استراتيجية التعافي المبكر في سورية... فرصة النظام لتجاوز العقوبات

13 نوفمبر 2024
في حرستا على مشارف دمشق، يوليو 2018 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استراتيجية التعافي المبكر في سورية (2024-2028): تهدف لدعم الصمود ومعالجة الأزمة الإنسانية، مستهدفة 16.7 مليون شخص عبر تعزيز القدرات المحلية وتقليل الاعتماد على المساعدات، مع التركيز على الصحة، التعليم، المياه، وسبل العيش المستدامة.

- مقر الأمانة العامة لصندوق التعافي المبكر: تم تحديده في نيويورك، بإشراف المنسق العام للأمم المتحدة، لتوفير آلية آمنة للمساعدات، بما في ذلك من المانحين غير التقليديين.

- مخاوف المعارضة واستغلال النظام: تعبر المعارضة عن قلقها من استغلال النظام للمشاريع لتجاوز العقوبات، مع التأكيد على ضرورة آليات رقابة قوية لمنع الفساد واستغلال المساعدات.

في الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة عن إطلاق استراتيجية التعافي المبكر في سورية، تعود المخاوف من استغلال النظام السوري هذه العملية وسيلةً لتجاوز العقوبات الدولية وتنفيذ مشاريع إعادة إعمار في المناطق التي يسيطر عليها، وتلك عملية يصر المجتمع الدولي على عدم البدء بها قبل إقرار الحل النهائي في سورية، فيما أبدى النظام في السنوات الأخيرة رغبته بالحصول على أموال التعافي المبكر، بل مارس ما يشبه الابتزاز بوجه الأمم المتحدة حيال ذلك. وبدا واضحاً تلافي وسائل إعلام النظام السوري الحديث عن مقر الأمانة العامة لصندوق التعافي المبكر، خصوصاً أن مكان الصندوق كان محط لغط، وربما خلاف في الفترة الماضية، مع ولادة فكرة استراتيجية التعافي المبكر في سورية ربيع العام الحالي.

إطلاق استراتيجية التعافي المبكر في سورية

ومنتصف الأسبوع الماضي، أعلن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، آدم عبد المولى، عن إطلاق استراتيجية التعافي المبكر في سورية لمدة خمسة أعوام، وذلك خلال مؤتمر صحافي في العاصمة السورية دمشق، على أن تشمل الاستراتيجية كافة الجغرافية السورية. وبحسب البيان الذي أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في دمشق، فإن استراتيجية التعافي المبكر للبلاد 2024-2028، تهدف إلى دعم بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل ومعالجة الأزمة الإنسانية المستمرة. وأشار إلى أن هناك أكثر من 16.7 مليون شخص في سورية يحتاجون لشكل من أشكال المساعدة المنقذة للحياة والمستدامة، من بينهم سبعة ملايين نازح داخلياً، وأنه في "حين تظل الجهود الإنسانية الجارية حاسمة، إلا أنها غير كافية لتعزيز القدرة على الصمود أو تمكين التعافي المستدام والشامل".

وأوضح البيان أن "استراتيجية التعافي المبكر في سورية تستفيد من تدخّلات التعافي المبكر التي بدأت في إطار خطة الاستجابة الإنسانية والبرامج الأخرى، مع التركيز على تعزيز القدرات المحلية، ومن خلال معالجة الاحتياجات الإنسانية الفورية والحد من الاعتماد على المساعدات المستمرة بمرور الوقت، تدعم الاستراتيجية التدخلات المستدامة والمستجيبة للنوع الاجتماعي والحساسة للسياق". وحددت الاستراتيجية أربعة مجالات رئيسية للتدخّل، وهي: إعطاء الأولوية للصحة والتغذية، وضمان جودة التعليم، وتحسين المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، ودعم سبل العيش المستدامة.

وخلال المؤتمر الصحافي، قال عبد المولى إن "هذه الاستراتيجية هي نتيجة لعدة أشهر من العمل من قبل منظومة الأمم المتحدة، وسوف تعمل بما هي أداة لا تقدر بثمن لضمان التقدم الهادف والمساعدة في معالجة الأسباب الجذرية للأزمة السورية لضمان نهج مستدام للصمود".

الأمانة العامة لصندوق التعافي المبكر ستكون في نيويورك، فيما ضغط النظام كي تكون في دمشق

ومنذ ولادة فكرة استراتيجية التعافي المبكر في سورية بميزانية ضخمة، ضغط النظام لأن تكون الأمانة العامة لصندوق التعافي المبكر في دمشق، وهذا الأمر كان قد رفضه المنسق الأممي في السابق، وعلى ذلك تم تلافي ذكر مقر الأمانة العامة للصندوق. لكن مصدراً من مكتب الأمم المتحدة في دمشق، قال لـ"العربي الجديد" إن عبد المولى أكد أن الأمانة العامة للصندوق ستكون في نيويورك الأميركية، مقر الأمم المتحدة، وهناك إجراءات إدارية تتعلق بتسجيل الصندوق قبل التعاقد مع المانحين.

وبحسب ما نقلت صحيفة الوطن الموالية للنظام عن عبد المولى في المؤتمر، فإن لجنة توجيهية يرأسها المنسق العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية ومنسق الشؤون الإنسانية الإقليمي تتولى تحديد الاتجاه الاستراتيجي لصندوق التعافي المبكر وتقديم الرقابة الفنية وممارسة المساءلة الشاملة عن الصندوق، ويكتمل هيكل الإدارة بلجنة فنية تتألف من كبار الخبراء الفنيين من الجهات المشاركة في عموم سورية تتلقى دعمها من أمانة الصندوق التي تدير العمليات اليومية.

وبحسب ما يشرح "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، على موقعه الإلكتروني، فإن مصطلح "الإنعاش المبكر" أو "التعافي المبكر"، هو مقاربة لمعالجة احتياجات التعافي التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية لأي حالة طوارئ، من طريق استخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية، كما هو حزمة من الأعمال المبرمجة المحددة لمساعدة الناس في الانتقال من الاعتماد على المساعدات الإنسانية إلى التنمية. ويشدّد البرنامج على أن "التعافي المبكر ليس أبداً مجرد مرحلة، بل هو عبارة عن عملية تعافٍ متعددة الأبعاد تبدأ في الأيام الأولى من الاستجابة الإنسانية". كذلك فإنها مقاربة "تعني التركيز على الملكية المحلية وتعزيز القدرات"، كما تهدف إلى "خلق عمليات استجابة ذاتية مرنة وبملكية وطنية لمرحلة ما بعد التعافي من الأزمة، ووضع إجراءات استعداد للتخفيف من آثار أي أزمات مستقبلية".

مخاوف المعارضة من المشروع

ولمخاوف المعارضة من هذا المشروع ما يبررها في مسألة البدء بمشاريع التعافي المبكر في سورية مع مساومة النظام على أوراق عدة مقابل إقرار مشاريع التعافي المبكر من قبل الأمم المتحدة في البلاد، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها. فصيف العام الماضي، ساوم الرئيس السوري بشار الأسد، الأمم المتحدة خلال زيارة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إلى دمشق، على ورقة اللاجئين وإعادتهم مقابل مشاريع وأموال التعافي المبكر، حين تركز اللقاء بين الأسد والمسؤول الأممي على "حشد الجهود لدعم مشاريع التعافي المبكر المرتبطة بعودة اللاجئين السوريين ومتطلباتها، وإبقاء ملف اللاجئين في إطاره الإنساني والأخلاقي"، بحسب ما نقلت رئاسة الجمهورية عن اللقاء. حينها كذلك، ربط الأسد عودة اللاجئين "بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن التي سيعودون إليها، وتأهيل المرافق الخدمية بمختلف أشكالها، إضافة إلى ضرورة تنفيذ مشاريع التعافي المبكر الضرورية لعودتهم". وفي اللقاء ذاته كان غريفيث قد عرض أمام الأسد "خطة عمل المنظمة الدولية للمرحلة المقبلة من أجل دعم مشاريع التعافي المبكر في سورية وحشد الجهود للمساعدة في تأمين الظروف المناسبة لعودة اللاجئين".

وربيع العام الحالي، وعندما كانت فكرة إنشاء صندوق التعافي المبكر في سورية قد أصبحت بحكم الأمر الواقع، أفصح المنسق عبد المولى، بأن صندوق التعافي المبكر سيوفر لبعض "المانحين غير التقليديين"، كدول الخليج التي عادة تفضّل أن تقدّم المساعدات مباشرة إلى الحكومة ولا تستطيع أن تعمل ذلك حالياً بسبب نظام العقوبات، سيوفر لها الصندوق آلية آمنة وشرعية تحت مظلة دولية، بأن تقدّم مساعدات للشعب السوري. وعبّر حينها عبد المولى عن أمله بأن "تقدّم دول الخليج أقصى ما تستطيع، منوهاً إلى أنه "لتلبية الاحتياجات نحتاج إلى ما يربو على عشرة مليارات دولار، و"هذه الأموال ينبغي أن نتحصّل عليها من المانحين التقليديين والمانحين غير التقليديين، ونقصد بهم دول الخليج بشكل خاص".

وتوجهت "العربي الجديد" لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في دمشق، للحصول على إجابات رسمية بشأن مقر الصندوق وميزانيته، وآلية الاستراتيجية، لكنها لم تحصل على ردود.

سامر ضيعي: يبرز احتمال أن تُستخدم مشاريع التعافي المبكر وسيلة لتجاوز العقوبات الدولية

من جهته، قال الحقوقي سامر ضيعي، المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار"، إن "النظام السوري سيسعى لاستغلال مشاريع التعافي المبكر بما هي طريقة غير مباشرة لإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الأمم المتحدة نفسها تعرّف التعافي المبكر على أنه نهج يركز على تلبية احتياجات إعادة البناء خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية، لكن بأدوات تتماشى مع مبادئ التنمية، ومع أن هذه الفكرة تبدو نبيلة، إلا أن تطبيقها في السياق السوري يثير أكثر من علامة استفهام". وشدد ضيعي على أنه "في سورية المخاوف ليست مجرد شكوك، بل هي شبه أكيدة، فالنظام لديه تاريخ طويل في توجيه الموارد للمناطق الموالية له، تاركاً المناطق الأخرى خارج الحسابات. بالتالي نحن لا نتحدث عن توزيع عادل للموارد، بل عن توظيفها لتعزيز نفوذه والسيطرة على المناطق التي تصب في مصلحته. ومن هنا يبرز احتمال أن تُستخدم مشاريع التعافي المبكر وسيلةً لتجاوز العقوبات الدولية".

من الناحية القانونية، رأى ضيعي أن "الوضع يتطلب آليات رقابة قوية تضمن أن هذه المشاريع لا تُستغل لتعزيز شبكات الفساد أو تمكين النظام من استغلال المساعدات لأغراضه الخاصة، لا سيما أن المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في سورية، طالب بإنشاء صندوق خاص لتمويل مشاريع التعافي المبكر، لجذب تمويل من دول الخليج، وهذه تبدو خطوة إنسانية، لكنها لا تخلو من مكر سياسي مدروس". ونوه إلى أن "العقوبات وُضعت بالأساس للضغط على النظام السوري ووقف انتهاكاته، لكنها تمنع أيضاً وصول التمويل بشكل مباشر للنظام، وهنا يأتي الصندوق بمثابة حل ذكي للتحايل على العقوبات، ما يمنح النظام فرصة لتعزيز نفوذه تحت غطاء المشاريع الإنسانية، وهذا التمويل، بدون آليات رقابة صارمة، يتحول إلى فرصة ذهبية للنظام لاستغلاله، في حين يُفترض أن يكون مخصصاً لتحسين حياة المدنيين".

المساهمون