لفتا... القرية الكنعانية تواجه المخططات الاستيطانية

القدس المحتلة

محمد عبد ربه

avata
محمد عبد ربه
15 مايو 2023
"كنا ملوكاً ثم أصبحنا لاجئين
+ الخط -

بعد 75 عاماً على نكبة فلسطين، تعود قرية لفتا المدمرة والمهجرة والواقعة غرب القدس إلى الواجهة، من خلال محاولات الاحتلال تنفيذ مخطط استيطاني يطرح من حين إلى آخر بناء حي استيطاني على شكل "فيلات" فخمة، يرمي القائمون على المخطط بناءها على أنقاض القرية التي تعد واحدة من أكثر القرى ثراءً بالتاريخ والآثار، وصولاً إلى أصولها الكنعانية.

وعلى الرغم من كل العقود التي مرّت منذ النكبة، إلا أن لفتا لا تزال تسكن عقول وقلوب أبنائها المنتشرين بالآلاف في مدن وبلدات الضفة الغربية المختلفة، وفي سائر الدول العربية والشتات، وهم ما زالوا يستذكرون تدمير أكثر من مئتي منزل تشكل جذر المنازل (المنازل الأصلية) في هذه القرية الواقعة على بعد بضعة كيلومترات غرب القدس. ولم يتبق اليوم سوى 70 منزلاً في القرية، قصفت سقوفها بالقنابل في حرب النكبة حتى لا يعود أهلها وأصحابها إليها، في وقت كانت العصابات الصهيونية قد سيطرت بالكامل على شطرها العلوي، قبل أن تحكم سيطرتها على كامل القرية.

لفتا... النكبة مستمرة

يقيم الناشط اللفتاوي يعقوب عودة، وهو أسير محرر أمضى في سجون الاحتلال نحو 19 عاماً، في أرض السمار، من أراضي قرية لفتا التي لجأت إليها عائلته وعائلات لفتاوية أخرى بعد النكبة. وعودة ينشط في ائتلاف لفتا، وهو ائتلاف يضم أبناء القرية ومناصرين آخرين.

بالنسبة لعودة، فإن الذكرى الـ75 للنكبة تعيد إلى الذاكرة وترسخ فيها الحقيقة القائلة، والماثلة أمام عيون أبناء القرية، بأن النكبة مستمرة على لفتا، ومستمرة على فلسطين بأكملها بقوة السلاح وبالسيطرة الاستعمارية على برّها وبحرها وسمائها، وعلى أهلها أيضاً.

يقول عودة لـ"العربي الجديد": "بعد كل هذه الأعوام الطويلة من نكبتنا، نفاجأ اليوم بانتهاكات واعتداءات على ما تبقى من مباني لفتا ومحاولة تحويلها إلى فنادق وفيلات فاخرة".

سرقة التراث

قبل سنوات قام أحد المستوطنين الصهاينة بالاستيلاء على مبنى ضخم في لفتا، مدعياً شراءه من هيئة تطلق على نفسها اسم صندوق القدس والتي اشترته بدورها مما يسمى بدائرة أراضي إسرائيل عام 1981، ليحوله لاحقاً إلى فندق فخم أطلق عليه اسم (بوتيك لفتا)، وافتتحه في عام 2021، معتدياً بذلك اعتداءً صارخاً على تراث وتاريخ قرية لفتا الموغلة بالعراقة والأصالة. واكتشف الأهالي وجود الفندق العام الماضي عندما زاروا القرية. 

لم يتبق اليوم في لفتا سوى 70 منزلاً منذ ما قبل النكبة

وليس هذا أول مشروع استيطاني في لفتا، إذ سبقته مشاريع أخرى، قاومها أبناء القرية. إذ كانت جمعيات وهيئات صهيونية متطرفة إبان فترة تولي أرييل شارون منصب وزير البنى التحتية في عام 1996 تعمل جاهدة على وضع مخطط تهويدي لإقامة حي استيطاني على أراضي البلدة.

وفي عام 2004، وفق عودة، نشر هذا المخطط، ولكن أهالي قرية لفتا اعترضوا عليه لدى اللجنة المحلية واللجنة اللوائية في بلدية الاحتلال في القدس باعتباره يستهدف أراضي أهالي القرية وبيوتهم. ويشتمل المخطط الاستيطاني (الخريطة رقم 6036) بالأساس على بناء 259 فيلا وفندقاً ومركزاً تجارياً ونواة متحف، ما يعني تدمير تاريخ هذه القرية لصالح ما يسمى بالخدمات والمرافق العامة في حال تنفيذه.

القرية الكنعانية الراسخة

في عام 2010، توجه أهالي قرية لفتا إلى محكمة إسرائيلية ضد نية دائرة أراضي إسرائيل تنفيذ مزاد علني لبيع أراضي لفتا لصالح المخطط، وخاضوا صراعاً قضائياً انتهى إلى انتزاعهم قراراً من المحكمة يجمد المزاد العلني، لكنه لم يلغ المخطط.

عودة يؤكد على أهمية القرار، لأن لفتا قرية كنعانية يمتد عمرها إلى أكثر من أربعة آلاف عام، كان اسمها "نفتوح"، ثم سميت "نفتو" زمن الرومان والبيزنطيين، بينما سماها الفرنجةُ "كالاريستا"، وفيها أيضاً بصمات لغزاة ومحتلين وعابرين كثيرين، لكنها بقيت الأرض الفلسطينية والتي لأهاليها الحق في كل ما فيها من تراث وتاريخ.

ويشرح عودة أنه "بالنسبة لنا، لفتا ليست فقط موقعاً أثرياً، وليست مجرد تراث وحجارة، بل إنها حياة كانت تضم أكثر من 3 آلاف نسمة قبل النكبة، وهي ليست حجارة فقط، بل محجاً يومياً، وفي كل المناسبات كيوم الأرض، ويوم مسيرة العودة في 15 مايو/ أيار من كل عام".

أهالي القرية تمكنوا من تجميد تنفيذ المخطط الاستيطاني 6036 لبناء 259 فيلا وفندقاً في القرية

الحنين والشوق لقرية لفتا ما يزالان حاضرين لدى أهلها والأجيال الصاعدة، يحافظون على أرض آبائهم وأجدادهم. فبعد 75 عاماً من النكبة، يؤمن أهالي لفتا إيماناً راسخاً بحتمية العودة إلى قريتهم.

يعقوب عودة واقفاً وخلفه المنازل القديمة في لفتا، 2017 (أحمد غرابلي/فرانس برس)
يعقوب عودة واقفاً وخلفه المنازل القديمة في لفتا، 2017 (أحمد غرابلي/فرانس برس)

لفتا بالنسبة لأهلها تاريخ وهوية، إذ يقول يعقوب عودة لـ"العربي الجديد": "لفتا لن تمحى من الوجود، لأنها ليست المسجلة في الكتب، بل لأنها تسكن عقولنا وقلوبنا وكل مشاعرنا، وبالتالي الفكرة لا تموت إلا إذا قتلها صاحبها، أما من هو طاهر ونقي، ومن هو مخلص ووفيّ فلا يقتل وطنه ولا يتخلى عنه أو يبيعه إلا الخائن، وليس بيننا خائن".

قرية أثرية تواجه الاستيطان

ورد في وثائق المتحف الفلسطيني والمحكمة الشرعية في مدينة القدس الشريف قبل أكثر من 800 عام أن قرية لفتا غنية بالآثار التاريخية، وعيون المياه العذبة، والأشجار المثمرة كاللوز والتين والزيتون والرمان، ومن أبرز وأهم معالمها الأثرية "مسجد سيف الدين" أحد أمراء جند صلاح الدين الأيوبي، والذي أقيم على مقامه في عام 1235، في وسط القرية في الجزء الشمالي من ينابيع المياه العذبة.
‎ومن معالم قرية لفتا الأثرية المقبرة القديمة التي تعود إلى ما قبل مئات السنين، ومدرسة لفتا التي بنيت عام 1929، إلى جانب عين ونبع ماء لفتا، والذي يروي ماؤه جنائن القرية التاريخية.

ومن أبرز الأماكن الأثرية في لفتا، بحسب عودة، أراضي الشيخ بدر، والتي بُني عليها خان الظاهر بيبرس قبل نحو ثمانية قرون، إلى جانب دير المصلبة، ولكنها تحوّلت اليوم إلى مقر لحكومة الاحتلال والكنيست، وكذلك محطة الباصات المركزية، ومقر الجامعة العبرية.

‎تُعد قرية لفتا البوابة الغربية لمدينة القدس، لذلك كانت القرية الأولى التي هجرت العصابات الصهيونية المسلحة سكانها منها عام 1948. وفي عام 1968 صادر الاحتلال مساحات واسعة من أراضي لفتا ضمن المصادرة الكبرى، والتي شملت 3245 دونماً، ليقيم عليها مستوطنات "راموت"، و"رامات أشكول"، و"جعفات هتحموشت".

ذات صلة

الصورة
ما تركه المستوطنون من أشجار مقطوعة ومحصول مسروق في قرية قريوت (العربي الجديد)

سياسة

تعرضت الأراضي الزراعية في موقع "بطيشة" غربي قرية قريوت إلى الجنوب من مدينة نابلس لهجوم كبير من المستوطنين الذين قطعوا وسرقوا أشجار الزيتون المعمرة
الصورة
روبى بورنو ترتدي قلادة فلسطين (يوتيوب)

منوعات

ارتدت مسؤولة تنفيذية في شركة أمازون قلادة تحمل الخريطة التاريخية الكاملة لفلسطين ما قبل الاحتلال الإسرائيلي. وتسبّب هذا المقطع في هجمة شرسة ضدها.
الصورة
متظاهرون أمام الفندق يحملون لافتات تقول "فلسطين ليست للبيع" (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر ناشطون أمام فندق "هيلتون دبل تري" في مدينة بايكسفيل بولاية ماريلاند الأميركية الذي استضاف مزاداً لبيع مساكن أقيمت على الأراضي الفلسطينية المسروقة
الصورة
الحصص المائية للفلسطينيين منتهكة منذ النكبة (دافيد سيلفرمان/ Getty)

مجتمع

في موازاة الحرب الإسرائيلية على غزّة يفرض الاحتلال عقوبات جماعية على الضفة الغربية تشمل تقليص كميات المياه للمدن والبلدات والقرى الفلسطينية.