تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، تونس، الأحد المقبل، في زيارة هي الثانية في ظرف أسبوع، فيما ستكون هذه المرة برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، وسيلتقي الثلاثة الرئيس التونسي قيس سعيد.
وتطرح زيارة ميلوني إلى تونس للمرة الثانية عديداً من التساؤلات، حول أسباب الزيارة وإن كانت مرتبطة بإنقاذ حكومتها من الهجرة غير القانونية وفرض اتفاقيات جديدة في هذا المجال، وماذا ستقدم إلى تونس، خاصة في ظل الحديث عن فشل محاولات إقناع الأوروبيين وصندوق النقد الدولي بدعم تونس.
وبحسب رئيس حزب التكتل خليل الزاوية فإن هذه الزيارات المتتالية دليل على أن الوضع في تونس "صعب"، خاصة من ناحية المالية العمومية وأيضاً في ما يتعلق بالهجرة السرية.
وأوضح الزاوية، خلال حديث لـ"العربي الجديد"، أن إيطاليا "ترى أهمية في دعم استقرار تونس، وأن لا حلّ أمامها سوى التفاوض مع صندوق الدولي والدفع نحو ضرورة إيجاد اتفاق لتمويل الموازنة الحالية، خاصة أن هناك التزامات لدفوعات في يوليو/ تموز، وأغسطس/ آب".
وأشار الزاوية إلى أن قبول التمويل من عدمه لا يزال غير واضح من قبل صندوق النقد الدولي.
وقال إن "هناك تخوفات إيطالية من تنامي ظاهرة الهجرة، لأنه في ظل عدم استقرار تونس ستتزايد تدفقات الهجرة"، مؤكداً أن إيطاليا تعمل على أن تكون تونس حارساً لجنوب أوروبا وعنصر صد للهجرة السرية.
وحول فشل محاولات إقناع الأوروبيين وصندوق النقد الدولي بدعم تونس، أشار المتحدث إلى وجود ازدواجية في الخطاب التونسي وغياب تام للوضوح.
واستطرد قائلاً "هناك برنامج سبق أن اتفقت فيه الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي والخبراء، ولكن يبدو أن هذا البرنامج لم يقبله الرئيس قيس سعيد، والإشكال يكمن هنا، ويمكن فهمه من تصريحات سعيد مؤخراً، إذ أغلق الباب نهائياً مع صندوق النقد الدولي وحتى من خلال رؤيته للإصلاحات، فيبدو أنه يطرح إصلاحات أخرى غير التي تطرحها الحكومة، كفرض ضريبة على الأثرياء، وهذا غير مطروح في الموازنة وسيكون العمل به معقّداً".
وتابع "ما يحصل يزيد من الضبابية ويزيد من التخوفات الأوروبية حول الوضع في تونس".
مساعدة تونس في الحصول على قرض
من جانبه، أكد الأمين العام للتيار الديمقراطي نبيل حجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عدم إمكانية معرفة الأسباب الحقيقية لزيارة مليوني أو على ماذا اتفقت مع سعيد في ظل الغموض السائد، متسائلاً عن مخرجات الزيارة السابقة، خاصة أنه تم إلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً بعد لقائها مع الرئيس التونسي، مضيفاً "لا أحد يمكنه مساعدة ودعم أي بلد إن لم يحدد هذا البلد هدفاً واضحاً وماذا يريد كإصلاحات".
وتساءل حجي :"ماذا نريد من إيطاليا؟ مجرد استثمارات؟ أم تسهيلات في الهجرة المنظمة؟. الإجابة في الحقيقة هي فقط مساعدتنا في الحصول على قرض"، مؤكداً أنه "عندما تصبح أقصى طموحات وسياسة من يحكم هي الحصول على قرض، وعندما يفشل من يحكم تونس ويستنجد ببلد ما لإقناع أوروبا والمانحين بدعم تونس والموافقة على القرض، فيا خيبة المسعى".
وأضاف "لو فرضنا أن وساطة ميلوني نجحت وجلبت القرض المطلوب لتونس، فإن هناك مقابلاً، وهناك مصالح تدافع عنها ميلوني من خلال كل هذا الدعم".
وقال حجي "حتى لو فرضنا حصول تونس على القرض المطلوب، ففي غياب رؤية وإصلاحات شاملة للاقتصاد التونسي سنلجأ إلى قروض أخرى وأخرى وهكذا دواليك إلى أن نصل إلى مرحلة الإفلاس"، مشيراً إلى أن "تعدد اللقاءات دليل على أن سعيد يصرّ على الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، خلافاً لتصريحاته، لأن الخطاب شيء والحقيقة قد تكون شيئاً آخر".
مخاوف من تنامي خطر الهجرة الأفريقية
وأكد الدبلوماسي السابق أحمد ونيس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن" ما يمكن استنتاجه من عودة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس والتي لن تكون بمفردها بل مرفوقة برئيس الوزراء الهولندي، تدل على أن الزيارة السابقة مجرد حلقة في إطار سلسلة من المبادرات التي ستربط إيطاليا وتونس والاتحاد الأوروبي، بمعنى أن هناك حرصاً من ميلوني على تحقيق جملة من المشاريع بشكل سريع وعلى المدى البعيد".
وأوضح ونيس أن "هناك روحاً من التعاون والتفاهم بين تونس وإيطاليا وحتى الاتحاد الأوروبي، ولا يجب نسيان دول الساحل الأفريقي التي تعتبر منطلقاً للهجرة الأفريقية نحو أوروبا، وهناك مخاوف أوروبية من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس وخطر تنامي الهجرة الأفريقية، والحل يكون بمخطط بعيد المدى، وهذا يستوجب حلقات متتالية من التشاور ووضع التصورات المناسبة".
وأضاف المتحدث أن "المسألة ليست مجرد دفاع كل بلد عن مصالحه، بل تعاون يخدم مصالح الجميع، فالمصالح الإيطالية والأوروبية والتونسية والأفريقية مرتبطة، وعلى الجميع الاجتهاد"، مشيراً إلى أن المصاعب التونسية المهددة للاستقرار تفرض وجود إمكانات تخدم المصالح الأفريقية والأوروبية، مبيناً أن هذا يكشف سر الحرص الكبير وراء التعاون شمال جنوب.
تأمين الحدود الجنوبية لإيطاليا مقابل الدعم
إلى ذلك، أكد المحلل السياسي قاسم الغربي أن زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية إلى تونس وحتى الوفود الرسمية الإيطالية سابقاً تُظهر الخط الذي تعمل عليه إيطاليا، وهو تأمين الحدود الجنوبية لإيطاليا، مشيراً إلى وجود مطالب تونسية قدمتها رئاسة الجمهورية والحكومة مقابل ذلك.
وأشار الغربي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن "مسألة الهجرة مقلقة لإيطاليا ومقابل ذلك تلعب إيطاليا دوراً يشبه دور المحامي في الملف التونسي مع أوروبا ولدى صندوق النقد الدولي، وهذا إطار الزيارة الماضية وحتى الزيارة المقبلة".
وأوضح الغربي أن "أوروبا لا تتفاوض لأول مرة في ملف مماثل، فتركيا مثلاً، وفي ملف المهاجرين السوريين وغيرهم ممن كانوا يعبرون الحدود التركية نحو أوروبا، فاوضت بشكل علني وطالبت وقف الهجرة مقابل منحها مساعدات مالية.. عكس تونس، لأن التفاوض غير علني، ولكن قد تكون تونس استفادت من هذا الملف لأنها تتفاوض بعقلية إن تمنحني أمنحك، وقد تكون أحسنت إدارة الأزمة في هذا الجانب والدفاع عن مصالحها والاستفادة مالياً من الأمر".
وبحسب المتحدث فإن "عقدة الملف" تتمثل في عدم استجابة تونس لشروط صندوق النقد الدولي، مؤكداً وجود شروط مالية واقتصادية للصندوق لا يمكن التخلي عنها حتى في حال دفعت تونس أو إيطاليا نحو الحصول على القرض.
وذكّر بتصريح سفير الصين في تونس وان لي، الذي قال ما معناه أن "على تونس الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، وشروط الصندوق لا تفاوض فيها، وهنا يكمن ضعف المفاوض التونسي".
وبيّن المتحدث أن "رئيس الجمهورية غير مستعد للاستجابة لهذه الشروط، وإن لم يتم ذلك لن تحصل تونس على قرض الصندوق الدولي".