مواكب 30 أكتوبر: شوارع السودان لا تخون ثورتها

الخرطوم

عبد الحميد عوض

avata
عبد الحميد عوض
30 أكتوبر 2021
لا لحكم العسكر
+ الخط -

سطّر السودانيون في مواكب اليوم مشاهد تحكي عن تمسكهم بثورتهم وسلميتها ومدنيتها، ورفضهم للانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وضغطهم لإعادة الحكم المدني الذي ظلّ يتربّص له العسكر منذ تأسيس مجلس السيادة بالشراكة بين الطرفين.

وبينما كان يتحدّث الأستاذ بجامعة بحري، قسم الجيولوجيا، دكتور أحمد علي حسن (60 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، من قلب المواكب بشارع الستين بمدينة الخرطوم، عن خيانة البرهان للثورة، وتأكيده أنه خرج اليوم دفاعاً عن المدنية وضد العسكرية، وأنه مستعد للموت من أجل ذلك المبدأ، هتف بعده مئات من الثوار تابعوا حديثه، مرددين "ثوار أحرار حنكمل المشوار"، ثم عانقه أحد الثوار ليخبره بوضوح تام أنه خرج في مواكب اليوم "ليكون مشروع شهيد حماية للثورة والحرية والسلام والعدالة"، ومؤكداً له أن العسكر لن يستطيعوا هزيمتهم كشباب ولو طال الزمن.

لم يغب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الهتافات الثورية التي تتهمه بالتورط في التخطيط والدعم لانقلاب البرهان

وبدأت المواكب في الواحدة ظهراً "بتوقيت الثورة" كما يفضّل الثوار ضبط ساعتهم، وأول ما فعلوه هو تردد النشيد الوطني، ثم انفجروا مرددين هتافات الثورة المعتادة التي أضافوا إليها هتافات جديدة ضد العسكر وضد قائد الانقلاب شخصياً الفريق أول عبد الفتاح البرهان: "البرهان مالو البرهان وسخان الجابو منو جابو الكيزان"، "30 أكتوبر البرهان لكوبر"، في إشارة إلى سجن كوبر القومي.

ولم يغب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الهتافات الثورية التي تتهمه بالتورط في التخطيط والدعم لانقلاب البرهان "والليلة بنبلك والسيسي ما بحلك، يا سيسي يا حشري خليك في الكشري".

وسار المشاركون في الموكب مسافة تقدر بـ5 كيلومترات، واقتربوا من محيط القيادة العامة للجيش السوداني، لكن سرعان ما انتشرت مجموعات منهم تحثهم على عدم الاقتراب من تلك المنطقة التي تذكرهم بمأساة فض اعتصام محيط القيادة الذي قتل فيه أكثر من 100 من المعتصمين في عام 2019 تحت سمع وبصر الجيش وقادته، فاختارت الغالبية البقاء في شارع الستين. 

وتنوّع المشاركون ما بين أحزاب سياسية وحركات مسلحة، ومستقلين، وتيارات سياسية فكرية وجماعات موسيقية ومسرحية، ولجان مقاومة، شيباً وشباباً، نساء وفتيات، وأطفالاً، وأسراً كاملة حضرت للمشاركة في المواكب ومعها الغذاء وقوارير المياه لتقديمها للآخرين، بينما فتحت المنازل القريبة أبوابها للمشاركين للراحة من حرّ شمس.

وتقول امرأة سبعينية، لـ"العربي الجديد"، إنها خرجت مع بقية الأجيال لأنها تريد حكومة مدينة بقيادة حمدوك، مؤكدة أن "الجيش السوداني هو جيش الشعب وعليه أن يستجيب لرغبات الشعب"، مضيفة أن "العسكر حكموا بلادها أكثر من 50 سنة، وعليهم الاقتناع بمنح الفرصة للمدنيين".

ولم يعرف على وجه الدقة إلى أين ستنتهي مواكب اليوم، ما بين إنهائها في ساعات الليل والعودة للتظاهرات الليلية في الأحياء، وما بين خيار تحويل المواكب إلى اعتصام شعبي في الساحات والميادين العامة، لكن المشاركين في الحالتين يصرّون على مواصلتهم في التصعيد ضد الانقلاب، وبهدف عودة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي حملوا صورته وهتفوا باسمه طوال الساعات الماضية: "بالقوة بالذوق جايبنك يا حمدوك".

يؤكد فتح الرحمن السيد (50 عاماً) أن كل الشعب السوداني خرج في مواكب اليوم من أجل مطلب واحد فقط؛ هو عودة الحكومة المدنية، والرفض الكامل لحكم العسكر وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وأن لا وصف لما حدث في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي إلا بأنه انقلاب كامل الأركان.

الشاب محمد الفاتح (27 عاماً) يقول من جهته إن الرسالة وصلت تماماً إلى بريد العسكر، وإنه لا مجال لعسكري "يطلع فينا تاني فإما نحن أو هم"، مشيراً إلى أن "نسبة الشباب من بين السكان لا تقل عن 73 بالمائة، ومعظمهم من أنصار المدنيّة، ومن أراد أن يحكمهم عسكرياً فعليه الاستعداد لقتل كل الشباب"، وهذا ما يتفق معه مصطفى (30 عاماً) الذي ردد أمام كاميرا "العربي الجديد": "يسقط حكم العسكر"، وأن مطلبه هو "مدنية كاملة".

أما فخر الدين عوض، فيذكر من جانبه أنه خرج مع الموكب دعماً للدولة المدنية، ورفضاً لحكم العسكر، وأنه بات على قناعة بأن السودان لن يحكمه العسكر مرة أخرى، ووجه رسالة إلى المجتمع الدولي وإلى كل قادة الأحزاب، بمن فيهم قادة الأحزاب "التي خانت الثورة"، للرجوع إلى حكومة الدولة المدنية.

ولم تكن المشاهد والأصوات العالية الرافضة للانقلاب في منطقة شارع الستين وحدها، فقد شملت كلّاً من الخرطوم بحري، وأم درمان، التي تقول لجنة الأطباء المركزية إن قتيلين سقطا فيها برصاص قوات الانقلابيين، كما شهدت بقية المدن السودانية مواكب مماثلة، أكبرها في ود مدني، وسط السودان، والأبيض (غرباً)، وبورتسودان والقضارف وكسلا (شرقاً)، ولم ترد عنها معلومات كافية، بسبب قطع سلطات الاتصالات الهاتفية وخدمات الإنترنت.

وفي تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، يبيّن القيادي في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، شريف محمد عثمان، أن "السودانيين خرجوا اليوم في كل مدن السودان داعمين للثورة وبغرض إكمال مهامها، وأكدوا أن لا مجال للعودة للوراء والردة مستحيلة، وتمسكوا بالدولة المدنية"، وأضاف أن "تحالف الحرية والتغيير ماضٍ في تحقيق أهداف الثورة استجابة لتلك الحشود الهادرة"، متعهداً بأن يذهب البرهان في النهاية إلى "مزبلة التاريخ".

ذات صلة

الصورة

سياسة

اقتحم عناصر من قوات الدعم السريع عدداً من منازل المدنيين في ولاية الجزيرة بشرق السودان أواخر الشهر الماضي، ونفذوا انتهاكات كبيرة بحق السكان.
الصورة
مخيم نزوح في مدينة القضارف - شرق السودان - 14 يوليو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

في تحذير جديد، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنّ الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، وسط حرب السودان المتواصلة، تشكّل "مزيجاً قاتلاً".
الصورة
توزيع مساعدات غذائية لنازحات من الفاشر إلى القضارف (فرانس برس)

مجتمع

ترسم الأمم المتحدة صورة قاتمة للأوضاع في مدينة الفاشر السودانية، وتؤكد أن الخناق يضيق على السكان الذين يتعرّضون لهجوم من كل الجهات.
الصورة
متطوعون في مبادرة لإعداد وجبات طعام بود مدني (فرانس برس)

مجتمع

زادت الحرب في السودان عدد المحتاجين الذين وقعوا ضحايا للظروف السيئة وواقع خسارتهم ممتلكاتهم وأعمالهم واضطرارهم إلى النزوح.