موازنة ضخمة للجيش الجزائري: إنفاق عسكري تغذيه الرمال المتحركة

07 يناير 2022
فرضت عدة عوامل رفع كفاءة القوات المسلحة (رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

حصل الجيش الجزائري على موازنة مهمة هذا العام، متقاربة مع موازنة العام الماضي، في سياق استمرار مستويات الإنفاق العسكري والتسليح وتجديد ترسانة الجيش، واقتناء المعدات والمنظومات الدفاعية الحديثة، في ظل مجموعة من التهديدات الأمنية التي تحيط بالبلد، ومعطيات الجغرافيا الهشة والدول الضعيفة المحيطة بالجزائر.

هذه العوامل فرضت على الجيش التوجه نحو تعزيز قدراته التقنية، ورفع كفاءة القوات المسلحة، وبناء منشآت ونقاط تمركز جديدة على الحدود، استعداداً لمواجهة أي طارئ، إضافة إلى دخول عامل التواجد الإسرائيلي في المنطقة، والذي بات يقلق قيادة الجيش الجزائري.


رمضان حملات: الجيش الجزائري يواجه اليوم مجموعة من التحديات الأمنية الجديدة

ويتخذ الجيش الجزائري، خلال السنوات الخمس الأخيرة من "الحرب لا تمنحك فرصة الاستعداد"، عنواناً كبيراً لاستراتيجية تعزيز قدراته العسكرية والبشرية.

ويفرض ذلك منحى تصاعدياً لحجم الإنفاق العسكري، ولتسيير كافة القطاعات المرتبطة بالجيش.

وخصت موازنة الدولة في الجزائر للعام 2022 وزارة الدفاع بموازنة قدرها 9.3 مليارات دولار، ما يعادل 20 في المائة من إجمالي الموازنة العامة (45.3 مليار دولار)، وبزيادة طفيفة مقارنة مع موازنة الجيش والدفاع للعام الماضي.

رقم عالٍ لموازنة الجيش منذ 2009

 

ومنذ عام 2009 تحافظ موازنة الجيش في الجزائر، على رقم عالٍ مقارنة مع موازنات باقي القطاعات الحيوية والاستراتيجية. ويمكن اعتبار 2009 السنة المحورية التي قفزت فيها موازنة الجيش إلى مستوى متقدم، إذ بلغت في ذلك العام 6.5 مليارات دولار، بعدما كانت قبل ذلك في 2008، في حدود 2.5 مليار دولار فقط.

وبدأت الموازنة منذ العام 2010 في الارتفاع، خصوصاً أن مداخيل النفط في تلك الفترة ارتفعت بشكل كبير.

وتزامن ذلك مع بدء مشروع تحديث وتجديد ترسانة الجيش، وهو ما فرض رفعها توالياً إلى حدود 9.7 مليارات دولار عام 2012، وبلغت أقصاها عام 2015، حين قفزت إلى مستوى غير مسبوق بـ13 مليار دولار أميركي، قبل أن تعود خلال السنوات التالية 2018 و2019 إلى أدنى من العشرة مليارات دولار.

وبرأي عسكريين سابقين، فإن هناك مبررات موضوعية تفسر زيادة الإنفاق العسكري وتجديد ترسانة الجيش في الجزائر، خصوصاً مع تطور أشكال الحروب الحديثة على صعيد التكنولوجيا، وتعدد استحقاقات الدفاع عن أمن البلاد.

الجيش الجزائري يواجه مجموعة تحديات

 

وقال العقيد السابق في الجيش رمضان حملات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الجيش الجزائري يواجه اليوم مجموعة من التحديات الأمنية الجديدة، التي تفرض عليه مواكبة التطور الحاصل في البنى والمنظومات العسكرية، وتطوير كفاءة الكوادر العسكرية، ولمواجهة الحروب الحديثة من الجيل الرابع والخامس، وما تتطلبه من إمكانيات بشرية ومادية كبيرة، وعلى مستوى هام من التقنية والتكنولوجيا.


وأشار حملات إلى أن مشروع تقوية الجيش يستلزم إنفاقاً وتخطيطاً استراتيجياً محكماً، للوصول إلى الغايات المحددة، والمتمثلة أساساً في حماية أمن البلاد.

وتعتبر وزارة الدفاع الجزائرية أن التطورات الإقليمية، والتحديات الأمنية المتزايدة، تفرض تطوير تسليح الجيش، وهو ما يفسر ارتفاع موازنته.

وتعتبر الوزارة، بحسب آخر افتتاحية نشرتها مجلة "الجيش"، أن "تداعيات أمنية قد تحدث في المنطقة المغاربية، نتيجة تحالفات إقليمية، (في إشارة إلى الاتفاقية الأمنية العسكرية بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي)، تفرض اليقظة والاستعداد لأي تطور طارئ، من أجل بلوغ أقصى درجات الجاهزية، من خلال تحقيق نتائج باهرة ومثالية، في كل ما يتصل بتطوير قدرات قواتنا المسلحة على جميع الأصعدة والمستويات".


نجحت الجزائر، في السنوات الأخيرة، في تعزيز ترسانتها من الغواصات والقوات البحرية

كما اعتبرت أن "تردي الوضع الإقليمي على طول شريط حدودنا، إضافة إلى استهداف بعض الأطراف أخيراً أمن المنطقة، وهذه التهديدات، وإن كانت غير مباشرة، تعنينا وتدفعنا لمواجهتها ونسفها، وتفرض الاستمرار في تطوير قدرات الجيش الجزائري لمواجهة أي تطورات طارئة، ولمواجهة وإحباط المخططات العدائية".

تحول في عقيدة الجيش الجزائري

 

وبغضّ النظر عن مجموعة التحديات الأمنية الكلاسيكية التي تواجهها الجزائر، في علاقة بنشاط المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل قرب الحدود الجنوبية، ومتطلبات حماية الحدود ومنشآت النفط وحقول الغاز في الصحراء الجزائرية، فإن الكثير من المتابعين لملف تطور موازنة الجيش والإنفاق العسكري، يربطون ذلك بتحول لافت في عقيدة الجيش، من حيث البعد الاستباقي في موازين القوى في المنطقة، ومنع حدوث أي اختلال في هذه الموازين لصالح أطراف تقف في الوقت الحالي على نقطة خصومة سياسية وأمنية مع الجزائر.

يضاف إلى ذلك متطلبات الحروب الحديثة، وضرورات امتلاك التكنولوجيات العسكرية، الدفاعية والهجومية، المتطورة، والمكلفة مالياً.

إذ نجحت الجزائر، في السنوات الأخيرة، في تعزيز ترسانتها من الغواصات والقوات البحرية، ومنظومات الصواريخ الحديثة والطائرات لصالح القوات الجوية، وكذا تجهيز مختلف القوات البرية.

وفي السياق، أكد الباحث المتخصص في قضايا الجيش والدولة وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شلف غربي الجزائر عربي بومدين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الزيادة في موازنة الجيش في تطور مستمر، والأمر يخضع لجانب داخلي تنظيمي يتعلق بهيكلة الجيش من حيث التنظيم والتحديث، والانتقال نحو الاحترافية".


عربي بومدين: تنوع التهديدات الجديدة هو الذي يفرض زيادة الإنفاق العسكري

وأضاف: "الأمر الثاني موضوعي، يتعلق بالتحول في العقيدة العسكرية التي بنيت منذ الاستقلال، وهذا له ما يبرره من خلال زيادة التهديدات الكلاسيكية في صورة التنافس مع المغرب، أو مواجهة التهديدات على الحدود، خصوصاً ما تعلق بالتهديدات اللاتماثلية".

واعتبر بومدين أن "تنوع التهديدات الجديدة هو الذي يفرض زيادة الإنفاق العسكري".

وقال إن "التهديدات الجديدة أصبحت بيئية وصحية وإلكترونية وسيبرانية، والأمر يتطلب تسليحاً من نوع آخر، وبتعامل آخر، وبالتالي زيادة الموازنة أمر مفهوم وهو ضرورة حتمية".

وعلى الرغم من تناسب الظروف ومتطلبات التحديث العسكري مع ارتفاع نسق الموازنة، فإن ذلك لا يدفع إلى إغفال نقطة تتم إثارتها على نطاق ضيق في الجزائر، وهي ضعف أدوات الرقابة، بما فيها الرقابة البرلمانية على موازنة الجيش، والتي تمثل إحدى الركائز الأساسية في عملية الإصلاح العسكري، ولضمان عدم وجود انحرافات وتوظيف غير ناجع للمقدرات العامة.

كما أن هناك ضرورة للتفكير في البحث عن مصادر مساعدة للتمويل ذاتي للجيش، من خلال تطوير شركات التصنيع العسكري، وتصديرها إلى الخارج، خصوصاً الدول الأفريقية، على غرار اتفاق سابق مع موريتانيا لبيعها عربات عسكرية ومدرعات ينتجها مصنع تابع للجيش الجزائري، من ضمن مصانع أخرى له، مثل الأسلحة الرشاشة وورشات لتطوير طائرات من دون طيار، ومصنع لتركيب الزوارق الحربية، ومصانع أخرى للصيانة والذخيرة، وورشات لإنجاز أنظمة المراقبة بواسطة الفيديو للمنشآت والمرافق الكبرى.