مصر والقضية الفلسطينية: تبدلات الموقف الرسمي وثبات الدعم الشعبي

مصر والقضية الفلسطينية: تبدلات الموقف الرسمي وثبات الدعم الشعبي

15 مايو 2023
تظاهرة في القاهرة رفضاً لاعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، 2017 (Getty)
+ الخط -

تطرح السلطات المصرية نفسها وسيطاً محايداً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عكس مواقفها منذ النكبة (1948) وحتى اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل (1979)، حينما كانت مصر تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية، وخط الدفاع الأول عن أمن مصر.

واستمر القطاع العريض من المصريين في التأكيد على دعم القضية الفلسطينية، واعتبار ذلك في المقام الأول دعماً للأمن القومي لمصر ومصالحها، غير أن هؤلاء لم يعودوا قادرين على التعبير عن مواقفهم تلك إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون فاعلية حقيقية على الأرض.

رهان مصري على التسوية

يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، إن أولويات القضية الفلسطينية على الأجندة الرسمية المصرية تراجعت منذ توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد، حيث راهنت على التسوية السلمية لاسترداد أراضيها المحتلة واستعادة حقوق الفلسطينيين، وهي الاستراتيجية التي ثبت فشلها، إذ لا تزال إسرائيل تماطل في منح الفلسطينيين حقوقهم في تأسيس دولة فلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية.

ويشدّد نافعة، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن الموقف الرسمي المصري على المستوى السياسي هو مع قيام الدولة الفلسطينية، ولكن هذا الدور تراجع على صعيد الصراع العربي - الإسرائيلي منذ زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس المحتلة وتوقيع معاهدة السلام. ويلفت أستاذ العلاقات الدولية، إلى أن هذا التراجع السياسي يتزامن كذلك مع تراجع عسكري، فمصر لا تزال مقيّدة بمعاهدة السلام، حيث لا تستطيع أن ترسل قوات إلى سيناء إلا بموافقة إسرائيل ووفق قيود على حركة هذه القوات.

لم يتخل المصريون عن دعم القضية الفلسطينية، واعتبار ذلك دعماً للأمن القومي لمصر

أما على الصعيد الشعبي والكلامي، فيؤكد نافعة أن الرأي العام المصري لا يزال يساند القضية الفلسطينية ويدعم كفاح الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه، بل ويعتبر أن هناك مسؤولية تاريخية لمصر تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها مسألة أمن قومي.

لكنه يرى أيضاً أن هذا الدعم لا يترجم على أرض الواقع، باستثناء شبكات التواصل الاجتماعي، من إدانة إسرائيل ورفض إجرامها ووصمها بالكيان العنصري الإجرامي، فضلاً عن دعم المقاومة الفلسطينية، وهو دعم مقيّد كذلك بالموقف الرسمي المتحفظ تجاه الدعم المؤثر للشعب الفلسطيني.

وينفي نافعة تأثر الشعب المصري بخطاب التنصل من القضية الفلسطينية وتحميلها مسؤولية مشاكل مصر، خصوصاً الاقتصادية، بالقول إنه لا يوجد خطاب رسمي يتنصل من القضية، بل هناك التزام مستمر ولو سياسياً علي الأقل بحقوق الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنه حتى لو كانت هناك محاولة لتحميل القضية الفلسطينية مسؤولية مشكلات مصر، فإن هذا الخطاب يبدو غير مؤثر في الرأي العام الشعبي في مصر، الذي لا يزال مسانداً بقوة لحقوق الشعب الفلسطيني، وبل ويطالب بالتصدي بقوة لـ"العربدة الصهيونية" انسجاماً مع الدور القومي لمصر وباعتبار الدفاع عن الحقوق الفلسطينية الثابتة من معالم الأمن القومي المصري.

تضامن شعبي مستمر

من جهته، يرى مساعد وزير الخارجية المصري السابق، والسفير السابق رخا أحمد حسن، أن الأغلبية الساحقة من الشعب المصري لا تزال تتبنى موقفاً تقليدياً من القضية الفلسطينية، باعتبارها من أهم معالم الأمن القومي المصري. ويلفت حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المصريين يُدركون أن إسرائيل تمثل الخطر الأكبر على بلدهم، فهذه القضية كانت تمثل أولوية من أولويات الأمن القومي المصري وهي لا تزال كذلك وستظل من أولوياته.

وبرأيه، فإنه لم يحدث تراجع في أولويات القضية الفلسطينية، لكن الفلسطينيين أنفسهم لم يتفقوا منذ عام 2007، حيث لم تتم الاستجابة للمبادرة المصرية والجهود المستمرة من قبل أطراف عربية لتحقيق المصالحة وتوحيد الصف، فضلاً عن أن الأجواء التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011، والأزمات في كل من سورية وليبيا واليمن وبلدان أخرى، والمساعي لتدويل هذه الأزمات وتوظيفها لتفكيك البلدان العربية، يدفع القضية الفلسطينية إلى التراجع ولو مؤقتاً في قائمة أولويات مصر والمنطقة العربية، ولو بشكل مؤقت، بحسب اعتقاده. 

ويعتبر حسن أن من يتحدث عن تراجع الدعم الشعبي المصري للقضية الفلسطينية، عليه أن يراجع ويرصد ردود الفعل الشعبية المصرية تجاه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.  

ويبدي حسن أيضاً غضبه الشديد مما يتردد من مزاعم بأن مصر خسرت سياسياً واقتصادياً من جرّاء مساندتها للقضية الفلسطينية، مؤكدا أن هذه المزاعم لا تعكس العقل الجمعي للمصريين الذين يرون أن الدفاع عن القضية الفلسطينية واجب قومي وأمر يخدم الأمن القومي المصري في الصميم، مشيراً إلى أن مثل هذه الأقوال تتردد فقط في لحظات الغضب، وفي أجواء الخلافات السياسية وسرعان ما تتبخر عندما تزول الخلافات.

حسن نافعة: مصر راهنت على التسوية السلمية وهي استراتيجية ثبت فشلها

وينبه مساعد وزير الخارجية المصري السابق، إلى أهمية الارتقاء بالعلاقات بين الأشقاء في أوقات الخلاف عبر الاقتداء بالتجمعات السياسية الكبرى، حيث تتعامل هذه الدول وفق المصالح المشتركة، ولا تتجاوز الخطوط الحمراء في علاقاتها، وتعالج مشكلاتها وفق أسس موضوعية، مع الوضع في الاعتبار وجود اختلافات بينها، وهو أمر يجب تغليبه في التعامل مع القضية الفلسطينية، وعدم تحميلها مسؤولية المشكلات الجارية في المنطقة.

وينفي حسن وجود خطاب رسمي يتنصل من القضية الفلسطينية أو الرغبة في تحميلها المسؤولية عن أزمات المنطقة، بل العكس هو الصحيح، مؤكداً وجود دعم رسمي لحقوق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته، مع التأكيد على أن التوجه الرسمي والشعبي يسير في إطار اعتبار إسرائيل ذراعاً مهمة للمشروع الغربي والأميركي، الراغب في الإضرار بالمنطقة وتفكيك دولها، وهو توجه رسمي لم يتغير طوال الـ75 عاماً الماضية.

ويدعم هذا الطرح وزير الخارجية المصري السابق السفير محمد العرابي، الذي يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مصر لا تزال تتعامل مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني باعتبارها قضية قومية ومن أساسيات الأمن القومي المصري، وهو معلم أساسي من معالم السياسة المصرية لم يتغير منذ حروب فلسطين وحتى بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.

ويشير العرابي إلى أن مصر الرسمية هي من تتدخل دائماً لوقف أي عدوان على الشعب الفلسطيني، ولا تدخر سعياً في العمل لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه، ودائماً ما تتدخل لتحقيق المصالحة بين الفلسطينيين، ولا توفر جهداً في التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني.

وينفى العرابي وجود أي تراجع في الدعم المصري للشعب الفلسطيني، فمصر الرسمية لا تزال تشعر بالمسؤولية القومية عن القضية الفلسطينية، ولم يحدث يوماً أي تنصل منها. ويلفت إلى أنه صحيح أن الدور المصري تغيّر مع تبدّل ظروف المنطقة والعالم، لكن دعم مصر شعبياً ورسمياً للقضية يبقى من ثوابت السياسة المصرية.

جمال زهران: مصر الرسمية صارت تتعامل مع القضية الفلسطينية في إطار العلاقات العامة

ويلفت كذلك إلى وجود نوع من الخطابات التي تريد تحميل القضية الفلسطينية مسؤولية ما تعرّض له الشعب المصري من أزمات اقتصادية ومستويات معيشية، مؤكداً أن هذا الخطاب لم يجد آذاناً صاغية لدى صانع القرار المصري، وعلى المستوى الشعبي الذي ظل داعماً للشعب الفلسطيني، ومؤيداً لمساعيه لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.

من جهته، يتبنّى أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس جمال زهران، وجهة نظر مغايرة، مفادها أن هناك تراجعاً رسمياً مصرياً عن دعم القضية الفلسطينية منذ أكثر من 40 عاماً، بعد تحوّل مصر من دولة قائدة للمعسكر العربي في الصراع العربي الإسرائيلي إلى دولة تابعة للمشروع الغربي، تسير في فلكه، بل إن مصر الرسمية صارت تتعامل مع القضية الفلسطينية في إطار العلاقات العامة دون دور مؤثر في تحديد مصير القضية أو دعم الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه، بحسب رأيه.

ويتابع زهران، وهو المنسق العام لفرع الخيار العالمي لدعم المقاومة في القاهرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التراجع علي الصعيد الرسمي في دعم القضية الفلسطينية لم ينتقل إلى المستوى الشعبي المصري ولا إلى مؤسسات المجتمع المدني ولا إلى التجمعات الشعبية التي لا تزال تدعم القضية الفلسطينية، وتذود عن المقاومة الفلسطينية، وتبذل الغالي والنفيس لدعم هذه المقاومة بكل الوسائل الممكنة، بحسب تعبيره.

وينبه زهران إلى أن الرأي العام المصري لم يتأثر مطلقاً بالتنصل الرسمي من القضية الفلسطينية، فالمصريون يتعاملون مع الكيان الصهيوني باعتباره عدواً متآمراً على أمنهم القومي، ويرون أن الدفاع عن القضية الفلسطينية هو دفاع عن الأمن القومي، ولكن في ساحة دفاع متقدمة، وسيستمر المصريون رغم كل شيء في معسكر الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق شعبها، بحسب ما يؤكد.

المساهمون