجاهلتها في محاولة للالتفاف أو القفز عن استحقاقات المرحلة، مستمرة في انتهاج سياسة اقتصادية شعبوية فئوية، بهدف الحفاظ على التحالف الحكومي بدلاً من الاهتمام بمصلحة الاقتصاد الإسرائيلي. في الجانب الاقتصادي، أصبح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رهينة أحزاب اليمين المتطرف ومصالح الاستيطان، تماماً كما في كل من الجانب الأمني والعسكري والسياسي، عامداً إلى المراوغة والمناورة والتهرب من ضرورة التعامل مع الأزمة الاقتصادية، المنبئة باحتمال تحولها إلى حالة انهيار اقتصادي وتراجع في مكانة إسرائيل الاقتصادية الدولية. الوضع الراهن وتعامل الحكومة، خصوصاً وزير المالية الفاشي بتسلئيل سموتريتش، وفقاً للعديد من المحللين الإسرائيليين، أصبح خطراً على الاقتصاد الإسرائيلي ومكانته الدولية المتآكلة وعلى إمكانيات الخروج من الأزمة، وبات مزعجاً للعديد من كبار المسؤولين في المؤسسات الاقتصادية والمحللين. بذلك تحول المحور الاقتصادي وإدارة الحكومة لملف الاقتصاد إلى سبب إضافي للتصدع في المشهد السياسي الإسرائيلي.
من علامات التحذير من عمق الأزمة الاقتصادية في إسرائيل، رسالة محافظ المصرف المركزي الإسرائيلي أمير يارون، إلى رئيس الوزراء، التي نشرت قبل عدة أيام في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وأعرب يارون عن قلقه بشأن الوضع الاقتصادي في إسرائيل، وانتقد رد فعل نتنياهو على قرار مؤسسة "فيتش" خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل. أشار المحافظ في رسالته إلى ضرورة وأهمية إقرار موازنة العام المقبل، منتقداً تجاهل الحكومة ووزير المالية لها. وقال إن "الموافقة على الميزانية في الوقت المحدد ستُمكن من التعامل بشكل أفضل مع تحديات التدفق المالي وتقليل الحاجة إلى أدوات غير عادية في الميزانية. كما أن تكامل جميع العناصر المهنية في صياغة الميزانية، كما جرت العادة، أمر ضروري لعملية شاملة لضمان ميزانية متوازنة ومسؤولة". وشدد على أهمية الاصغاء للمهنيين في وزارة المالية وعدم تجاهلهم أو تهميشهم.
بدورها، حذرت افتتاحية صحيفة هآرتس، الخميس الماضي، من الأزمة الاقتصادية في إسرائيل ومن سوء إدارة الحكومة للملف الاقتصادي، واتهمت سموتريتش شخصياً بالإخفاق في إدارة هذا الملف. وكتبت: "يمارس سموتريتش سياسات اقتصادية غير مسؤولة في زمن الحرب، ويرفض إعداد ميزانية الدولة لعام 2025، تأخذ في الاعتبار تكاليف الحرب الباهظة، وتعكس واجبه في منع حدوث أزمة اقتصادية. ويطالب الوزير البيروقراطية المهنية بخرق إطار الموازنة لعام 2024 وتجاوز قواعد الإنفاق. وعندما أوضح له كبار المسؤولين في مكتبه أن هذه خطوة خطيرة من شأنها أن تضر بمصداقية الحكومة، كان رد فعله متطرفاً واقترح عليهم الاستقالة". واختار سموتريتش، وفقاً للصحيفة، ذات المسار الذي اتبعته الحكومة منذ تشكيلها: تفضيل المصالح السياسية، والحفاظ على التحالف ومنح أفضليات اقتصادية لقواعد اليمين والاستيطان، بدلاً من التصرف المهني.
تحذير آخر من خطورة الأزمة الاقتصادية في إسرائيل جاء على لسان تسفي إيكشتاين، في مقابلة مع الصحيفة الاقتصادية كالكاليست الأربعاء الماضي. وقد شغل إيكشتاين سابقاً منصب نائب محافظ المصرف المركزي الإسرائيلي، وهو مؤسس "معهد أهارون للاقتصاد" في جامعة رايخمان. شدد إيكشتاين على خطورة الحالة الاقتصادية الراهنة، واحتمالات التدهور والانهيار الاقتصادي في حال توسعت الحرب إلى جبهات أخرى، مؤدية إلى كارثة اقتصادية. وفقاً لإيكشتاين، فإن الوضع الاقتصادي الراهن سيئ للغاية، ومن المحتمل تدهوره في حال توسعت الحرب مع حزب الله، دافعاً إلى انخفاض الناتج المحلي بـ2.5%، وارتفاع نسبة الدين العام من الناتج المحلي وصولاً إلى 75%، مع تسجيل انخفاض إضافي كبير في التصنيف الائتماني لإسرائيل. أما سيناريو الرعب الذي حذّر منه إيكشتاين فهو الحرب متعددة الجبهات، لأن "مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى تدهور اقتصادي كبير، ويمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى نسبة 5% أو أكثر، وإلى ارتفاع نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 80%، وارتفاع العجز المالي للحكومة بشكل كبير"، وفقاً له.
تسفي إيكشتاين: توسيع الحرب مع حزب الله يزيد نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 80%
الاقتصاد مركّب من مركّبات الأمن القومي
الأزمة الاقتصادية في إسرائيل مرتبطة بشكل مباشر بالحالة الأمنية والعسكرية. وقد حذّر العديد من المحللين والخبراء والمهنيين والمسؤولين من مخاطر توسع الجبهات أو توسيع الحرب، ومن احتمال الوصول إلى حرب إقليمية. فإذا كانت الحرب على غزة قد عطلت الاقتصاد في جنوب إسرائيل بشكل كلي في الأشهر الأولى من الحرب، وقلصت بشكل كبير النشاط الاقتصادي في الشمال، وأدت إلى أثمان اقتصادية باهظة لغاية الآن، فإن توسيع الحرب سيفضي إلى تعطيل واسع في الاقتصاد الإسرائيلي، وتجنيد أعداد كبيرة من قوات الاحتياط، وانهيار الاستثمارات الخارجية وهروب شركات التقنيات الحديثة والتكنولوجيا الفائقة إلى خارج إسرائيل، وتراجع مكانة الاقتصاد الإسرائيلي. إسرائيل مدركة تماماً لأهمية مركب الاقتصاد والمناعة الاقتصادية في مركبات الأمن القومي، ودوره في عوامل القوة. واعتبرت أن الاقتصاد مركب أساسي من مركبات أمنها القومي. والجميع مدرك للأثمان الباهظة المتوقعة لتوسيع الحرب واستمرارها لمدى أطول، وهي حالة متناقضة مع أساسيات العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
على الرغم من كل هذا، فإن المخاوف من أزمة اقتصادية لم تحفز لإنهاء حرب الإبادة على غزة، ولا ردع إسرائيل من توسيع الجبهة الشمالية. لغاية الآن لا بوادر جدية لدى الحكومة الإسرائيلية، أو المؤسسة العسكرية، لوقف الحرب على غزة ومنع توسيعها في الجبهة الشمالية مع حزب الله. صحيح أن المؤسسة العسكرية والأمنية مؤيدة لوقف إطلاق النار في غزة والتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى، إلا أنها لم تمارس ضغطاً كافياً على الحكومة وعلى رئيس الوزراء تحديداً، بغية الدفع نحو اتفاق. وذكرت المؤسسة العسكرية أن وقف إطلاق النار في غزة، أو على الأقل حفض العمل العسكري بشكل جدي، يسمح في زيادة جهوزية الجيش في جبهة الشمال، ونقل قوات وجهد للجبهة الشمالية. في الأيام الأخيرة، واصلت إسرائيل خطوات وعمليات توسع الاشتباك في جبهة الشمال، منها تعميق الضربات ونوعية الأهداف، متوعدة حزب الله بأن خيار الحرب بات أقرب مما مضى.
على ما يبدو لن تؤدي المفاوضات الحالية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي، تحديداً نتنياهو، وإصراره على استمرار الحرب عبر إضافة بنود وشروط على كل الاقتراحات لوقفها. بخلاف أساسيات العقيدة العسكرية الإسرائيلية، لم يظهر تصرف متخذي القرار والمؤسسات العسكرية والأمنية، على الأقل لغاية الآن، أنهم ساعون إلى تقليص مدة ومدى الحرب، أو العمل على إنهائها، ولم يعيروا اهتماماً كافياً للأثمان الاقتصادية، على الرغم من الإجماع القائم بأن أي توسيع للحرب سيكون كارثياً للاقتصاد الإسرائيلي، وأن أثمان الحرب البشرية والمادية ستكون كبيرة.