معادلات أفغانستان: المدن بيد الحكومة والريف لـ"طالبان"

04 مارس 2021
تقول"طالبان" إنها تسيطر على 75% من أراضي أفغانستان (والي صباوون/Getty)
+ الخط -

قالت وزارة الدفاع الأفغانية أخيراً، إنّ حركة "طالبان" حاولت خلال العام الماضي أن تستحوذ على سبعة أقاليم على الأقل، لتشكيل منطقة نفوذ جديدة لها ولبسط سيطرتها بشكل أكبر على الأرض، للتأثير على مجريات المفاوضات مع الحكومة ومع الولايات المتحدة قبل اتفاق الدوحة الموقع قبل عام، لكن قوات الأمن الأفغانية، وفق الوزارة، تصدت للحركة وأفشلت جميع مخططاتها في هذا الشأن. في المقابل، تؤكد "طالبان" أنها أوقفت الهجمات على المدن الرئيسية في البلاد، وخفّضت من عملياتها طبقاً لاتفاق الدوحة، معتبرة أنّ ما تقوله الحكومة "لا أساس له من الصحة"، إذ إنها لم تخطط لإسقاط أي إقليم.

وفي خضم استعداد الطرفين لحرب فصل الربيع المقبل (الفصل الذي تنشط فيه العمليات العسكرية)، يتساءل كثيرون عن حدود السيطرة الميدانية لكل من الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان". وادعت الحركة قبل سنتين أنها تسيطر على نحو 70 في المائة من أراضي أفغانستان، غير أنها تقول الآن إنّ منطقة نفوذها توسعت وباتت تسيطر على 75 في المائة من أراضي البلاد. لكنّ الحكومة ترفض الاعتراف بصحة هذا الأمر، وتشدد على أنّ الحركة لا تسيطر على أي مساحات من أفغانستان، بل هي تنفذ هجمات كر وفر.


آرين: لا وجود لطالبان بشكل مستقر ودائم على الأرض

وفي هذا الشأن، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، طارق آرين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا وجود لطالبان بشكل مستقر ودائم على الأرض، بل هي تدخل المناطق خلسة وتنفذ عملياتها، ثم تنسحب منها، ولا سيطرة دائمة لها سوى في الجبال".

من جانبه، سخر قائد ميداني في الحركة، يدعى محمد رجب، مما تعلنه الحكومة الأفغانية، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة لا سيطرة لها إطلاقاً على المناطق الريفية، إنها فقط تستحوذ على المدن الرئيسية، وحتى في داخل المدن، تقوم طالبان بالعمليات أينما شاءت، غير أنها الآن أوقفت هذه العمليات، ليس لأن الحكومة قويت سيطرتها، بل لأنّ الحركة ملتزمة باتفاق الدوحة، وهي لا تشنّ عمليات كبيرة داخل المدن وعلى المراكز الأمنية".

ولفت رجب إلى أنّ "المعادلة على الأرض ستتغيّر، إذا لم تلتزم القوات الأميركية باتفاق الدوحة، وإذا لم تخرج القوات الأجنبية من أفغانستان بحلول شهر مايو/أيار المقبل، لأنّ لدى الحركة، استعداداً كبيراً للحرب الفاصلة مع الحكومة الأفغانية ولإسقاط مراكز الأقاليم في يدها". وهو ما أشار إليه عضو المكتب السياسي لـ"طالبان"، أنس حقاني، نجل مؤسس "شبكة حقاني" (المرتبطة بطالبان) جلال الدين حقاني، قائلاً في تغريدة له على موقع "تويتر" يوم الأحد الماضي، إنّه "بحال لم تخرج القوات الأجنبية حسب الموعد، فسترى القوات المناهضة للحركة من الحرب ما لم تتصوره، لأنّ طالبان الآن تمتلك تقنية الصواريخ والطائرات بدون طيار".

لكن في المقابل، قال مستشار الأمن القومي الأفغاني، حمد الله محب، في أكثر من تصريح له خلال الأيام الماضية، إنّ "حركة طالبان إذا لم تلب مطالب الشعب الأفغاني، فإنّ القوات الأفغانية قادرة على استئصال جذورها، والحكومة مستعدة لمواجهة جميع الظروف والأحوال".


رجب: المعادلة على الأرض ستتغيّر، إذا لم تلتزم القوات الأميركية باتفاق الدوحة

ووسط تبادل الاتهامات والتصريحات بين "طالبان" والحكومة الأفغانية حول مناطق سيطرتهما، أجرى موقع "بزواك" الإعلامي المحلي، أخيراً، تحقيقاً لمعرفة مساحة السيطرة الميدانية لكل طرف. وتوصّل التحقيق إلى أنّ "طالبان" تسيطر على 52 في المائة من أراضي أفغانستان، بينما الحكومة تسيطر على 46 في المائة، أما المناطق المتبقية فليست تحت سيطرة أي جهة. وأوضح التحقيق أنّ الحكومة تسيطر على مراكز جميع الأقاليم الأفغانية وعددها 34 إقليماً. لكن بالنسبة للمديريات، وعددها 388، فتسيطر الحكومة بشكل كامل على 64 منها، بينما تسيطر "طالبان" على 27 مديرية، فيما المديريات المتبقية مقسّمة بين الطرفين. كذلك، فإنّه في كثير من المناطق تقتصر سيطرة الحكومة على المقرات الحكومية المحلية.

وبالنسبة للكثافة السكانية وأين تتركّز، لفت التحقيق إلى أنّ 59 في المائة من سكان أفغانستان يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فيما 38 في المائة يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة "طالبان". أما الباقون، فيعيشون في المناطق التي لا سيطرة لأي جهة عليها. وخلاصة التحقيق هي أنّ حركة "طالبان" تسيطر على المساحة الأكبر من أراضي أفغانستان، لكن الكثافة السكانية هي في مناطق الحكومة.

وتعليقاً على هذا التحقيق، قال الباحث والأكاديمي الأفغاني عبد الملك ثاقب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما جاء في التحقيق هو الواقع على الأرض، ومع الأسف الشديد أرض أفغانستان منقسمة بين المتخاصمين؛ فالمناطق الجبلية والريفية كلها بيد طالبان، لذا هي تشهد مواجهات مسلحة بين الطرفين. أما المدن الرئيسية، فهي تحت سيطرة الحكومة، ولا يمكن تغيير هذه المعادلة لأنّ الأخيرة لا تستطيع بسط سيطرتها على مناطق الحركة، بحكم أنها مناطق جبلية وقروية، ومن الصعب جداً أن تلاحق الحكومة طالبان في الجبال. كما بات من الصعب جداً أن تسيطر الحركة على المدن، لا سيما في ظلّ وجود سلاح الجو، فضلاً عن أنّ العمليات في المدن تكبد الحركة خسائر كبيرة".


تضاريس البلاد والتكوين القبلي لأفغانستان يساعدان "طالبان"

وعن العوامل التي تقف وراء سيطرة "طالبان" على المساحة الكبرى من الأرض على الرغم من هشاشة وسائلها وقلة عتادها، مقارنةً بالحكومة التي تساندها قوات دولية، قال ثاقب إنّ "تضاريس البلاد والتكوين القبلي لأفغانستان يساعدان الحركة. فهناك شريحة كبيرة من مكونات الحركة هي من قبائل البشتون، التي تقطن في جنوب وغرب وشرق أفغانستان، وهي معروفة بولائها لبعضها بعضاً". وأضاف "كما أنّ وجود القوات الأجنبية في البلاد، يساعد على تعزيز نفوذ طالبان، إذ إنّ القبائل الأفغانية بفطرتها، حساسة تجاه الوجود الأجنبي، وهو أمر معروف تاريخياً، فتلك القبائل تسببت في هزيمة الإنكليز وفي هزيمة الروس في العقود الماضية".

وشدد ثاقب على أنّ "الحلّ الوحيد للمعضلة الأفغانية، هو الحوار البنّاء، والمضي قدماً بالالتزام باتفاق الدوحة، إذ لا يمكن لأي جهة حذف الجهة الثانية عبر قوة السلاح، مهما قوي نفوذها وتوسّعت سيطرتها على الأرض".

على عكس ثاقب، شكّك الأستاذ الجامعي، أحمد صمدي، في الدرجة التي يعكس فيها الواقع التحقيق الذي أجراه موقع "بزواك"، قائلاً في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "مناطق سيطرة طالبان ونفوذها أكبر بكثير مما جاء في التحقيق". وأكد أنّ "الحكومة لا سيطرة لها حتى داخل المدن الرئيسية"، مشيراً إلى "ظهور طالبان مرات عدة حتى في العاصمة الأفغانية كابول. كما أنّ الحكومة لا تسيطر على الطرق الرئيسية، فبعد أن تخرج من كابول صوب قندهار في الجنوب، تجد أن الطريق الرئيسي كله تحت سيطرة الحركة". وأعطى صمدي مثالاً على ما يجري في مسقط رأسه في إقليم بغلان شمال البلاد، قائلاً إنّ "الإقليم مكوّن من 14 مديرية؛ أربع منها في يد الحكومة والأخرى كلها في يد طالبان". كما أشار صمدي إلى "سيطرة أمراء الحرب على مناطق شاسعة من البلاد، كالجنرال عبد الرشيد دوستم، القائد الأوزبكي الذي له نفوذ في خمسة أقاليم شمال البلاد، وكذلك الجنرال عطاء نور، حاكم إقليم بلخ سابقاً، والذي له نفوذ في مناطق شاسعة من شمال البلاد كذلك، وهؤلاء محسوبون على الحكومة".

المساهمون