استمع إلى الملخص
- **الشرخ الداخلي والجدل حول الهوية**: يعيد الجدل حول معسكر "سدي تيمان" الشرخ الداخلي في إسرائيل، مع تزايد الاعتداءات على مؤسسات الدولة وتبرير ممارسات الجنود، مما يثير مخاوف من تفكك الدولة.
- **تداعيات دولية وتحذيرات من الفوضى**: تراقب المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية الانتهاكات، وحذر الكاتب بن كاسبيت من أن اقتحام القواعد العسكرية يمثل مؤشراً على تفكك الدولة، مما أدى إلى وقف مناقشات أمنية حول الحرب على لبنان.
تدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي المؤشرات على حالة تفككها من الداخل وغياب سلطة القانون، وإشاعة الفوضى، والصراع الداخلي، التي ظهرت بعض أشكالها في اقتحام العشرات من أنصار اليمين المتطرف بينهم وزراء وأعضاء كنيست أمس الاثنين، مقر الشرطة العسكرية في "بيت ليد" وقبل ذلك معسكر سدي تيمان دعماً لتسعة جنود مشتبهين بتعذيب أسرى فلسطينيين من قطاع غزة في المعسكر سيئ السمعة، واعتدائهم جنسياً على أحد المعتقلين، ما تطلب نقله للعلاج.
وتحاول الدولة العميقة المتمثّلة في اليمين المتطرّف فرض سلطتها، على الجيش ومؤسسات الدولة، حتى تلك التي تحاول التستّر على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي والقانون الدولي. وقد لا يكون الفرق جوهرياً بين توجهات إسرائيل الحالية والمقبلة، على مستوى ممارسات الاحتلال وأفعاله وتصوراته المستقبلية، لكن ثمة من يحاول القيام بذلك على المكشوف، مقابل من يسعى للعب على وتر القانون الدولي ومنح تبريرات لممارسات الاحتلال وتغطيتها بورقة توت.
ويعيد الجدل حول "سدي تيمان" إلى المشهد الإسرائيلي الشرخ الداخلي والجدل الذي سبق الحرب، حول مستقبل إسرائيل وهويتها واستقلالية جهازها القضائي، وهامش ديمقراطيتها، وما كانت عليه حتى اليوم، مقارنة بما ستكون عليه تحت سيطرة المستوطنين واليمين الفاشي lمن دون ضوابط، على غرار النهج الذي يقوده اليوم الوزيران إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، وغيرهما من وزراء وأعضاء كنيست، وقاعدة شعبية لا تكترث للقانون الإسرائيلي ولا الدولي. وأكثر من هذا تخرج هذه الأطراف لحث الإسرائيليين على دعم جنود مغتصبين، مبررين ممارساتهم، حتى عندما تكون الأفعال فاحشة ووحشية. وداخلياً يضفون شرعية حتى للاعتداءات على مؤسسات الدولة ورموزها وأجهزتها الأمنية بذريعة مناصرة الجنود المغتصبين ورفض محاكمتهم لما قدّموه من "تضحيات".
ويرفض هؤلاء في معظم الأحيان، حتى المحاكمات الشكلية لجنود أو عناصر شرطة أو غيرهم، ما دام الضحية فلسطينياً، سواء في المعتقلات أو مناطق المستوطنات، أو في غزة، أو ما دام الفعل متماهياً مع أجندتهم وأيدولوجيتهم حتى لو كان ذلك على المستوى الإسرائيلي الداخلي. ولم يأبه هؤلاء بتحذير مسؤولين إسرائيليين آخرين من خطورة اقتحام المعسكرات وإشاعة الفوضى، وحشد أنصار اليمين المتطرف وانتزاع ما يريدونه بالقوة، من دون ضوابط ولا خطوط حمراء.
"على بعد خطوة من الحرب الأهلية"
في خضم ذلك، اعتبر الكاتب في صحيفة معاريف الإسرائيلية، بن كاسبيت، أن "إسرائيل لا توجد على شفا الفوضى وإنما هي في داخل الفوضى"، مضيفاً أنّ "مشاهد اقتحام عشرات أو مئات المواطنين لقواعد عسكرية ومحاولتهم إسقاط بواباتها فيما يقف على الجانب الآخر جنود نظاميون محرجون ويحاولون منع ذلك، هي مؤشرات على تفككنا". ويرى الكاتب أنه "عندما يتم تحرير الشبح من داخل القنينة نفقد السيطرة عليه".
وأضاف بن كاسبيت في مقاله اليوم: "قال بنيامين نتنياهو إننا على بعد خطوة واحدة من النصر الكامل، لكننا اكتشفنا أمس أننا على بعد خطوة واحدة من الحرب الأهلية... حشود - وبعضها مسلح – تهاجم قواعد الجيش الإسرائيلي، وأعضاء كنيست يقتحمون قواعد الجيش، ومجموعات على واتساب وتليغرام تهدر دماء المدعية العسكرية الرئيسية، بما في ذلك نشر عنوانها ودعوات لترحيلها إلى غزة".
في الوقت ذاته، أشار الكاتب إلى تخوفات إسرائيل على المستوى الدولي، وأن "سدي تيمان" كان وما زال تحت أنظار العالم ومراقبته، خاصة بعد التحقيقات التي صدرت حوله وحول الانتهاكات التي تُرتكب فيه. ولفت إلى وجود إسرائيل تحت أنظار المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، والنظر في قضية تتعلق بارتكاب جرائم حرب، "وفي حالة كهذه لا يوجد أي نائب عسكري رئيسي في العالم يمكنه عدم إصدار تعليماته لإجراء تحقيقات، عندما تصله معلومات من النوع الذي وصل إلى المدّعية العامة العسكرية يفعات تومر يروشالمي"، مضيفاً أن "إسرائيل هي دولة قانون وهذا هو ما جعلها تصمد منذ 1948 حتى اليوم على الرغم من أننا نبقي ملايين الأشخاص الآخرين تحت الاحتلال (هذا هو الحال، ما دمنا لم نضمها) منذ عام 1967".
ووصفت صحيفة يديعوت أحرونوت ما حدث أمس الاثنين بأنه "استخفاف صارخ بالجيش الإسرائيلي وسلطة القانون من طرف أعضاء في الحكومة والائتلاف الحاكم، غير مسبوق هنا، حيث وصل وزراء وأعضاء كنيست إلى القاعدة العسكرية سدي تيمان وناشدوا الجمهور للوصول إلى هناك، في حين تم توثيق أحدهم وهو يقتحم المعسكر من خلال بوابة مغلقة".
وفي الصحيفة ذاتها، كتب الكاتب بن درور يميني، أنّ "الديماغوجية تشكّل خطراً على الجنود". كما اعتبر أن "تجنّب التحقيق في الجرائم المتعلقة بعمليات الجيش قد يعرّض جنود الجيش الإسرائيلي للإجراءات الجنائية الدولية. بن غفير لا يفهم هذا. ولا كبار مسؤولي الليكود أيضاً. لدينا من يصرّ على محو الفرق بين إسرائيل وحماس"، على حد قوله. ومع هذا، حاول الكاتب القول إنّ فعل الجنود المغتصبين قد يكون مبرراً، لكنه لا يبرر الفوضى التي حصلت، ذلك أن "إسرائيل تبقى ديمقراطية".
وفي افتتاحيتها، أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى أن "سلسلة الأحداث التي وقعت أمس في معتقل سدي تيمان ومن ثم في قاعدة بيت ليد، هي شهادة حية ومباشرة على التفكك المتقدّم لإسرائيل في عهد بنيامين نتنياهو.. لقد فقدت دولة نتنياهو السيطرة على اليمين المتطرف. ومن يزرع الفوضى يحصد الفوضى. وإذا لم يتم إيقافهم فسوف يفككون الدولة نهائياً".
"مواطنو إسرائيل مدعوون إلى حماية أبطال إسرائيل الجدد: مغتصبون ساديون"
وفي مقال ناقد ولاذع نُشر في صحيفة هآرتس ليوعانا غونين، تحت عنوان "مواطنو إسرائيل مدعوون إلى حماية أبطال إسرائيل الجدد: مغتصبون ساديون"، جاء فيه: "(أيها السادة، شعب إسرائيل، أنا أطلب منكم: انزلوا إلى الشوارع من أجلنا! لست مستعداً لتحمل عار الاعتقال، لقد بذلت حياتي من أجلكم)، يصرخ جندي غاضب أمام الكاميرا. هذه المرة، لا يرتبط الاحتجاج بغلاء المعيشة أو بالانقلاب السلطوي، بل بالهدف الأسمى الذي يمكن تصوره: حماية المغتصبين الساديين، أبطال إسرائيل الجدد"، وفق الكاتب، الذي انتقد هذا التوجه بسخريته من الواقع الحاصل.
وبحسب المقال، فعلى الجمهور الآن أن يقرر "هل أنت مع الاغتصاب الشرجي أم ضده. في الماضي البعيد، ربما لم يكن هذا اعتباراً جدياً، لكن في هذه الأيام، المطالبة بالتحقيق مع الأشخاص المشتبه في ارتكابهم مثل هذا الفعل، تجعلكم خونة خطرين. تتعاونون مع أسوأ أعدائنا، من أجل الإضرار بالقيمة المقدسة للاغتصاب الشرجي".
وقف مناقشات أمنية حول الحرب على لبنان بعد اقتحام سدي تيمان وبيت ليد
وسط هذا كله، لم يكن من الغريب إعلان جيش الاحتلال أنه أوقف مناقشات تتعلق بالاستعدادات للحرب على جبهة لبنان يوم أمس، في أعقاب اقتحام المعسكرات، وتوجيه قوات احتياط إلى معسكر بيت ليد، وإعلانه أن قوات كانت في الضفة الغربية تم نقلها إلى المكان، كما دافع الجيش عن المدعية العسكرية الرئيسية واعتبر أنها "تقوم بعملها وتحمي الجنود" (في إشارة إلى التحقيق مع الجنود التسعة).
واعتبر جيش الاحتلال أن اقتحام القاعدة العسكرية "يمثّل أمراً خطيراً ومخالفة جنائية ويمس بأمن الدولة"، كما أشار إلى أن ثلاث كتائب والتي كانت قد عادت إلى منازلها بعد مشاركة جنودها في حرب الإبادة على قطاع غزة، تم استدعاؤها إلى بيت ليد لضبط النظام.