يؤكد مطلعون قانونيون على ملف انفجار مرفأ بيروت أن السلطة السياسية ستلجأ إلى مناوراتٍ احتيالية جديدة لعرقلة التحقيقات، ولا سيما بعد بروز تطوّرَين أساسيَّين: الأول يتمثل بإصدار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مذكرة توقيف غيابية بحق وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، والثاني بتشكيل الحكومة وما يتصل بها من سقوط الحصانات النيابية، عدا عن "هروب" رئيس الوزراء الأسبق حسان دياب إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ويلفت هؤلاء إلى أن أداة المماطلة ستكون هذه المرّة بيد فنيانوس من خلال لجوئه إلى القضاء وطلب ردّ القاضي البيطار وتنحيته عن الملف، على غرار ما فعله الوزيران السابقان النائبان المدعى عليهما علي حسن خليل وغازي زعيتر، وأدى إلى كفّ يد القاضي فادي صوان.
هذه الخطوة لوّح بها وزير الأشغال السابق، اليوم الجمعة، في بيانٍ علّق فيه على إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، معتبراً أنه "تعرض لظلمٍ كبيرٍ من جراء هذا الإجراء"، وقال: "لم أفكر ولم ألجأ في أي لحظة لمواجهة القضاء من خلال دعوى رد أو دعوى مخاصمة، ولكن أداء المحقق العدلي قد يدفعني إلى ذلك مكرهاً".
حصانة النواب عامةً وفي هذه القضية المدعى بها على زعيتر وخليل ونهاد المشنوق تعلَّق بمجرد أن تنال الحكومة الثقة في جلسة البرلمان
ولا يستبعد المحامي أيمن رعد تكرار سيناريو القاضي صوان من ناحية تقدّم فنيانوس بالدعوى، لكنه في المقابل يرى أن "الارتياب المشروع لا ينطبق على حالة القاضي البيطار"، ويعتبر أن اللجوء إلى القضاء مردّه الأساسي "سد ثغرة تعليق الحصانات النيابية التي يفرضها حكماً نيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثقة"، وتبعاً لذلك سيقدم وزير الأشغال السابق على خطوته هذه بعد جلسة البرلمان في 20 سبتمبر/ أيلول لكسب الوقتِ؛ الجلسة التي يستبعد رعد لجوء السلطة إلى تأجيل موعدها لأسباب سياسية، وربطاً بالمناخ الإيجابي الذي تحاول المنظومة إشاعته.
ويشرح المحامي رعد أن "حصانة النواب عامةً، وفي هذه القضية المدعى بها على زعيتر وخليل ونهاد المشنوق، وهم وزراء سابقون أيضاً، تعلَّق بمجرد أن تنال الحكومة الثقة في جلسة البرلمان وحتى بدء دورة العقد الثاني لمجلس النواب، وهي بحسب الدستور أول ثلاثاء بعد 15 أكتوبر/ تشرين الأول، أي 19 أكتوبر المقبل، وبهذه الحالة يمكن للمحقق العدلي أن يتخذ أي إجراء بحق هؤلاء".
انطلاقاً من هنا، يضيف رعد، فإن "تقديم الدعوى من جانب فنيانوس من شأنه أن يكف يد البيطار مؤقتاً منذ تبليغه طلب الردّ وحتى البتّ به، الأمر الذي يسمح بتمرير الوقت وتقطيع تاريخ 19 أكتوبر ليعود من ثمّ سلاح الحصانات إلى يد المتهمين المدعى عليهم".
ويتوقف رعد عند نقطة مهمة جداً تتمثل في أنّ دعوى الارتياب المشروع التي تقدمت بوجه القاضي صوان انطلقت من عدم احترام مبدأ الحصانات وتضرّر منزله، إلى جانب مسألة الصلاحيات، بيد أن محكمة التمييز الجزائية جاوبت عن أول نقطتين وتركت الثالثة مبهمة، علماً أنه كان بالإمكان معالجتها في وقتها، لكنها مرّت عليها مرور الكرام من دون أن تحسمها، وهي اليوم ملزمة بالبت بها إذا ما تقدم فنيانوس بالدعوى على أساسها، لافتاً في هذا السياق إلى أن "التوجه كان لإعطاء الصلاحية للمحقق العدلي والقضاء العادي وليس لمجلس النواب أو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو ما كان واضحاً من حيثيات الحكم والقراءة بين السطور".
ويقول المحامي رعد: "هناك محاولات لتطيير البيطار أو كف يده، وهو لأجل ذلك يحرص على العمل ضمن الخطوط القانونية واحترام كل الإجراءات الشكلية كي لا يعطيهم أي ذريعة أو حجة لكسب دعوى ارتياب مشروع أو مخاصمة، ولكن شخصياً لا أرى أنه ارتكب أياً من المخالفات، وهو متمسّك بموقفه إزاء الاختصاص، وأن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ليس المرجع الصالح للنظر بالقضية، باعتبار أننا أمام جريمة قتل مقصود لا إخلال بالموجبات الوظيفية، في حين أن مجلس النواب أعلن نيته مناقشة محاكمة الوزراء أمام المجلس الأعلى، وهو يسعى بكل ما لديه إلى سحب الملف من يده".
بدوره، يقول المتحدث باسم أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت إبراهيم حطيط، لـ"العربي الجديد"، إن "المحقق العدلي لم يقم بأي تصرف خاطئ في ما خصّ فنيانوس، وهو ينال منّا كامل الثقة والتأييد والدعم طالما أنه يقوم بعمله بجرأة وعدل، والهجوم السياسي المستمرّ عليه، والمحاولات المتكررة لنصب الأفخاخ له تأكيد أنه في المسار الصحيح".
ويلفت حطيط إلى أن "النيابة العامة التمييزية لعبت على موضوع الدفوع الشكلية التي تقدّم بها وكيلا فنيانوس من خلال عدم الردّ عليها، وهي تواصل عرقلتها التحقيقات، ونحن بدورنا نرفض إحالة الملف للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي نعتبره مقبرة للقرارات والملفات والقضايا، والمكان الأنسب لإفلات المسؤولين من العقاب".
ويسأل حطيط، "طالما أن وزير الأشغال السابق متأكد من براءته، لماذا يخشى المثول أمام القضاء ويمتنع عن حضور الجلسات ويلجأ إلى شتى الأساليب المريبة؟".
ويرى حطيط أن "القوى السياسية لن تترك وسيلة إلا وتلجأ إليها لحماية وزير الأشغال السابق ورئيس مجلس الوزراء الأسبق حسان دياب وكل المدعى عليهم من دائرتها، ومصيرنا المواجهة، ونتمنى على كل اللبنانيين مؤازرتنا".
وقال فنيانوس في البيان إنه "تعرّض لظلمٍ كبيرٍ من جراء هذا الإجراء والقاضي البيطار لم يطبق الأسس القانونية الصحيحة في حالته، فالجلسة كانت مخصَّصة للبت بالدفع الشكلي لجهة عدم اختصاص المجلس العدلي وعدم صحة تبليغه وعدم جواز السير بالدعوى لحين صدور قرار عن محكمة استئناف الشمال بخصوص منح الإذن بملاحقته".
وأضاف، "على الرغم من أن النيابة العامة لم تبدِ رأيها بالموضوع بل تقدّمت بمطالعة تطلب بموجبها من المحقق العدلي إيداعها بعض القرارات والمستندات لكي يتسنى لها إداء الرأي بخصوص الدفوع الشكلية، أصدر القاضي البيطار قراره برد الدفع الشكلي وقرّر أنه يريد المباشرة باستجوابه (فنيانوس) فوراً من دون منحه أي مهلة لاتخاذ موقفٍ من قرار البت بالدفوع الشكلية ولو حتى 24 ساعة ولا حتى الموافقة على تكرار دعوته أمامه مجدداً".