حمل عام 2022 في طياته العديد من التحولات في مواقف العديد من القوى الدولية بالنسبة إلى المغرب بشأن سبل إنهاء نزاع الصحراء، الذي يمتد لأكثر من 46 عاماً، وذلك بالتزامن مع محاولات المبعوث الشخصي للأمين العام المتحدة للصحراء، ستيفان دي ميستورا، لبعث المسار السياسي المتعثر.
وأثمرت تحركات المغرب، في السنة الحالية، مزيداً من المواقف الدولية المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي لحل النزاع، الذي اقترحته الرباط في عام 2007.
وبرز ذلك خصوصاً في التغيير الجذري والتحول التاريخي لموقف إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء، بعدما أعلن رئيس حكومتها بيدرو سانشيز، في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس في 19 مارس/ آذار الماضي، دعم الموقف المغربي علناً وللمرة الأولى، من خلال اعتباره مقترح الحكم الذاتي "الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع".
وقبل التحول التاريخي في موقف مدريد، كان لافتاً الموقف الذي أعلنه رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، فرانك فالتر شتاينماير، في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي في يناير/ كانون الثاني الماضي، حينما قال إن ألمانيا "تعتبر أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات صدقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق" لهذا النزاع الإقليمي.
كذلك شكل اعتبار هولندا في 11 مايو/ أيار الماضي، أن مبادرة الحكم الذاتي "مساهمة جادة وذات صدقية" في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حل لقضية الصحراء، وكذلك إعلان بلجيكا في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دعمها لمخطط الحكم الذاتي، خطوة أوروبية أخرى عززت الموقف المغربي وأكسبته زخماً.
ولم يقتصر اتساع التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي على قوى أوروبية (11 دولة)، بل امتد ليشمل دولاً عربية وأفريقية. وأعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في 9 مايو/ أيار الماضي، موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، والتزامها الحل الأممي لقضية الصحراء. وهو الموقف ذاته الذي عبّر عنه كل من العراق والبحرين واليمن وغينيا والنيجر وأفريقيا الوسطى.
وفي وقت تربط فيه الرباط مبادرة الحكم الذاتي بسياق دولي ينادي بمشروع يكفل الأمن والاستقرار في المنطقة ويحفظ مصالح الدول الكبرى في أفريقيا، يبدو لافتاً رهان الدبلوماسية المغربية على توالي الدعم السياسي لمقترح الحكم الذاتي لحسم النزاع لصالحها، وخاصة في ظل معطيات تشير إلى أن أزيد من 90 دولة عضواً في الأمم المتحدة تؤيد المخطط المغربي، باعتباره الحل لتسوية النزاع الإقليمي، وفتحت 30 دولة قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة بالصحراء.
ورأى رئيس "المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية"، نبيل الأندلوسي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "2022 كانت سنة انتصارات وإنجازات مهمة للخارجية المغربية لصالح مبادرة الحكم الذاتي، والإقرار الدولي المتزايد لعدد من الدول بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء، وفتح قنصليات عامة بمدينتي العيون والداخلة"، معتبراً أن ذلك يعني "قدرة الدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، على التأثير والإقناع والدفاع عن رجاحة الموقف المغربي بشأن هذا المشكل المفتعل".
وأضاف أن "الاعتراف الإسباني بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء يأتي في قمة الإنجازات التي حققتها الدبلوماسية المغربية هذه السنة، لما لهذا الاعتراف من رمزية وأثر سياسي واستراتيجي على مستقبل هذا الصراع المفتعل، بل يمكن اعتباره في المرتبة الثانية من حيث الأهمية والوزن، بعد الاعتراف الأميركي، على اعتبار أن إسبانيا هي الدولة التي كانت محتلة للصحراء المغربية قبل جلائها سنة 1976".
واعترفت الولايات المتّحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020 في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء المتنازع عليها مع جبهة "البوليساريو"، قائلاً إن "المغرب اعترف بالولايات المتّحدة عام 1777، ومن المناسب أن نعترف بسيادته على الصحراء الغربية".
وفي 11 إبريل/ نيسان 2007 قدم المغرب مبادرته حول الحكم الذاتي في الصحراء، وتنص على نقل جزء من اختصاصات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى "جهة الحكم الذاتي للصحراء"، ليدبر سكانها "شؤونهم بأنفسهم بشكل ديمقراطي"، بينما تحتفظ الرباط باختصاصاتها المركزية "في ميادين السيادة، ولا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية"، وكذا ممارسة الملك لاختصاصاته الدينية والدستورية.
وتنص المبادرة أيضاً على أن سكان الجهة يتمتعون بكل الضمانات التي يكفلها دستور المغرب في مجال حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها دولياً. في مقابل كل هذا، يلتزم المغرب مراجعة دستوره وإدراج نظام الحكم الذاتي ضمن فصوله، وإصدار عفو شامل عن كل من صدرت في حقهم أحكام لها علاقة بموضوع الصراع.
في المقابل، ترفض جبهة "البوليساريو" المقترح المغربي، مؤكدة المطالبة بإجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة، نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الطرفين في عام 1991 برعاية الأمم المتحدة، دون أن يجد طريقه للتطبيق.
ووفق مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية"، خالد الشرقاوي السموني، فإن "مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي للنزاع الدائر حول الصحراء المغربية أصبحت تجد لها أصداءً إيجابية لدى المجتمع الدولي، الذي يرى فيها الحل الأنسب والأمثل لإغلاق الباب أمام الدعوات الانفصالية للبوليساريو ومن يقف وراءها".
وقال في تصريح لـ"العربي الجديد "، إن مجلس الأمن أكد ضمنياً في قراره رقم 2654، الصادر في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أسبقية مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، والدعوة للمشاركة في إطار الموائد المستديرة المحدثة بمقتضى قراري مجلس الأمن رقم 2414 و 2440، التي يشارك فيها المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، كآلية مثلى في اتجاه حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي.
وبحسب السموني، فإن الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء منح نوعاً من الثقة لعدد كبير من دول العالم التي فتحت قنصليات لها بمدينتي العيون والداخلة وإطلاق عدد من المشاريع الاستثمارية بالأقاليم الصحراوية، متوقعاً أن تشهد سنة 2023 المزيد من التكريس الأممي لمخطط الحكم الذاتي والدعم الواضح والرسمي لدول أخرى.