نتنياهو "المرتاح" أبعد ما يكون عن قبول وقف إطلاق النار في غزة

28 اغسطس 2024
نتنياهو في القدس المحتلة، 4 أغسطس 2024 (نعمة غرينباوم/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تحركات بايدن لوقف التصعيد في غزة**: بعد اغتيال القياديين فؤاد شكر وإسماعيل هنية، سارع بايدن لإحياء المفاوضات بين إسرائيل وحماس لوقف إطلاق النار، لكن تعنت نتنياهو عرقل التقدم.
- **تعنت نتنياهو وغياب الضغوط الجدية**: نتنياهو يرفض التنازل عن شروطه الأمنية والسياسية، مما يعرقل المفاوضات، ولا توجد ضغوط كافية عليه لتغيير موقفه.
- **التأثيرات الإقليمية والدولية**: إرسال الولايات المتحدة قوات عسكرية للمنطقة زاد من ثقة إسرائيل، مما ساهم في تعنت نتنياهو، ولا توجد عوامل جدية تدفعه لتغيير مواقفه.

هرع الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته، بعد عمليتي اغتيال القيادي العسكري الأعلى في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو/تموز الماضي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو الماضي، لإحياء المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس ودفعها قدماً لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة وذلك بطلبه من الوسطاء في المنطقة تفعيل المفاوضات. بايدن أراد التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة بغية خفض التصعيد والتوتر الأمني في المنطقة، وربما ردع ومنع الرد من قبل إيران وحزب الله، أو تخفيفه على الأقل، لمنع توسع الحرب في الإقليم.

احتمالات وقف إطلاق النار في غزة

بعد مرور أكثر من أسبوعين على تحرك بايدن، لم يحصل أي تقدّم نحو التوصل إلى اتفاق من أجل وقف إطلاق النار في غزة مع مراوحة المفاوضات مكانها. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما زال مصراً على شروطه ومواقفه السابقة، بضرورة استمرار بقاء الجيش الإسرائيلي وسيطرته على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وبقاء الجيش في "محور نتساريم" (الفاصل بين شمال غزة وجنوبها) لفحص وضبط عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، أو بالأحرى لمنع عودتهم إلى بلداتهم وأحيائهم المهدمة، وعدة شروط إضافية حول هوية وشروط إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية وإبعادهم إلى الخارج. ناهيك أن لا أحد يتحدث عن إنهاء حرب الإبادة على غزة في مرحلة ما من مراحل تنفيذ الاتفاق. وكأن الأمر بات محسوماً أو مفهوماً ضمناً، وأن إسرائيل ونتنياهو تحديداً، لن يقبلا أي صيغة اتفاق يؤدي إلى وقف حرب الإبادة، خلال مراحل التنفيذ أو في المرحلة الأخيرة من الاتفاق.

الإدارة الأميركية اتهمت حركة حماس، التي لا تشارك في المفاوضات الحالية، بتعطيل التوصل إلى اتفاق من أجل وقف إطلاق النار في غزة بينما من يعمل فعلاً على منع الاتفاق هو نتنياهو وشروطه. فهل من احتمال أن يقوم نتنياهو بتغيير موقفه والذهاب إلى اتفاق؟ وهل هناك من أدوات ضغط كافية تدفع إلى اتفاق؟ وفقاً للمعطيات الحالية، والأوضاع السياسية الداخلية في إسرائيل، وتراجع احتمال توسع جبهة الشمال أمام حزب الله بعد احتواء الضربات المتبادلة بداية الأسبوع الحالي، لا يبدو أن نتنياهو معني بالتوجه نحو الموافقة على الاتفاق، ولا توجد أدوات ضغط جدية على نتنياهو لقبول ذلك.


إسرائيل لا تريد ترك انطباع في المنطقة أنها تتراجع عن شروطها

أراد الرئيس الأميركي وإدارته ردع إيران وحزب الله عن توجيه ضربة انتقام قوية لإسرائيل بعد عمليتي الاغتيال، وعملياً حماية إسرائيل، وأرسلت واشنطن قوات كبيرة إلى المنطقة، بلغ عددها بين 30 و40 ألف جندي، برفقة حاملات طائرات وطائرات الشبح والسفن الحربية. كما عزز الأميركيون الدفاعات الجوية. قد تكون هذه الخطوات قد أدت إلى تبريد وتنفيس نوايا إيران بالرد على اغتيالي شكر وهنية، وإلى ضبط رد حزب الله كما حصل فعلاً صباح الأحد الماضي. لكن الأهم أن تصرف الإدارة الأميركية زاد ثقة إسرائيل وشعورها بالحماية والحصانة. يمكن أن يكون هذا الاستنفار قد حقق عكس ما أراد، وساهم في إعاقة التوصل إلى اتفاق من أجل وقف إطلاق النار في غزة واستمرار رفض نتنياهو. فإذا كان أحد أهداف التوصل إلى اتفاق هو منع التصعيد والانفجار، فإن الوجود العسكري الأميركي، قد حقق ذلك أو ساهم في منع ذلك لغاية الآن من دون التوصل إلى اتفاق. إذاً ما هي ضرورة نتنياهو التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة في الوقت الحالي، أو التراجع عن الشروط؟ إسرائيل لا تريد ترك انطباع في المنطقة أنها تتراجع عن مواقفها وشروطها، أو تخفف من شروطها، وتقبل التوصل إلى اتفاق من أجل وقف إطلاق النار في غزة بسبب التهديد العسكري من قبل إيران وحزب الله. هذا الانطباع معاكس لاستراتيجية الردع الإسرائيلي التي تحاول تل أبيب ترميمها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإلى تغيير مكانة إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة.

إذاً محاولة بايدن تخفيف التوتر ومنع التصعيد، عبر إرسال قوات عسكرية أميركية، لردع إيران وحزب الله، والضغط على "حماس"، لم تساهم بالتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ومخطوفين ووقف إطلاق النار، بل ساهمت في زيادة تعنّت ورفض نتنياهو وحكومته. ناهيك عن أن الظروف السياسية الداخلية في إسرائيل لا تشكل عامل ضغط جدياً على نتنياهو وحكومته للذهاب إلى اتفاق، من نوحي تراجع الضغط الجماهيري، وضعف المعارضة، والتحسن الملحوظ في مكانة نتنياهو السياسية في الأسابيع الأخيرة. أوضحت نتائج استطلاعات رأي نُشرت في 22 أغسطس/آب الحالي، في القناتين 11 و12 الإسرائيليتين، تحسناً في مكانة نتنياهو السياسية، وزيادة طفيفة في عدد المقاعد المتوقعة لحزب الليكود في حال جرت الانتخابات البرلمانية الآن.

كان هذا التغير الأبرز في مكانة نتنياهو السياسية منذ السابع من أكتوبر الماضي. نتنياهو عمل على تسويق نفسه بأنه قائد يرفض الضغوط الخارجية والداخلية للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بشروط غير مقبولة عليه. نتنياهو يعود ويكرر أنه صمد أمام مطالب وضغوط الإدارة الأميركية، والأصدقاء كما يسميهم، على مدار فترة الحرب، ورفض موقفهم بعدم اجتياح رفح وعدم السيطرة على معبر رفح، وغيرها من الحالات. ويعلن باستمرار أنه عارض العديد من اقتراحات ومواقف الطاقم المفاوض والقيادات الأمنية والعسكرية، وصمد أمام ضغوطهم.

نتنياهو على قناعة بأن هذه المواقف ساهمت في الحفاظ على دعم قواعد اليمين واليمين المتطرف، وعلى تحسين مكانته السياسية التي خيّل للكثيرين، وبحق، أنها انتهت بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر الماضي، وعلى الحفاظ على التحالف الحكومي واستقراره. وها هي استطلاعات الرأي العام تعزز هذه القناعات.

فإذا كان التعنّت والإصرار على الشروط الأمنية، وعادة ما تكون هذه الشروط مقبولة على المجتمع الإسرائيلي، هو الذي ساهم في تحسين مكانة نتنياهو السياسية، فلماذا نتوقع أن يغيّر نتنياهو موقفه ويوافق على شروط وبنود يمكن أن تؤدي إلى تراجع مكانته في أوساط اليمين واليمين المتطرف، ويمكن أن تهدد تماسك التحالف الحكومي؟ وإذا كان ادعاء العديد من المحللين والسياسيين أن نتنياهو، وهو ادعاء قريب من الواقع، يتصرف من منطلق المصالح والحسابات الشخصية ويرمي بالأساس للحفاظ على التحالف الحكومي، ويريد إطالة أمد الحرب ومنع تفكك التحالف الحكومي، فلماذا نتوقع أن يقبل نتنياهو بشروط وبنود يمكن أن تؤدي إلى عكس ذلك؟


لا وجود لضغوط سياسية جدية على نتنياهو والمعارضة ضعيفة

نتنياهو المرتاح سياسياً

في الوضع السياسي الراهن في إسرائيل، لا وجود لضغوط سياسية جدية على نتنياهو، المعارضة ضعيفة ولا تعرض بديلاً سياسياً جدياً لسياسات نتنياهو، وتدعم أهداف الحرب، وتقف إلى جانب الحكومة والجيش في غالبية القرارات العسكرية والظروف الأمنية. جل ما تقوله المعارضة هو أن نتنياهو يتصرف من منطلقات سياسية ضيقة وتطالب بإبرام صفقة تبادل أسرى ومخطوفين قبل فوات الأوان، وتدعي أنه بالإمكان العودة إلى الحرب في أي وقت تختاره إسرائيل، بعد ضمان إطلاق سراح الأسرى والمخطوفين. كما تدعم المعارضة توسيع الجبهة الشمالية مع حزب الله، كما صرح بذلك الوزير السابق في مجلس الحرب بيني غانتس الذي أعلن أن حزبه سيدعم الحكومة في ذلك، والوزير السابق أفيغدور ليبرمان، ومواقف جدعون ساعر المعلنة.

المعارضة البرلمانية لم تنجح في تجنيد الشارع الإسرائيلي للاحتجاج ضد الحكومة، ولم تحوّل موضوع الأسرى والمخطوفين إلى موضوع ضاغط بشكل جدي على نتنياهو وحكومته، وفشلت في عرض أي بديل لسياسات الحكومة. نتنياهو يرى ويعي ويفهم ذلك. كما يهتم نتنياهو بإبراز الخلافات مع المؤسسة العسكرية، بل يهتم بإنتاجها أحياناً، لأن ذلك يعزز مكانته أمام جمهور اليمين، ويمكن أن تحتل هذه الخلافات جزءاً من حملته الانتخابية المقبلة، إذ سيتهم نتنياهو المؤسسة العسكرية بالمسؤولية عن الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر الماضي.

كذلك لا يمكن إغفال تأثير اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وضعف بايدن، وتردد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ومواقفها المحافظة والتقليدية تجاه إسرائيل، كما جاء في خطابها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي، واحتمال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات وعودته للبيت الأبيض، كعوامل تزيد من مستويات الرفض لدى نتنياهو، وتشجعه على الإصرار على مواقفه وشروطه. في هذه الظروف والمعطيات والأجواء، ومع تراجع حدة القتال في غزة، وعلى ما يبدو نجاح الإدارة الأميركية بتنفيس أو ردع ولو جزئيا لإيران وحزب الله، وتبريد وضبط الرد وخفض التوتر، ولو بشكل مؤقت، والتغيرات في البيئة السياسية الداخلية والدولية، لا توجد عوامل جدية يمكن أن تدفع نتنياهو لتغيير مواقفه، والدفع نحو اتفاق من أجل وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى والمخطوفين، من دون شروطه. تغيير هذا الواقع يتطلب جهداً كبيراً وضغوطاً جدية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكن أيضاً على الإدارة الأميركية لتغيير تعاملها وانحيازها الدائم والمطلق لإسرائيل.