ملف "المقاتلين الأجانب": عرقلة للحل الليبي أم ورقة ضغط للمساومة سياسياً؟

21 يناير 2021
يبرز ملف المقاتلين الأجانب كأهم الصعوبات التي يواجهها المسار العسكري(Getty)
+ الخط -

لا يزال المسار العسكري من بين مسارات حل الأزمة الليبية، الذي واجه صعوبات كبيرة في طريق تنفيذه، مقابل نجاح مسارات الحل الأخرى في قطع أشواط، وتحديداً المسار السياسي الذي يقف على عتبات إنشاء سلطة سياسية جديدة بعد توافق ملتقى أعضاء الحوار السياسي على آلية اختيار السلطة الجديدة، والمسار الدستوري الذي جرى التوافق فيه على الاستفتاء على الدستور المقدم من اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، ليكون قاعدة للانتخابات الوطنية المقبلة.

ويبرز ملف المقاتلين الأجانب كأهم الصعوبات التي يواجهها المسار العسكري، حيث تنتهي المهلة التي حددها الاتفاق العسكري، الموقَّع بين أعضاء اللجنة العسكرية 5 + 5 في 23 أكتوبر الماضي، يوم غد الجمعة، دون أن يجد أي حلحلة أو يشهد حتى خطوات فعلية من جانب الأمم المتحدة، كأن تسمي الدول المسؤولة عن نقل مقاتليها إلى ليبيا لدعم أطراف الصراع.

ونص البند الثاني في الاتفاق العسكري على إخلاء جميع خطوط التماس، في مناطق سرت والجفرة وسط البلاد، من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، تزامناً مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية "براً وبحراً وجواً في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار"، بالإضافة إلى "تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب".

وفيما تتهم عدة دول غربية، من بينها الولايات المتحدة الأميركية، روسيا بنقل مئات المرتزقة من مقاتلي شرطة الفاغنر إلى ليبيا للقتال إلى جانب مليشيات اللواء خليفة حفتر، تنفي موسكو الأمر. لكن قادة حكومة الوفاق يؤكدون وجود المقاتلين الروس إلى جانب حفتر برفقة آلاف آخرين من المقاتلين السوريين والأفارقة الذين جلبتهم الإمارات لدعم مليشيات حفتر.

وفي المقابل، تتهم قيادة مليشيات حفتر تركيا بنقل مئات من المقاتلين السوريين للقتال إلى جانب قوات "الوفاق"، لكن الأخيرة تنفي ذلك، لكنها في ذات الوقت لا تنكر تلقيها دعماً تركياً بموجب الاتفاق الأمني الموقع بينها وبين الحكومة التركية من نوفمبر عام 2019، في الوقت الذي ينكر فيه معسكر حفتر وحلفاؤه شرعية الاتفاق، وكثيراً ما وصف حفتر وقادة مليشياته الوجود التركي في ليبيا بـ"الغزو".

ونشرت عملية "بركان الغضب"، التابعة لحكومة الوفاق، أمس الأربعاء، صوراً تظهر مقاتلات روسية تحلِّق في سماء منطقة الجفرة من نوع ميج 29، الثلاثاء الماضي، قالت إنها كانت تحمي ثلاث طائرات شحن جوية في أثناء هبوطها في قاعدة الجفرة.

وفيما أكدت العملية، عبر صفحتها الرسمية، أنها رصدت عمليات نقل أرتال من "المرتزقة الجنجاويد" بين سرت والجفرة المحتلتين، لفتت إلى أنها عمليات تعارض الاتفاق العسكري.

#عملية_بركان_الغضب: صور التقطها ناشطون في مدينة #الجفرة المحتلة امس الثلاثاء تُظهر تحليق مكثف لمقاتلات روسية نوع ميج 29...

Posted by ‎عملية بركان الغضب‎ on Wednesday, 20 January 2021

ومقابل اتهامات من جانب مليشيات حفتر لتركيا بنقل مئات المقاتلين السوريين إلى معسكرات حكومة الوفاق، غربيّ البلاد، تؤكد الأخيرة أن حلفاء حفتر يواصلون نقل مقاتلين سوريين موالين لنظام الأسد، وفي العاشر من الشهر الجاري أكدت عملية "بركان الغضب" أن شركة أجنحة الشام سيّرت 22 رحلة من سورية إلى معسكرات حفتر، منذ توقيع الاتفاق العسكري في 23 من أكتوبر الماضي.

وأوضحت "بركان الغضب"، أن طائرات الشركة تقلع من مطاري دمشق وقاعدة حميميم الروسية، وتهبط في مطار بنينا في بنغازي أو قاعدة الخادم جنوب المرج شرقيّ البلاد، مشيرة إلى أنه غالباً ما يُخفى مسار الطائرة من الرادار بمجرد دخولها أجواء ليبيا.

وفي ظل عدم وجود أرقام رسمية توضح الحجم الفعلي للمقاتلين الأجانب في ليبيا، أكدت رئيسة البعثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، في لقاء مع صحيفة الغارديان أمس الاربعاء، ما صرّحت به سابقاً عن وجود 10 قواعد أجنبية في البلاد يديرها قرابة 20 ألف مقاتل أجنبي.

وفيما نجحت اللجنة العسكرية المشتركة في تنفيذ بعض بنود الاتفاق العسكري كتبادل الأسرى بين طرفي الصراع، عدة مرات، تستعد لعقد لقاء موسع الأسبوع المقبل، لمناقشة باقي البنود، ومن بينها فتح الطريق الساحلي الرابط بين بنغازي وطرابلس.

لكنّ دبلوماسياً ليبياً رفيعاً تابعاً لحكومة الوفاق، كشف لـ"العربي الجديد" عن أن الاجتماع المقبل الذي سيجري بالتنسيق مع الأمم المتحدة سيناقش إمكانية تمديد مهلة إخراج المقاتلين الأجانب لثلاثة أشهر إضافية، وأن إعلان ذلك سيكون خلال الأسبوع المقبل.

الاجتماع المقبل الذي سيجري بالتنسيق مع الأمم المتحدة سيناقش إمكانية تمديد مهلة إخراج المقاتلين الأجانب لثلاثة أشهر إضافي

واعتبرت ويليامز، خلال حديثها لـ"الغارديان"، أن عدم تجاوب "القوى الأجنبية" مع مطالب اللجنة العسكرية الليبية بإخراج المقاتلين الأجانب "تحدٍّ لسيادة ليبيا"، مرجّحة أن تتحدى "القوى الأجنبية"، التي لم تسمّها، الموعد النهائي المتفق عليه لسحب مقاتليها، وقالت: "إذا كانت الحكومات أو الدول التي سهلت بطريقة ما جلب هؤلاء المرتزقة إلى ليبيا ترفض الآن سحبهم، فإنهم في الأساس ينكرون السيادة الليبية".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد طالب "جميع الأطراف الدولية والإقليمية باحترام بنود اتفاق وقف إطلاق النار"، لافتاً، خلال تقرير قدمه إلى مجلس الأمن الاثنين الماضي، إلى أن تنفيذ الاتفاق "يشمل ضمان مغادرة جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب ليبيا والامتثال الكامل وغير المشروط لحظر الأسلحة المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي".

اجتماع دولي لمناقشة توسيع مهام البعثة الأممية

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً حول ليبيا في 28 يناير الجاري، لمناقشة مشروع قرار تعده بريطانيا بشأن توسيع مهام البعثة الأممية في ليبيا لتشمل الإشراف على وقف إطلاق النار ومراقبة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من هذا البلد، بحسب ذات الدبلوماسي الليبي، مشيراً إلى أن الاعلان الليبي المرتقب بالتنسيق مع البعثة الأممية بشأن تمديد مهلة إخراج المقاتلين الأجانب يأتي تجاوباً مع المساعي الدولية لبلورة رؤية مشتركة بشأن حلحلة ملف السلاح والمسلحين في ليبيا.

ويقول الدبلوماسي الليبي إن "عواصم كبرى تدعم عمل الأمم المتحدة في ليبيا تتجه لتخفيف الضغط الروسي من خلال الملف الليبي في ملفات أخرى بهدف تسويتها، ولا سيما ملف شرقيّ البحر المتوسط المتوتر".

ويرى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات الليبية، يوسف المزيني، أن ملف المقاتلين الأجانب لم يعد يشكل تهديداً يتعلق بإمكانية عودة القتال بقدر ما أصبح ورقة بيد الأطراف المتدخلة في ليبيا للضغط من أجل مصالحها، مؤكداً أن التدخل العسكري الأجنبي إلى جانب طرفي الصراع "شكل توازناً للقوى لم يعد يسمح بعودة القتال، لكنه قد لا يصبّ في مصلحة دول غربية لم تخف انزعاجها من التوغل الروسي".

 ويضيف المزيني بالقول لـ"العربي الجديد" إن "المصالح التركية والروسية تتقاطع في أكثر من منطقة، وأصبحت مفاتيح الحل بيدها، وخصوصاً في الملف الليبي"، معتبراً أن قرار تمديد المهلة يأتي تزامناً من حراك نشط في مسارات الحل في ليبيا، ولا سيما في المسار السياسي.

ولا يرى المزيني خطراً قد يشكله ملف المقاتلين الأفارقة والسوريين، فـ"هم مرتزقة على الأغلب يتقاضون أجوراً لقاء قتالهم أو وجودهم في تمركزات عسكرية، لكن الأهم هو الوجود التركي والروسي"، مؤكداً أن تلك القوات في الطرفين ستبقى ضامناً لمصالح العاصمتين وحلفائهما في المشهد السياسي المقبل في ليبيا.

لكن ملف المقاتلين الأجانب يرتبط بآثار الحرب التي شنتها مليشيات حفتر على طرابلس، على مدار عام ونصف، خصوصاً قضيتي مزارع الألغام والمقابر الجماعية جنوب طرابلس وترهونة.

وفي آخر إعلاناتها، قالت الهيئة العامة للبحث والتعرف إلى المفقودين، التابعة لحكومة الوفاق، ليل الأربعاء، إن فرقها انتشلت عشر جثث مجهولة الهوية، من مقابر جديدة عُثِر عليها أمس الأربعاء بمدينة ترهونة.

وفيما أكدت الهيئة، خلال منشور على صفحتها، أن فرقها لا تزال تبحث عن جثث أخرى حسب المكتب الإعلامي للهيئة، ذكرت أن عدداً من أهالي المفقودين قد تمكنوا من التعرف إلى ذويهم من خلال المتعلقات الشخصية التي عرضتها وزارة العدل بحكومة الوفاق في معرض مفتوح لكشف هويات ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة.

 

المساهمون