استمع إلى الملخص
- التصنيف الأيديولوجي والمذهبي: عقب استشهاد قادة المقاومة، برزت التصنيفات الأيديولوجية والمذهبية كأساس لتلقي الأخبار، مما يعكس انحطاط الفكر.
- مقاومة الظلم تتجاوز العقائد: مقاومة الظلم ليست حكراً على توجه ديني أو ملّة بعينها، ومن المؤسف أن تصل متابعة الأحداث إلى هذا المستوى من الإسفاف.
لا تزال أحداث المقاومتين الفلسطينية واللبنانية ومجرياتها تكشف في هوامشها عن العديد من صور ومستويات عمق الأزمة في حالة التعاطي العربي معها، وربما مسببات تردي هذا التعاطي أيضاً، إذ برزت شرائح تعكس الانحطاط الفكري الذي وصلنا إليه، وكيف يتمّ استخدام العقيدة والدين في تحديد المواقف.
عقب استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 31 يوليو/ تموز الماضي، كان حديث البعض منشداً إلى التصنيف الأيديولوجي، وإلى أي فكر عقدي ينتمي، وليس إلى مواقفه النضالية على المستوى الخاص أو القيادي. وكان الأمر أكثر وضوحاً وصراحة في حالة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل يوم الجمعة الماضي، فقد ظهر التصنيف المذهبي أساساً لتلقي الخبر. وأكثر من ذلك، استخدم متصارعون الانتماء العقدي والمذهبي لرسم موقفهم من نصر الله، وحتى من الهجوم الإيراني الصاروخي على مواقع الاحتلال داخل فلسطين. والواقع، لم يكن الاعتقاد السنّي ولا الشيعي يهم المتصارعين، بقدر ما جاء كل ذلك في إطار المناكفات.
حقيقة أن المتابع ليحار في تصنيف هذه الحالة من التعاطي المخجلة، وما إذا كان عليه أن يصفها بالسطحية أم العميقة. فهي سطحية من زاوية تبني الخلفيات العقدية أساساً لشرعية أي خطوة ضمن عمليات المقاومة وتقييم أحداثها دون التفات لمن يتبنى هذه الخلفية بأنه يتوافق فيها مع خلفيات وأسس وجود هذا العدو الذي يدعي أحقيته الدينية في احتلال القدس، وينطلق من مقولة أنه "المختار من الله" للدفاع عن نفسه ضد "من لم يخترهم الله"، وبأي وسيلة وحشية ولو بالإبادة. وهي عميقة من جانب آخر، لأن مفهوم الاختيار هذا يشبه إلى حد كبير أساساً تراثياً عريقاً لدينا ما زلنا نعاني ويلات تفسيراته وتطبيقاته، وهو مفهوم "الفرقة الناجية"، وما سواها فرق هالكة، فما الفرق في أبعاد كلا المفهومين؟
مخجلة جداً إلى حدّ مزرٍ هذه الحالة من التصنيفات العقدية السائدة في الخطاب المأزوم المتفشي بين البعض، ومحبطة إلى حد اليأس بالنسبة لأبناء المقاومة الذين ينتظرون ولو دعماً معنوياً، فمنذ متى يتم تقييم مواقف النضال الإنساني وفقاً للانتماء الأيديولوجي والعقدي؟ ولماذا طرأ اليوم هذا الخطاب المأزوم الذي لم يُستقبل به خبر استشهاد لولا عبود، مسيحية الديانة شيوعية الانتماء، عام 1985؟ ولم تصنف على أساسه سناء محيدلي، الشيعية المحسوبة على التيار القومي، عند استشهادها عام 1984؟ وماذا عن رموز النضال الإنساني في التاريخ المعاصر كعمر المختار؟ هل نخرجه من صفحات تاريخ المقاومة لأنه صوفي؟ ومن الموقف من شخصيات أخرى كتشي غيفارا وغيرهم؟
مقاومة الظلم لا علاقة لها بالعقائد وليست حكراً على توجه ديني أو ملّة بعينها، ومن المؤسف حقاً أن تتردى مستويات المتابعة لأحداث المقاومة الباسلة في فلسطين ولبنان إلى هذا الحد من الإسفاف المخل حتى بقيم الأديان والعقائد وأخلاقياتها.