فنّدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، السبت، ادعاءات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن أن القنابل العنقودية التي تعتزم إرسالها لأوكرانيا محدثة وذات نسب فشل لا تتجاوز 2.35%، مشيرة إلى أن نسب الفشل ترتفع لتطاول 14%؛ ما يعني أنها ستمثّل تهديدًا بعيد الأمد يتجاوز راهن الحرب الدائرة حاليًّا وضروراتها القتالية.
وتعني "نسبة الفشل" أنّ بعض القنابل التي تضمّها الحاوية العنقودية الواحدة، والتي تنتشر على رقعة بحجم ملعب كرة قدم لدى إطلاقها، لن تنفجر في لحظة الاصطدام، وستصبح بمثابة ألغام قابلة للانفجار في كلّ من يتعثّر عندها. وكلما ارتفعت نسبة الفشل، يزيد عدد القنابل العنقودية غير المنفجرة في كلّ عملية إطلاق.
تحديثات لا تعالج نسب الفشل
وجاء إعلان البيت الأبيض، الجمعة، عن هذه الخطوة، التي ظلّت قيد الدراسة لفترة طويلة، بعد تأكيدات بأن هذا النوع من القنابل "جرى تحديثه" لتقليل المخاطر على المدنيين، وأن نسبة الفشل تناهز 2.35% أو أقل، وهي أعلى بكثير من المعدل المعهود لمثل هذا النوع من القنابل.
معدلات انفجار القنابل العنقودية قد تصل إلى 10% عندما تسقط في الماء أو الرمل أو الطين أو الأرض الرطبة
لكن بخلاف إعلان البيت الأبيض، كما تلاحظ "نيويورك تايمز"، فإنّ بيان البنتاغون أشار إلى أنّ القذائف المعدّة للإرسال تتضمّن قنابل يدوية بمعدل فشل يناهز 14%.
وقال مسؤولو البنتاغون إن القذائف التي سيتمتع بها الجيش الأوكراني هي نسخة محدثة من النوع المستخدم في حرب الخليج عام 1991، إلا أن ذلك، بحسب الصحيفة، لا يمثّل كل الحقيقة؛ فالتحديث المدخل على تلك القنابل يؤهلها للطيران مسافة أبعد من تلك القديمة، التي يبلغ مداها نحو 32 كيلومتراً، لكنها تحوي القنابل اليدوية ذاتها، بنسبة الفشل ذاتها، التي سبق وصرّح البنتاغون بأنها "عالية بشكل غير مقبول".
ففي إفادة للصحافيين يوم الجمعة، قال وكيل وزارة الدفاع للسياسة، كولين إتش كال، إن القذائف المرسلة إلى أوكرانيا قد اختبرت خمس مرات بين عامي 1998 و2020. لكن تلك الاختبارات، وفق كلامه، "ظلت سرية"، مكتفيًا بالقول إنّ "لدينا ثقة كبيرة في النتائج".
بيد أنّ توقيت تلك الاختبارات، وفق تعقّب الصحيفة، يوافق توفّر قذائف من نوع "إم 864" في يد الجيش الأميركي؛ وهي التي أوقف إنتاجها منذ عام 1996. إضافة إلى ذلك، يؤكد مسؤول عسكري للصحيفة أنّ آخر القذائف العنقودية المطلقة خلال اختبار بالذخيرة الحية كانت "إم 864"، وكان هذا في عام 2020.
بين ميدان الاختبار وميدان القتال
إلى جانب تلك المؤشرات، ثمة دلائل ظرفية أخرى تشير إلى عدم دقة الأرقام المعلنة يوم الجمعة، هو أن اختبار القذائف العنقودية من هذا الصنف في صفوف الجيش الأميركي يجري عادة في منطقة مسطحة نسبيًا من التربة، في ولاية أريزونا الصحراوية، المتوعرة والخالية من الغطاء النباتي؛ وهذا مكان مثاليا لانفجار القنابل اليدوية عند الاصطدام.
لكن في حالة الحرب، حينما لا يملك الجنود رفاهية اختيار الظروف والتضاريس، يتم إطلاق هذه القذائف في مجموعة متنوعة من الأماكن، بمعدلات تفجير قد تصل إلى 10%، خاصة عندما تسقط في الماء أو الرمل أو الطين أو الأرض الرطبة، كالحقول المحروثة.
تطابقًا مع ذلك، يقول الكولونيل المتقاعد في الجيش الأميركي، والمختص في تفكيك المتفجرات، أل فوسبرغ، إنّ الصمامات الموجودة على القنابل اليدوية مصممة لتنفجر في المركبات المدرعة والمخابئ، وغالبًا ما تتعطل القنابل اليدوية خفيفة الوزن في أغصان الأشجار أو الشجيرات وتفشل في الانفجار أيضًا.
كلفة كبيرة لإزالتها
نسبة 2.35% المعلنة بحد ذاتها تعني أنه مقابل كل حاويتين عنقوديتين يجري إطلاقهما، ستترك ثلاث قنابل يدوية غير منفجرة، الواحدة منها تحتوي رأسًا حربيًّا متفجّرًا قادرًا على صهر المعدن الثقيل للدروع بمقدار بوصتين ونصف، ثم تشظّي الغلاف الفولاذي للقنبلة اليدوية خارجًا بهدف إصابة أو قتل قوات العدو غير المحمية داخل المدرّعة.
لكن العدد الفعلي لمثل هذه القنابل غير المنفجرة، بالاستناد إلى المعطيات السابقة، سيكون أكبر بسبعة أضعاف على الأقل.
ويقول فوسبرغ، إنه بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا، سيتطلب الأمر حملة توعية واسعة من أجل تنبيه السكان من مخاطر القنابل اليدوية غير المنفجرة، قبل أن يكون في وسعهم العودة إلى منازلهم. وعامل القلق الأكبر، بحسب الخبير ذاته، هو أن القنابل المتروكة في الميدان لا يمكن إزالتها بأمان يدويًّا، بل "ستتطلب إزالة تلك القنابل جهدًا جبّارًا لأنه لا يفترض بأحد أن ينقلها من مكان إلى آخر".
متخصصو إزال المتفجرات الأميركيون أنفسهم، وفق معلومات الصحيفة، يجري تدريبهم على توخي الحذر الشديد في الأماكن التي تم فيها استخدام الأسلحة العنقودية، ويتوقع أن حوالي 20% من جميع الذخائر الصغيرة لا تنفجر.
مزيد من الأسلحة الفتاكة
وتبرر واشنطن، كما ورد في تصريح لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان، قرارها بأن تلك القنابل ستستخدم على أرض أوكرانية، "وهذا هو بلدهم الذي يدافعون عنه.. ومواطنوهم الذين يعملون على حمايتهم؛ ولديهم الدافع لاستخدام أي نظام سلاح لديهم بطريقة تقلل من المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء المواطنون".
لكن الوقائع تشير إلى أنّ واشنطن، وبعض حلفائها الغربيين، باتوا أكثر استعدادًا لتجاوز ما اعتبر سابقًا خطوطًا حمراء في الصراع، لا سيما في خضم الهجوم الأوكراني المضاد الذي جرى التحضير له طويلًا، وبذل فيه الأميركيون جهدًا محوريًّا في التدريب والعمل الاستخباري.
فمع اقتراب الهجوم من ساعة الصفر، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، السبت، أنّ إدارة الرئيس جو بايدن، وبعد نقاشات أخرى مطولة، قررت أن تحذو حذو بريطانيا، عبر إرسال قذائف يورانيوم منضب لأوكرانيا، لتقحم بذلك إلى ساحة الحرب الأوكرانية سلاحًا آخر شديد الفتك، من حيث قوته التدميريه، وآثاره طويلة المدى، لاحتوائه على بقايا اليورانيوم المستخدم في إنتاج القنابل النووية. واليوم، مع الأفخاخ الكثيرة التي يواجهها الهجوم الأوكراني، قررت إدارة بايدن أن تحرر سلاحًا آخر ظلّ "قيد النقاش" لفترة طويلة.