يعتبر سجن الصناعة القريب من دوار البانوراما في حي غويران ضمن مدينة الحسكة، شمالي شرق سورية، الذي يضم محتجزين من عناصر وقيادات تنظيم "داعش" الإرهابي، أكبر السجون التي يُحتجز فيها قيادات وعناصر التنظيم في العالم، حيث يضم حوالي 5000 عنصر وقيادي، اعتقلتهم "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) خلال معارك ضد التنظيم في سورية خلال السنوات الماضية.
وكان السجن سابقاً عبارة عن معهد فني ومدرسة صناعية حولتهما "قسد" بالاشتراك مع قوات "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لسجن في عام 2017، ويحتوي على أعتى قيادات "داعش" سواءً من المقاتلين أو الإداريين، ومن أصحاب الشهادات العالية وكفاءات علمية وعسكرية من 50 إلى 60 دولة، في حين أن بعض عوائل هؤلاء المحتجزين تقبع تحت الإقامة الجبرية في مخيم "الهول" شمال شرق محافظة الحسكة، ومخيم "روج" القريب من المالكية شمالي شرق المدينة.
وتتحفظ "قسد" والتحالف على التعريف بالكثير من أسماء القيادات داخل السجن نظراً لخطورتهم ومكانتهم في التنظيم، إلا أن المعلومات تشير إلى أن السجن يحتوي عديد القيادات من الصف الأول، والكثير من قيادات الصف الثاني والثالث.
كما أن حي غويران يضم أيضاً السجن المركزي القريب من مبنى الهجرة والجوازات السابق في المدينة، ولكنه لا يحتوي قادة وعناصر من التنظيم، وإنما يضم محتجزين مُتهمين بانتمائهم إلى خلايا نائمة لأطراف عدة.
تُدير "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) السجن عبر "قوى الأمن الداخلي" (الأسايش)، و"قوات الحماية الذاتية"، وعند حدوث عمليات العصيان داخل السجن والظروف الاستثنائية، تتدخل القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب التابعة لـ"قسد" إلى جانب قوات "التحالف الدولي" بمدرعاته وطيرانه المساند لقوات "قسد" في عملياتها.
دلالات الهجوم على سجن غويران
ويحاول تنظيم "داعش" من خلال هذا الهجوم، العودة إلى الواجهة، حيث أصدر التنظيم ليل الخميس/ الجمعة بياناً عبر معرفات رديفة تابعة له في تطبيق "تلغرام" أن مقاتليه نفذوا "هجوماً واسعاً" على سجن الصناعة في حي غويران بالحسكة، بهدف "تحرير الأسرى المحتجزين بداخله".
وتختلف التحليلات حول توقيت وأسباب نجاح "داعش" في خرق سجن غويران، ويذهب بعضها إلى اتهام "قسد" بافتعالها لكسب حماية وتمويل طويلي الأمد من الولايات المتحدة، فيما تشير تحليلات أخرى إلى أن "الإدارة الذاتية" هي الخاسر الأكبر من وراء هذا الهجوم، والذي يعد خرقا أمنيا لقواتها.
ويعتقد عباس شريفة الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية من مركز "جسور" للدراسات أنه "منذ شهور بدأت عملية إعادة تدوير تنظيم داعش لعدة أسباب، منها استمرار الصراع بين الأطراف المحلية والدولية في الساحة السورية وتحديد حالة الاستقرار لمصالح البعض".
ويرى شريفة أن "قوات سورية الديمقراطية لها مصلحة أساسية في بعث التنظيم من جديد، حيث إن مجلة التايمز البريطانية نشرت تقريرا في نوفمبر العام الماضي عن قيام قسد بإطلاق سراح العديد من معتقلي تنظيم داعش، والشهر الماضي أطلقت قسد سراح المئات منهم".
واعتبر أنه "كان هناك ممانعة من بعض الدول الغربية والولايات المتحدة حول إطلاق قسد سراح معتقلين من داعش، فتم إخراج العملية الآن بهذه الطريقة على أساس أنه عملية استعصاء وتمرد خرج عن السيطرة".
وأشار الباحث إلى أن "مشروعية قوات سورية الديمقراطية اكتسبتها من مشاركتها في الحرب على الإرهاب، لكنها وصلت إلى طريق مسدود في مفاوضاتها مع النظام للاعتراف بوضعها الإداري لـ (الإدارة الذاتية) ضمن المحافظات التي تُسيطر عليها، ولم يعترف النظام أيضاً بقوات سورية الديمقراطية الجناح العسكري كجزء من الجيش السوري وأرادها أن تنضم له بدون أي مكتسبات سياسية"، لافتاً إلى أن "كل مشاركة قسد في الحرب على الإرهاب لم تُترجم أو تتحول إلى مكتسبات سياسية على الأرض".
ونوه شريفة إلى أن "قوات سورية الديمقراطية تحتاج إلى شراء المزيد من الوقت، وقد يكون هذا الوقت بإعادة بعث تنظيم داعش، مما يعني إعادة إرسال رسائل في عدة اتجاهات للمكون العربي أولاً، أن الضرب بيد من حديد وسياسة القمع مستمران، باعتبار أن التهمة جاهزة لأبناء العشائر وأبناء المنطقة من العرب السنة بأنهم عناصر داعش".
وأضاف: "كما توجه أيضاً رسالة للتحالف الدولي بألا يفكر بالانسحاب من المنطقة كما فعل ترامب بعام 2019 وترك تركيا تقوم بعملية (نبع السلام)"، مبينا أن "مثل هذا العمل سيعيد اعتماد قوات سورية الديمقراطية كطرف في محاربة الإرهاب وسيزيد الدعم والاعتماد عليها ويعزز موقعها كنوع من شراء الوقت من أجل تحقيق أهدافها السياسية".
الخاسر الأكبر من هجوم "داعش" على سجن غويران
أما المحلل السياسي الكردي فريد سعدون فقد بين في حديث لـ"العربي الجديد"، "أنه بمقارنة بسيطة يمكن أن نكتشف أن قسد تخسر كثيراً في هذه المعركة وفي هذا الهجوم لأنه يشكل تهديداً على أمن المنطقة برمتها"، مُشيراً إلى أن "داعش لا تمثل فقط خطراً على منطقة شرق الفرات، وإنما تشكل خطراً على سورية والعراق ومناطق تواجد القوات الأميركية وقوات التحالف، ومن الممكن أن تتمدد إلى مناطق أخرى مثل أوروبا".
ولفت المحلل السياسي الكردي إلى أن "استخدام داعش لكسب الدعم بات ورقة محروقة ومكررة جداً، وأصبحت مبتذلة لأن داعش أصبحت عالمياً معروفة بأنها قوة إرهابية وتشكل خطراً على أمن تلك الدول"، لافتاً إلى أن "محاربتها باتت واجباً على الجميع".
وأوضح سعدون: "على عكس ما يتم الترويج له أن قسد مستفيدة من هذا الهجوم، الآن نحن نرى أن قسد ظهرت في موقف الضعيف، وهناك خروقات أمنية وثغرات في مناطق شديدة الحساسية في الجهاز الأمني لقسد، حتى استطاع هؤلاء أن يصلوا إلى السجن وينفذوا هذا المخطط، وعدم تمكن قسد عسكرياً من القضاء على الهجوم في مهده عند بدايته مباشرةً واستمرارية المعركة يكشفان عن هشاشة قوات قسد وعدم إمكانيتها القضاء على مثل هذه التمردات".
وأشار إلى أنه "عملياً إذا افترضنا بأن قسد تنفذ مسرحية أو كانت السبب في مثل هذا الهجوم، فهي فرضية غير مجدية، وغير واقعية، وغير منطقية لأنها تكشف ثغرات عند قسد لا يمكن التعامل معها بسهولة".