- الانتقادات تعكس قلقًا متزايدًا حول تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية، وتأتي في سياق المساندة النقدية لمسار 25 يوليو، مع توقعات بإعادة تموقع الأحزاب في الساحة السياسية التونسية.
- توقعات بأخذ الأحزاب مسافة واضحة عن الرئيس سعيّد وتمايزها عنه، مع تعبيرات عن وعي بفشل مشروع الرئيس ووصف الوضع بـ"احتضار سياسي"، مدفوعًا بالوضع الاقتصادي الصعب وانخفاض شعبية الرئيس.
يثير توالي مواقف وتصريحات منتقدة للرئيس التونسي قيس سعيّد ومسار 25 يوليو/تموز 2021 الانقلابي، والصادرة عن أحزاب وقوى عُرفت بمساندتها لهذا المسار، من بينها حركة الشعب وحركة تونس إلى الأمام وقيادات يسارية، جدلاً في الساحة السياسية وتساؤلات حول خلفياتها.
وانتقد الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، خلال حوار في إذاعة موزاييك الخاصة، في 26 مارس/آذار الماضي، إدارة قيس سعيّد لمسار 25 يوليو، معبراً عن قلقه من إقصاء السلطة الحالية الأحزاب من المشارِكة في وضع سياسات البلاد.
وقال: "نريد ديمقراطية سليمة قائمة على الأحزاب لا على تصحير المشهد السياسي". واتهم سعيّد بأنه "استغل لحظة 25 يوليو لخدمة مشروعه الرئاسي الشخصي". وأشار إلى أن "حزبه قلق من إدارة المسار، خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي"، معتبراً أن "هناك نزعة لإرجاع دولة البوليس".
أسامة عويدات: أداء الحكومة في وادٍ وخطاب الرئيس في وادٍ آخر
وكتب القيادي في حركة الشعب، خالد الكريشي، على حسابه في موقع فيسبوك قبل أيام: "كلنا خطاؤون... لكن كلفة الرجوع إلى الحق أقل بكثير من كلفة التمادي في الباطل". بدوره، اعتبر الأمين العام لحزب تونس إلى الأمام، عبيد البريكي، في تصريحات صحافية أخيراً، أن "السلطة التنفيذية همّشت الأحزاب الداعمة لمسار 25 يوليو عن وعي"، مشيراً إلى أن "الديمقراطية لا تتحقق من دون أحزاب".
استفاقة متأخرة أم مناورة سياسية؟
أثارت هذه المواقف والتصريحات موجة من الاستغراب والاستنكار وحتى السخرية من قبل نشطاء وسياسيين، بين من اعتبروا أنها استفاقة متأخرة ومحاولة تدارك في الوقت بدل الضائع، وبين من فسّرها بالمناورة السياسية مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المقررة نهاية 2024، لتغيير الموقع من المساندة إلى المعارضة، فيما اعتبرها البعض قفزاً من سفينة توشك على الغرق.
لكن المتحدث الرسمي باسم حركة الشعب، أسامة عويدات، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ تصريحات المغزاوي تأتي "في نفس سياق المساندة النقدية، على اعتبار أن مسار 25 يوليو لم يذهب نحو تحقيق الأهداف الاجتماعية".
وبينما أشار إلى أنه "قيل مثل هذا الكلام سابقاً"، فإنه أضاف: "في تقييمنا للمسار اليوم في سياق الانتخابات الرئاسية، من الضروري أن نفهم إلى أين تتجه الأمور والسياسات العامة والرؤية مقارنة بالانتظارات العالية للمواطنين من 25 يوليو، ولذلك كان نقدنا عالياً اليوم في غياب سياسات من الحكومة تبلور الشعارات التي يرفعها رئيس الجمهورية".
واعتبر عويدات أن "أداء الحكومة في وادٍ وخطاب الرئيس في وادٍ آخر، وهو ما يفسر نقدنا الشديد وصوتنا العالي في هذا المضمار". وأضاف: "نحن منسجمون مع خطابنا وخطنا واضح. نحن ندافع عن خيارات اجتماعية، وإذا لم تتحقق تلك الخيارات الاجتماعية سيكون صوتنا عالياً"، موضحاً أن "هذا سبّب لنا قلقاً".
تصريحات قوى 25 يوليو تعبر عن فشل مشروع قيس سعيّد
من جهته، رأى القيادي في حزب النهضة، محسن السوداني، أن التصريحات الصادرة عن قوى داعمة لمسار 25 يوليو "تعبّر عن وعي بالفشل الذي انتهى إليه مشروع الرئيس". وأوضح أنه "بعد طول انتظار، وتحمّل لأخطاء كارثية، وخيارات فاشلة قامت بها سلطة الانقلاب وبعد صبر، أيقنت تلك الأحزاب أنها راهنت على سراب ووهم. ولأن الرئيس لم يُصغ إليها، أدركت بعد ثلاث سنوات تقريباً أنّ الانقلاب لا يملك رؤية ولم يقدم شيئاً للتونسيين".
وأضاف: "تلك الأحزاب ترى بوضوح أن كل المؤشرات، على كل الأصعدة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، سلبية. لقد جرّدها الانقلاب من كل حجة ولم يوفّر لها ما تدافع به عنه، فوجدت نفسها في مأزق، وثبت لها أنها كلّما تأخرت في التدارك ارتفعت الكلفة وتعسّر عليها التراجع والتوقّف".
محسن السوداني: سلطة الانقلاب لم تمنح الأحزاب الموالية مكتسبات أو إنجازات لتناور بها
وبرأيه، فإن ما يجري لا ينطوي على "مناورة، لأن سلطة الانقلاب لم تمنح تلك الأحزاب مكتسبات أو إنجازات لتناور بها، بل أعرضت عنها وتعاملت معها بازدراء تام".
لكن السوداني استدرك قائلاً إنه على "الرغم من أن تلك التصريحات تعبّر أن هذه الأحزاب الداعمة بدأت تأخذ مسافة واضحة عن الرئيس وتتمايز عنه، فإنها ما زالت لم تفك الارتباط به نهائياً، والأمر رهن تطور الأحداث في الأسابيع المقبلة".
واعتبر أن "حركة الشعب، وبعض الأطراف الأخرى الداعمة للانقلاب، تحبّذ أن يترشح قيس سعيّد لكي تدعمه، لأنها لا تملك مرشحاً للانتخابات الرئاسية. وترشيحها لشخص آخر يعني آلياً ومباشرة أنها ضد الانقلاب وتستهدف الرئيس لإسقاطه. وهذا خيار يتناقض مع دعمها للانقلاب، وهو احتمال كارثي (عليها)، إذ كيف يمكن أن تدعم الرئيس وتزكّي غيره؟".
وتابع السوداني أنه "إذا لم تدفع الأحزاب الموالية تحفظاتها الأخيرة على الانقلاب ونقدها لأدائه إلى الحدود القصوى وإذا حافظت على دعمها الحذر له، فإنها لا تملك خيارا آخر إلا دعم سعيّد".
لكن السوداني اعتبر أن "المواصلة في الاحتراز والتحفظ والرفع من وتيرة النقد ونبرته ومنسوبه سوف يؤدي بها في نهاية المطاف إلى أن تلتحق بالمعارضة، وتلتقي معها موضوعياً، حتى وإن لم تعترف بذلك. وهذا احتمال دراماتيكي، لكنه غير مستبعد".
إعادة تموقع في الساحة السياسية
من جهته، وصف القيادي في ائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، مواقف القوى الداعمة لمسار 25 يوليو بأنه "احتضار سياسي وتوبة قبل اللحظات الأخيرة في عهد الانقلاب".
ورأى أن "المراد منها إعادة التموقع في الساحة السياسية". وأشار إلى أن "حركة الشعب ليست فقط داعمة للانقلاب وإنما من المؤسسين له. فما قامت به داخل البرلمان السابق من تعطيل لسير العمل وللقوانين وصولاً لتعطيل التصويت على الميزانية العامة للدولة يجعلها شريكاً أساسياً في الانقلاب مع سعيّد".
وأضاف: "الجميع يعلم أن شعبية قيس سعيّد في انهيار كبير نتيجة الوضع الاقتصادي التعيس الذي تسبب فيه سوء إدارته للبلاد. ولكن أعتقد أن ما حسم موقف حركة الشعب وغيرها من الانقلاب هو آخر عمليات سبر الآراء التي تؤكد أن شعبية الرئيس ضعيفة جداً، وهو ليس كما يدّعي في طريق مفتوح لعهدة جديدة، مع إجماع على إزاحته ودعم أي شخصية قادرة على ذلك".