مرت سبعة أشهر على سقوط الموصل بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وما تلا ذلك من انهيار للجيش العراقي وانسحاب أمام التنظيم في محافظات عدة، ليترك أسلحته الخفيفة والثقيلة لـ"داعش" من دون أيّ مقاومة تذكر. سبعة أشهر أثارت استغراب المراقبين وحتى المواطنين، بعد انهيار أربع فرق عسكرية من دون أن تُطلق ولو رصاصة واحدة دفاعاً عن نفسها، وهو ما أثار الدهشة وطرح الكثير من الأسئلة التي لم يُجب أحد عليها حتى اليوم.
سيناريو "تسليم" الموصل والمحافظات العراقية الأخرى (صلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك) لتنظيم "داعش"، وأوامر الانسحاب التي صدرت للجيش في يونيو/حزيران الماضي، يكشفها القيادي الكردستاني ومقرر لجنة الأمن والدفاع العراقية البرلمانية شوان محمد طه لـ"العربي الجديد"، الذي يقول إن "ما حدث في الموصل وتكريت والأنبار وديالى وكركوك، هو عبارة عن سيناريو سياسي بحت، ومحاولة لخلط الأوراق (السياسية مع الأمنية)".
ويشير طه إلى أنّ "البحث في الموضوع يتطلّب متابعة للخطابات السياسية لرئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، إذ إنّه هدّد خصومه ومنافسيه أكثر من مرّة، وقال الدم سيصل للرقاب، كما بدأ بعد سقوط الموصل مباشرة بكيل الاتهامات إلى خصومه السياسيين وتحميلهم مسؤولية إشكالية الموصل"، لافتاً إلى أنّ المالكي قال في أحد خطاباته قبل انتهاء ولايته إن "هذا الأمر كان اتفاقاً سياسياً".
ويرى "أن سقوط الموصل كان عملية مدبّرة لإسقاط مناطق العرب السنّية بدءاً بالموصل، لكون قادة السنّة من الموصل والأنبار وتكريت وديالى كانوا خصوماً للمالكي"، مؤكداً أنّ "العملية برمتها هي محاولة منه لإسقاطهم سياسياً، كما كانت محاولة أيضاً لتهديد إقليم كردستان، ووضع مستقبل الإقليم على كفة عفريت، لكون قادة الإقليم حاولوا تغيير طبيعة إدارة الحكم في البلاد، وكانوا ينتقدون المالكي انتقاداً سياسياً لاذعاً".
ويضيف: "أراد المالكي أن يضرب السنّة والأكراد بحجر واحد من خلال الموصل، لكن لسوء حظه وخطأ تخمينه انقلب السحر على الساحر، فالخصوم كانوا صقوراً وليسوا عصافير كما تصوّرهم".
أوامر الانسحاب وتسليم الموصل
يكشف طه أن "أوامر عليا صدرت بتسليم الموصل وانسحاب الجيش منها، حتى إنها لم تقتصر فقط على الموصل، وإنّما شملت صلاح الدين وديالى وكركوك"، مشيراً إلى "أنّ قادة البشمركة في كركوك تحدّثوا مع قائد الفرقة 12 التابعة للجيش العراقي في حينها، وطلبوا منه عدم ترك الفرقة وأكدوا أنّهم سيقاتلون معه، لكنّه قال لدينا أوامر عليا بالانسحاب ولا أستطيع مخالفتها، وتم الانسحاب فعلاً".
ويلفت القيادي الكردستاني إلى أنّ "الأوامر العليا كانت تصدر من مكتب القائد العام للقوات المسلّحة حينذاك نوري المالكي، فلا أحد يستطيع إصدار أي أمر من خارج المكتب"، مضيفاً "سقطت الموصل في ليلة وضحاها من دون أيّ مقاومة، وهذا أمر لا يعقل".
ويشير إلى أنّ "داعش" سيطر على المناطق السنّية فقط، ولم يدخل المناطق الشيعية لسببين، هما محاولة منه لاتهام العرب السنّة بأنّهم حاضنة للإرهاب، وهذا الشيء عارٍ عن الصحة لكون السنّة هم من دفعوا ضريبة دخول داعش مادياً ومعنوياً وتعرّضوا للنزوح القسري، كما أنّ تحرير مناطقهم سيكلفهم الكثير ويسبّب لهم أضراراً كبيرة".
ويعتبر طه أنّ "المالكي سعى من خلال إسقاط الموصل إلى فرض قانون الطوارئ، لكي يسيطر على الحكم في البلاد ويبقى على رأس السلطة لأجَل غير مسمى، ويستلم كافة الصلاحيات الإدارية والعسكرية، لكن الرياح جرت بما لا يشتهي".
تهريب سجناء أبو غريب
ويشير القيادي الكردي إلى أنّ "هناك علاقة ما بين تفعيل تنظيم "داعش" في العراق وبين تهريب سجناء أبو غريب في يوليو/تموز من عام 2013 وأحداث الموصل، وما تبعها من سقوط المحافظات العراقية بيد التنظيم".
ويوضح طه أنّ "عملية تهريب السجناء من سجن أبو غريب، وهم 1200 سجين، منهم 728 محكومون بالإعدام، وبعضهم صدرت بحقه عدة أحكام، تمت في فترة لا تزيد على الساعتين، وهم اختفوا في هذا الوقت القصير ولم تستطع الأجهزة الحكومية القبض على أي منهم، وهذا دليل واضح على مؤامرة سُخّرت لها إمكانية الدولة".
ويقول إن "أشخاصاً ومجاميع مسلّحة لا يستطيعون القيام بمهمة كهذه وفي فترة قياسية جداً، وقد تم تحويلهم إلى المناطق الغربية من العراق".
طه الذي كان عضواً في لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي شُكّلت للتحقيق في قضية هروب السجناء، يكشف أن "ضغوطاً مورست علينا في اللجنة، وغُيّبت الحقيقة عنّا، كما قطعت قوات وزارة الدفاع الطريق علينا ومنعتنا من الوصول إلى السجن لفتح الملف"، مشيراً إلى أنه "بعد أربعة أيام فُتحت لنا الطريق ووصلنا إلى السجن لكن بعد فوات الأوان، فلم نجد أيّاً من كوادر السجن الأصلييّن، إذ تم نقل كل منتسبي السجن الذي شهدوا الحادثة واستُبدلوا بمنتسبين جدد لا علم لهم بشيء، وتغيّر كل شيء خلال الأيام الأربعة التي مُنعنا فيها من الوصول إلى السجن، ولم يبقَ لا مَعلم ولا أثر ولا دليل نستند إليه كلجنة تحقيق".
ويضيف طه: "طلبنا من رئاسة مجلس النواب أن تتحدث مع القائد العام للقوات المسلّحة آنذاك عن الموضوع، وتحدّثت بالفعل في وقتها، لكن من دون جدوى، فأُغلق الملف بإرادة تفوق إرادتنا وإرادة مجلس النواب، وأسدل الستار عن الحقيقة حتى يومنا هذا".
ويرى أنّه "تم تفعيل تنظيم داعش في العراق من تهريب سجناء أبو غريب، ليبدأ تنفيذ سيناريو الهجوم على الموصل وما تبعه من أحداث وفق خطة أعدّت سلفاً".
التحقيق بقضية الموصل يثير الاستغراب
يقول القيادي الكردي إنّ "مجرد تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق في الموصل، وإبعاد الموضوع عن القضاء، أمر يثير السخرية والاستغراب في آن واحد".
ويعتبر أنّه "كان الأجدر بالحكومة أن تترك التحقيق للقضاء ليأخذ مجراه، لأن القضية أكبر من لجنة لتقصي الحقائق، ومن المعروف أنّ اللجان البرلمانية في العراق لا قيمة لها ولن تكشف عن أي حقيقة".
ويشير طه إلى أن "اللجنة تُحقّق الآن مع قادة ثانويين، وأنّ المشكلة ليست مع القادة الذين ينفذون الأوامر بل مع من يصدرون الأوامر، فمن المفترض أن يكون التحقيق مع صانع القرار العسكري، والقرارات كانت تصدر من مكتب القائد العام للقوات المسلّحة".
ويشدّد على أن "اللجنة لن تصل بالتحقيق حتى لقائد القوات البرية الفريق الأول الركن علي غيدان، ولا لمعاون رئيس أركان الجيش لشؤون العمليات الفريق الأول الركن عبود كنبر"، مشيراً إلى أنّه "كان من المفترض إحالتهما للمحكمة العسكرية قبل التقاعد فالقضية بحاجة إلى محكمة عسكرية".
وبشأن تحرير الموصل من "داعش"، يلفت القيادي الكردي إلى أنّ "إنجازات تحقّقت في سنجار وربيعة وزمار، وتم تحرير ما يقارب الثلاثة آلاف كيلومتر مربع من قبل البشمركة، ما يعني نصف دائرة في منطقة الموصل، الأمر الذي يُقدّم بيئة ملائمة للحكومة الاتحادية إذا كانت لديها نيّة لتحرير الموصل".
ويؤكد أن "الأرضية ملائمة اليوم للقوات العراقية لتتحرك نحو التحرير، فالبشمركة تمسك الأرض في المناطق التي حرّرتها، وهي قطعت طريق إمدادات داعش عبر سورية، وضيّقت تحركاته".
ويدعو طه الحكومة المركزية إلى "الاعتماد على أهالي الموصل لكونهم يعرفون التعامل مع طبيعة الأرض"، رافضاً "استخدام سياسة الأرض المحروقة كما فعلت حكومة المالكي، لأن أهالي الموصل سيتضرّرون"، ومشدداً على أن "البشمركة جاهزة للإسناد".
ويلفت إلى أن رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني طالب بالاطلاع على استراتيجية الحكومة في تحرير الموصل، مضيفاً "نحن غير مطلعين عليها ولا نريد أن تُحرق الأرض باسم التحرير"، معتبراً أنه "يجب التعامل مع الملف وفق المعايير وحقوق الإنسان، لأن الأهالي مغلوبون على أمرهم".
ويرى أنّ "تحرير الموصل لا يحتاج لخطابات وكلام رنّان فقط، فالمدينة لن تُحرر إلا بتواجد رجال الدولة على الميدان، كما فعل البارزاني الذي قاد البشمركة بنفسه"، لافتاً إلى أن رئيس إقليم كردستان أكد استعداد البشمركة لمقاتلة "داعش" في أي مكان في العراق ومساعدة القوات العراقية لتحرير الموصل.