هل تتجه موسكو للإعلان عن وجودها العسكري في ليبيا من بوابة حفتر؟

هل تتجه موسكو للإعلان عن وجودها العسكري في ليبيا من بوابة حفتر؟

04 ديسمبر 2023
من لقاء خليفة حفتر بيونس بك يفكيروف (تويتر)
+ الخط -

أنهى نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف، مساء أمس الأحد، زيارته لمقر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في ثالث زيارة له إلى ليبيا منذ أغسطس/آب الماضي، ما أثار أسئلة حول حقيقة الوجود الروسي العسكري والسياسي في ليبيا وأبعاده وأهدافه القريبة والبعيدة. 

وتكرس التواجد العسكري لموسكو في ليبيا منذ سنوات من خلال مجموعة "فاغنر"، التي قدمت الدعم العسكري لمليشيات حفتر لا سيما في عدوانه على طرابلس عامي 2019 و2020، قبل أن تتغلغل فاغنر في عدة مواقع حيوية في جنوب ووسط الجنوب، خصوصاً في قواعد الجفرة والقرضابية العسكرية المهمة بالإضافة لمواقع أخرى قريبة من منابع النفط في الجنوب الليبي وأخرى داخل قاعدتي جمال عبد الناصر والخروبة في شرق البلاد. 

وعلى الرغم من التحذيرات العديدة التي وجهتها واشنطن مع عواصم غربية أخرى لحفتر بشأن علاقته بفاغنر إلا أنه احتفظ بتحالفه معها. ولكن حفتر شعر بالقلق إزاء استمرار العلاقة مع فاغنر في أعقاب المحاولة الانقلابية التي نفذتها المجموعة في روسيا، في أغسطس/آب الماضي، ولكن موسكو سارعت للتأكيد على استمرار دعمها له. 

وبالتزامن مع تغير نهج وسياسات موسكو إزاء فاغنر ورغبتها في ضمها إلى قواتها النظامية، أجرى يفكيروف أول زيارة رسمية له إلى بنغازي نهاية أغسطس الماضي، وامتدت لأسبوع رفقة عدد من كبار موظفي وزارة الدفاع زاروا خلالها الرجمة والجفرة وقواعد عسكرية ليبية أخرى تتواجد فيها فاغنر، تلتها زيارة أخرى منتصف سبتمبر/أيلول الماضي قبل أن يجري زيارته الأخيرة يومي السبت والأحد الماضيين.

وكانت وكالة نوفا الإيطالية نقلت عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله أنه لا ينبغي لحفتر "الاعتماد" على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتزامن مع وجود يفكيروف في بنغازي السبت الماضي، مشيرة إلى أن الأخير يسعى لإنشاء فيلق عسكري روسي في أفريقيا لـ"إجراء عمليات عسكرية واسعة النطاق في القارة" الأفريقية. 

وانتقد المتحدث الأميركي، الذي لم تسمه الوكالة الإيطالية، استمرار وجود فاغنر في ليبيا، معتبراً أنها "عنصر ضار في ليبيا" وقامت بزعزعة استقرار ليبيا "واستخدمتها كمنصة لتنظيم أنشطتها في المنطقة"، مشيراً إلى أن المرتزقة الروس قاموا في العام 2020 بزرع مئات الألغام أثناء الانسحاب من طرابلس أدت إلى مقتل أكثر من 300 شخص. 

واتهم المتحدث الأميركي فاغنر بإعاقة العملية الانتخابية في ليبيا العام 2021، فروسيا ليس "لديها مصلحة في التوصل إلى حل سياسي للصراع الليبي". 

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويؤكد الخبير في الشأن الأمني، الصيد عبد الحفيظ، أن زيارات يفكيروف المتتالية على علاقة بإعادة نظر موسكو في شركة فاغنر ورسم هيكلها الجديد، وقال لـ"العربي الجديد" إن "فاغنر كانت مرحلة أولى للتمدد الروسي ليس في ليبيا فقط، بل في المواقع التي يتواجد فيها هؤلاء المرتزقة حالياً، ويبدو أن موسكو كانت حددت منذ البداية أن ليبيا ستكون قاعدة رئيسية للانتشار والتمدد في العمق الأفريقي". 

وتابع عبد الحفيظ "كعادتها تختار موسكو القادة العسكريين في الدول التي ترغب في تعزيز وجودها فيها لتقويتهم ودعمهم بحيث يمررون سياستها، وسبق لموسكو أن فعلت هذا في النيجر والسودان، وحفتر بالنسبة لها كغيره من العسكريين الأفارقة"، مضيفاً "المرحلة السابقة كانت تأسيسية بالنسبة لموسكو من خلال تعزيز وجودها العسكري، والآن هي في المرحلة الثانية لتحويل هذا الوجود إلى نفوذ أقوى من خلال خريطة واضحة تنتشر في قواعد عسكرية من الشرق إلى عمق الجنوب الليبي للمرور من خلالها إلى مناطق الحزام الصحراوي". 

ويرى عبد الحفيظ أن روسيا تسعى "لبناء قوة تضاهي قوة الأفريكوم والوجود الفرنسي العسكري لمنافستها في العمق الأفريقي وليس لمواجهتها، وهو ما تفهمه واشنطن وعواصم الغرب التي لم تتجاوز مواقفها النقد والاستنكار والتحذيرات". 

وعن تجاهل حفتر تحذيرات واشنطن بشأن علاقته مع فاغنر وموسكو، يقول عبد الحفيظ "حفتر انكسر عسكرياً وتخلى عنه حلفاؤه، وليس أمامه من خيار سوى استمرار توثيق هذه العلاقة، بل والعمل على تعزيزها للحفاظ على مكانته كرقم فاعل لابد من استيعابه في أي تسوية سياسية". 

ويؤكد عبد الحفيظ أن "ما يدركه حفتر بشأن وضعه السياسي والعسكري تدركه واشنطن والأوروبيين كذلك، لكن الخطر بالنسبة لأميركا وأوروبا يتعلق بالتمدد الروسي"، مشيراً إلى أن زيارات يفكيروف هي بمثابة إعلان روسي عن الوجود العسكري في ليبيا وأفريقيا بشكل أكثر صراحة وتنظيماً "بعد أن كان من خلال شركة مرتزقة فاغنر غير الرسمية". 

وحول موقف واشنطن والعواصم الأوروبية من تعزيز موسكو وجودها العسكري في ليبيا، لفت عبد الحفيظ إلى أن الوجود التركي العسكري في ليبيا، الذي وافق البرلمان التركي على تمديد مهامه في ليبيا قبل أيام، سيجعل من مسألة الاحتجاج على الوجود الروسي في ليبيا "أقل حدية، خصوصاً وأن أنقرة تحتفظ بعلاقات جيدة مع موسكو وعواصم الأوروبية وواشنطن". 

وفي الوقت الذي يوافق فيه الباحث في الشأن السياسي، أشرف النيهوم، على هدف حفتر من فتح الباب واسعاً أمام الروس للحصول على مكاسب سياسية وتوجيه رسالة لخصوم موسكو في الغرب لـ"ابتزازهم والحصول على مكان في أي موقع ضمن أي عملية سياسية أو في الانتخابات"، إلا أنه يؤكد لـ"العربي الجديد" في ذات الوقت أن موسكو مهتمة بالعملية السياسية أيضاً في ليبيا. 

والخميس الماضي اختتم رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، زيارة لموسكو بدعوة منها، دامت ليومين، التقى خلالها نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وناقشا تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وكسر الجمود السياسي عبر الانتخابات، وفقا للمكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة. 

واعتبر النيهوم أن زيارة رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة إلى موسكو، الخميس الماضي، دليل على الاهتمام الروسي بالجانب السياسي، مشيراً إلى أن بوتين عين سفيراً روسياً في طرابلس بشكل رسمي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقال "موسكو أيضاً فاعل مهم في مجلس الأمن في الملف الليبي، وكثيراً ما عبرت عن آراء سياسية داعمة لنجل القذافي سيف الإسلام، وطالبت بإضافة الأطياف السياسية الموالية للنظام السابق في أي تسوية سياسية". 

وأضاف النيهوم "الغرب الليبي وشرقه بيد قوى عسكرية كبرى، روسيا وتركيا، وتمددهما قضية تتجاوز ليبيا وقادتها المتصارعين، بل يتعلق بالصراع الدولي على النفوذ في أفريقيا وحوض المتوسط، أما الفعل الدولي في ليبيا فيتعلق فقط بكيفية فك اشتباكات المصالح الإقليمية والدولية في ملف السياسة والانتخابات لبناء جسم سياسي موحد، وهو أمر لا يبدو أنه متاح في ظل عدم وضوح المواقف الدولية في المسألة السياسية الليبية الحالية".

المساهمون