طالب آلاف الفلسطينيين، اليوم الثلاثاء، بتصعيد المقاومة بكل أشكالها ضد الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، رداً على جريمة استشهاد القائد الفتحاوي الأسير ناصر أبو حميد، في مسيرات خرجت في عدة مدن بالضفة الغربية وغزة، فيما عمّ الإضراب والحداد الأراضي الفلسطينية.
وخرج الفلسطينيون وسط مدينة نابلس شماليّ الضفة، وهتف المشاركون بالتحية لأبو حميد الذي انتصر على السجان وارتقى وهو ثابت على مواقفه النضالية، فيما رفعت صور الشهيد ولافتات كتبت عليها عبارات تشيد بتضحياته وصموده.
وقال منسق اللجنة الوطنية العليا لمتابعة شؤون الأسرى في نابلس، مظفر ذوقان، لـ"العربي الجديد": "إن استشهاد أبو حميد يكشف حقيقة الحالة التي يعيشها الأسرى عامة والمرضى منهم خاصة في سجون الاحتلال، حيث تتفنن إدارة السجون في تعذيبهم وحرمانهم أبسط حقوقهم بالعلاج".
وطالب ذوقان فصائل المقاومة بالعمل الجاد على إنهاء ملف الأسرى وتبييض المعتقلات من خلال صفقة تبادل مشرفة، بعد أن فشلت كل السبل السلمية في ذلك.
أما الأسير المحرر عمر عفانة الذي عايش أبو حميد وإخوانه في السجون، فعاب على القيادة الفلسطينية والفصائل ضعفها وهوانها، وهي تكتفي فقط بالمطالبات والاستنكارات دون أن تفعل شيئاً ملموساً لإنهاء معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وفي طولكرم، شارك العشرات في وقفة منددة باستشهاد الأسير أبو حميد نتيجة الإهمال الطبي المتعمد في سجون الاحتلال.
ورفع المشاركون صور الشهيد، وهتفوا مطالبين بنصرة الأسرى والضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عن جثامين الأسرى الشهداء الموجودين في ثلاجات الموتى لدى الاحتلال.
وفي جنين، هتف المشاركون بعبارات رافضة لحالة الضعف التي وصلت إليها القيادة الفلسطينية غير القادرة على تحرير الأسرى وتركهم فريسة للاحتلال، ورددوا: "ناصر مات.. ناصر مات، شو عملتوا يا قيادات!".
وأوضح أمين سر حركة فتح في جنين، عطا أبو إرميلة، لـ"العربي الجديد"، أن "التقصير بملف أبو حميد كان واضحاً، فهو يعاني من المرض منذ أكثر من عام ونصف، ومع هذا فقد تركوه يواجه مصيره وحده".
وشدد أبو ارميلة على ضرورة العمل الجاد بكل السبل لتسليم جثمانه وجثامين الأسرى الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال.
خيمة اعتصام حتى تسليم جثمانه
وفي مسقط رأس أبو حميد، خرج المئات من أهالي مخيم الأمعري في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، وهو مكان السكن السابق لعائلة الشهيد القائد في كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح ناصر أبو حميد قبل أن تهدمه سلطات الاحتلال عام 2019، بمسيرة غاضبة إلى دوار المنارة وسط مدينتي رام الله والبيرة وسط حضور الحاجة لطيفة أبو حميد، والدة ناصر، وفتحي خازم، والد الشهيدين المقاومين رعد وعبد الرحمن.
وهتف المشاركون بهتافات تمجد الشهيد وعائلته المناضلة وأشقاءه الأسرى الأربعة، فيما تُلي عدد من الكلمات التأبينية.
وأقامت مؤسسات الأسرى والفصائل الفلسطينية وعائلة القائد الفتحاوي الشهيد الأسير ناصر أبو حميد خيمة اعتصام دائمة قرب مدخل مخيم الأمعري في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، مؤكدة أن الخيمة ستبقى حتى تسليم جثمان أبو حميد ودفنه، فيما نظم مسلحون ملثمون من مخيم الأمعري مسيرة قرب الخيمة أطلقوا خلالها النار في الهواء.
ووصلت الحاجة لطيفة أبو حميد إلى الخيمة تحمل بيدها بندقية دلالة على مسيرة ابنيها المقاومين الشهيدين ناصر وعبد المنعم، وأبنائها الأسرى المقاومين الأربعة، وقالت أبو حميد: "إن مطلبها الوحيد أن يدفن ابنها في أرض فلسطين".
فيما أكد ناجي شقيق الشهيد أبو حميد في كلمة له خلال مؤتمر صحافي عقدته المؤسسات والفصائل بالتزامن مع إقامة الخيمة، "إن العائلة لن تقبل العزاء إلا عند دفن الشهيد بما يليق به قائداً بطلاً، هو وأشقاءه الأبطال الأسرى وسائر الشهداء الموجودين في ثلاجات الاحتلال الظالم".
وتابع أبو حميد، "إن العائلة ستواصل ما بدأته العام الماضي، حين حاربت بقضية ناصر مع بداية مرضه"، معتبرا أن قضيته كانت رافعة لتسليط الضوء على معاناة الأسرى وخاصة المرضى منهم.
وقال ناجي أبو حميد: "نحن كعائلة للأسير القائد ناصر أبو حميد نقولها بأعلى صوتنا نريد أن نزف ناصر على الأكتاف، نريد لفه بالعلم الفلسطيني هو وكل الشهداء المحتجزة جثامينهم الطاهرة في ثلاجات هذا الاحتلال الظالم، نحن نريد لهم عرساً كما يليق بهم وهذا مطلبنا الوحيد".
من جانبها، أعلنت الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في بيان لها: "فلقد خرج شهيدنا القائد ناصر أبو حميد من أحضان عائلةٍ مجاهدةٍ مقاومةٍ مناضلة، لم تتأخر يومًا في تقديم دمائها وجهدها في سبيل تحرير الوطن من دنس المحتل الغاشم المجرم، الذي لا زال يخشى ناصر حتى وهو شهيد، ولم يجرؤ على تحرير جسده بعد أن تحررت روحه من ظلم السجان وقهره".
وتقلت الحركة الأسير "تعازي كافة الأسرى إلى عائلة أبو حميد المجاهدة الصابرة"، مضيفة: "تعجز حروف أبجديتنا العربية عن صياغة كلماتٍ توازي صبركم وعطاءكم وثباتكم، وإلى أمه الصابرة المحتسبة كل كلمات التقدير والاعتزاز بما قدمت من شهداء وأسرى، ولم يثنها ذلك يومًا بل زاد من صبرها وإقدامها على تحدي العدو المجرم الغاشم".
ووجهت الحركة الأسيرة رسالة إلى الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة قائلة: "ونحن نودع الحبيب ناصر الذي عرفته شوارع الوطن مقاومًا ومشتبكًا، وارتقى نتيجة الإهمال الطبي والتقصير في السعي لتحريره؛ لقد آن الأوان لتحرير أبنائكم من الأسر على يد عدو مجرم يتفنن في صنوف العذاب والإهمال الطبي لأبنائكم، ألا يكفي هذا العدد من الشهداء في صفوف الأسرى حتى يلتقط الجميع الرسالة الواجب القيام بها لتحريرنا؟".
وقالت الحركة الأسيرة: "إلى العدو الغاشم المجرم: إن سياسة القتل الممنهج التي ترتكبونها بحقنا لم ولن تضعف من عزيمتنا يومًا، ولن توقف مقاومتنا داخل السجن وخارجه، بل تزيدنا يقينًا بصواب المنهج والهدف، وسوف تدفعون ثمن إجرامكم قريبًا وعاجلًا وليس آجلًا".
فصائل غزة تدعو لمحاسبة الاحتلال
وفي قطاع غزة، حَمّلت فصائل العمل الوطني والإسلامي، ولجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية، الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن تداعيات استشهاد الأسير ناصر أبو حميد، مُعلنة حالة الحداد في القطاع على الجريمة التي "لن تمر دون عقاب".
جاء ذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي نظمته فصائل العمل الوطني والإسلامي، ولجنة الأسرى، والحركة الوطنية الأسيرة، والمؤسسات العاملة للأسرى، اليوم، أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر غربي مدينة غزة، رفضاً لجريمة الإهمال الطبي التي أودت بحياة الأسير أبو حميد.
وتوسط تابوت رمزي الوقفة الغاضبة، التي رفع المشاركون فيها صور الأسير الشهيد ناصر أبو حميد، وقد كُتبت عليها عبارات الرثاء، إلى جانب اللافتة الرئيسية التي حملت عبارات التعازي للشعب الفلسطيني، باستشهاده نتيجة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وفي كلمته نيابة عن القوى المشاركة، أكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي خالد البطش أنّ "الشهيد أبو حميد سَطّر أسمى معاني البطولة والجهاد، وقد شكلت والدته أيقونة وطنية"، مُطالباً بـ"عدم تمرير جريمة قتله دون عقاب".
ودعا البطش إلى أن تكون دماء الشهيد أبو حميد ناراً ضد الاحتلال ومستوطنيه وسياساته المتواصلة ضد مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، مُطالباً في الوقت ذاته مؤسسات حقوق الانسان حول العالم بالتحرك الفوري والعاجل لرفض ممارسات الاحتلال، الذي يواصل سياسة التعذيب والإهمال الطبي ومختلف أشكال الإجرام والعدائية ضد الأسرى الفلسطينيين.
وتعالت أصوات المشاركين بترديد الهتافات، ومن بينها "يا ناصر ارتاح ارتاح واحنا نواصل الكفاح"، "زفوا ناصر لإمو"، "باب السجن من حديد ما بيفتحه إلا الشهيد"، "يا شهيد يا مجروح، دمك هدر ما بيروح"، "ليش بنسكت ع الإجرام، بدنا الرد والانتقام"، فيما حملوا صورة كبيرة للشهيد، وإلى جوارها صورة أخرى لوالدته أم ناصر.
وتضمنت الوقفة الغاضبة العديد من الكلمات، التي كان من بينها كلمة لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية، والمؤسسات العاملة في شؤون الأسرى، ألقاها القيادي في حركة فتح جهاد أبو غبن، أكد خلالها أن الاحتلال يتلذذ على عذابات الأسرى، حتى وهم على فراش الموت، مبيناً أن الاحتلال لا يفهم لغة السلام، بل يفهم لغة المقاومة والقوة.
وشدد أبو غبن على ضرورة الوحدة الفلسطينية، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يفرق في جرائمه بين "فتح" و"حماس"، أو أي فرد من أفراد الشعب الفلسطيني، ويتفنن في تعذيب مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، داعياً إلى تكاتف الجهود ضد ممارسات الاحتلال الإجرامية.
من ناحيته، وصف النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي (المُنحل) أحمد بحر، استشهاد أبو حميد نتيجة الإهمال الطبي بأنه "جريمة مكتملة الأركان"، وأنها تأتي ضمن سياسة الاحتلال المتواصلة، التي تهدف إلى القتل البطيء للأسرى.
وطالب بحر، في كلمته خلال الوقفة، البرلمانات الدولية بمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على الجريمة النكراء، داعياً السلطة الفلسطينية إلى رفع ملف الأسير أبو حميد والأسرى الذين قتلهم الاحتلال داخل السجون إلى كل المحافل الدولية، مطالباً كذلك أبناء الشعب الفلسطيني بتصعيد مقاومتهم ضد الاحتلال.
بدوره، شدد منسق لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية، زكي دبابش، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، على هامش الوقفة، على ضرورة أن يكون اليوم يوم غضب بامتياز ضد الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مناطق التماس، داعياً الأمة العربية والإسلامية إلى التحرك ضد الممارسات الإسرائيلية، في الوقت الذي ما زالت تمارس فيه المؤسسات الدولية حالة الصمت المطبق، تجاه حالات الاستهداف والقتل المتعمد داخل السجون.
ووجه دبابش رسالة للاحتلال الإسرائيلي، أكد خلالها أن المقاومة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، لن يقفا مكتوفي الأيدي إزاء ما يحصل داخل السجون، ورسالة أخرى للحركة الأسيرة، قال فيها: "نحن معكم، لستم وحدكم، ولن تواجهوا مصيركم وحدكم".
وأعلنت الحركة الوطنية الأسيرة الحداد العام في السجون والمعتقلات كافة، وجميع قلاع الأسر في قطاع غزة والضفة الغربية، فيما سادت أجواء التوتر سجون الاحتلال كافة، بعد استشهاد أبو حميد، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد الذي رفع عدد شهداء الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال إلى 232 شهيداً.