مسافر يطا... مصير مجهول جراء استهداف الاحتلال لمناطق "ج"

24 يناير 2023
فلسطينيون فوق ركام مدرسة بمسافر يطا، ديسمبر الماضي (مأمون وظوظ/الأناضول)
+ الخط -

يتعاظم قلق أهالي ستة تجمعات سكنية في مسافر يطا جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية من سعي سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتهجيرهم، بزعم تجهيز تلك التجمعات للتدريبات العسكرية للجيش الإسرائيلي، رغم قناعة الفلسطينيين أن السعي لتهجير أهالي مسافر يطا يأتي في سياق استهداف المناطق المصنفة "ج" بحسب اتفاق أوسلو.

ترقب وقلق أهالي مسافر يطا يأتيان بعدما أبلغت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الارتباط المدني الفلسطيني، في 2 يناير/كانون الثاني الحالي، نيّتها تنفيذ قرار الإخلاء خلال العام الحالي، رغم عدم اطلاع الحكومة الإسرائيلية الجديدة على القرار وإعطاء رأيها به، حسبما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أخيراً.

ويتوقع رئيس مجلس مسافر يطا يونس أبو عرام، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يتم الإخلاء خلال الأسابيع، أو الأشهر القليلة المقبلة، موضحاً أن أهالي التجمعات المستهدفة كانوا قدموا التماساً للمحكمة العليا الإسرائيلية لمنع تهجيرهم، لكن من دون جدوى. 

أبو عرام: سلطات الاحتلال صادرت نحو 170 مركبة للأهالي ومنعتهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية

ويضم الإخلاء ستة تجمعات سكنية رئيسية يعيش فيها أكثر من ألفي فلسطيني، وهي منطقة شعب البطم، وخربة طويل الشيخ، وخربة الفخيت، وخربة بير العد، وخربة عبيد، بالإضافة إلى ستة أخرى تتربع على مساحة قدرها 35 ألف دونم تسمى "منطقة إطلاق النار".

إصرار على تهجير مسافر يطا

ورفضت المحاكم الإسرائيلية كل الالتماسات التي قدمت لها، فيما يخص إخطارات الهدم، والتهجير والإخلاء، منذ العام 2000 حتى 4 مايو/أيار الماضي. وهذا الأمر بحسب، أبو عرام، يأتي تمهيداً لقرار الإخلاء الأخير، مطلع العام الحالي، حيث ينفذ الاحتلال أساليب متعددة لتنفيذ قرار التهجير.

إجراءات الاحتلال القمعية بحق أهالي مسافر يطا لم تختلف، لكنها زادت على الأرض بعد صدور القرار. وبدا لافتاً بدء تدريب عناصر جيش الاحتلال على إطلاق النار قرب المنازل، ما يعرض الأهالي للخطر، وفق أبو عرام.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويشير أبو عرام إلى أن سلطات الاحتلال لم تكتف بذلك، بل صادرت نحو 170 مركبة للأهالي، ومنعتهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية التي يعتاشون منها، وهدمت المدرسة الوحيدة بالمنطقة، إضافة لرفض الاحتلال للأهالي السماح بإدخال جرارات زراعية لحرث أراضيهم، بحجة اقتراب صدور قرار الإخلاء.

وعن سؤال أهالي مسافر يطا حول دور السلطة الفلسطينية في تعزيز صمودهم، يؤكد أبو عرام أنه، في يونيو/حزيران الماضي، تم تنظيم مؤتمر بحضور رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية ووزراء حكومته، أكد فيه على دعم صمود الناس وتكثيف النشاط الإعلامي لما يحدث بالمسافر، لكن على خلفية القرار الجديد لم يتواصل معهم أي أحد. ويتساءل: "لا يدري أهالي المسافر أين سيذهبون حال تطبيق الإخلاء".

محاربة القوت والمسكن

ويعاني الفلسطيني صهيب إسماعيل، وهو من تجمع "الحلاوة" بمسافر يطا، من تضييق الاحتلال عليه ومحاربته بقوت يومه، عبر تقليل مساحات رعي الماشية، التي يعتاش منها 8 من أفراد أسرته، كما هو الحال لغالبية أهالي المسافر الذين يعتاشون على الثروة الحيوانية، رغم ضيق المناطق الرعوية أصلاً. 

ويؤكد إسماعيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن معاناته في قوته لم تقتصر فقط على تقليل مساحات الرعي، بل إن المعاناة تشمل كذلك ملاحقة المستوطنين لهم خلال رعيهم في المساحات الصغيرة، وهدم منزله ثلاث مرات.

ويوضح صهيب إسماعيل، الذي يملك أوراقاً ثبوتية أردنية تدل على ملكيته للأرض التي يقيم فيها، قبل وجود الاحتلال الإسرائيلي، أنه وبعد صدور قرار الإخلاء نفذ الاحتلال حملات "إحصائية" لجمع معلومات عن سكّان المنطقة، تشمل نوعية أوراق ملكيتهم، وطبيعة أعمالهم ومساحات أراضيهم، في خطوة تمهيدية للإجراءات الأولى قبل التهجير.

ويقول صهيب إسماعيل "إن السلطة تطالبنا بالثبات في البلاد، ولكنْ يد واحدة لا تصفق، وهي مطالبة بالضغط لإلغاء القرار. أنا لا أستطيع أن أعيش لاجئاً ولي أرض أملكها".

التهديد بالإخلاء يشمل منطقة جنبا

وفي منطقة جنبا بمسافر يطا والمهددة بالإخلاء والمحاذية تماماً لمستوطنة "سوسيا" المقامة على أراضي المسافر، يتوسع الاحتلال بمستوطنتين تحاصران منزل المواطن الفلسطيني علي جبارين، الذي هدمه الاحتلال عدة مرات.

صهيب إسماعيل: نفذ الاحتلال بعد صدور قرار الإخلاء حملات "إحصائية" لجمع معلومات عن سكّان المنطقة

ويشدد جبارين، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنه كان قد بنى منزله بمساعدة أبنائه، رغم منع الاحتلال لهم إدخال مواد البناء إلى منطقتهم، ووضع بوابة على مدخلها لتقييد حركتهم ودفعهم لمغادرتها، لكنهم صامدون في أراضيهم.

ويتساءل جبارين: "السلطة فاوضت 30 عاماً، ماذا فعلت لنا خلالها؟ يجب أن تأتي لترى ما حصل في منطقة جنبا. الناس هنا لم يعودوا يؤمنون بالسلطة، لأننا خسرنا كل شيء، ولم نعد نستطيع توفير الطعام لأنفسنا، ولا نستطيع شراء الشعير والحبوب للماشية، ويحاصرنا الاحتلال في قوت يومنا، فأين السلطة مما يجري؟".

في موازاة ذلك، يبين مدير دائرة الوسط في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية صلاح الخواجا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار الإخلاء صدر إثر "عدم نجاح الطرق القانونية" التي اتبعتها الجهات الرسمية، معللاً ذلك بقيود المحاكم الدولية التي تشترط طرح القضايا القانونية في المحاكم المحلية (أيّ الإسرائيلية نتيجة الأمر الواقع)، ومن ثم طرحها على الصعيد الدولي، وهذا ما جعل 95 في المائة من القضايا تذهب لصالح الاحتلال. 

ويوضح الخواجا أن الاحتلال بدأ بتنفيذ خطة الاستيلاء على المسافر، عبر ما يسمى "الإخلاء الفردي"، بمعنى هدم بيوت السكان، وتحديداً المقيمين في التجمعات الصغيرة بالمناطق البعيدة، مؤكداً وجود قرار لدى الهيئة ببناء كل مسكن يتم هدمه بشكل سريع.

خيارات حل القضية، بحسب الخواجا، محدودة جداً، نظراً لطبيعة المكان جغرافياً. ويقول: "لكننا نبحث تكرار تجربة الخان الأحمر بالمسافر، من خلال الاعتصام والمبيت وتشكيل لجان حراسة ليلية كما حصل في الخان طيلة 9 أشهر، ومن ثم انتزاع قرار دولي بعدم الإخلاء، إضافة للتعويل على الصمود الشعبي الذي يعتبر أكبر أساليب النضال". 

وفي حين يؤكد الخواجا أنه يجب ألا ينفذ الاحتلال قرار الإخلاء، لأنه "نكبة" جديدة، فإنه يعترف بأن الجهد السياسي في قضايا الاستيطان والمسافر لم يكن فاعلاً ولا مجدياً، وكان ذلك جلياً عندما مزق مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان تقريراً لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من دون أن تتم معاقبته.

موقف دولي خجول

ومنذ إعلان قرار تهجير أهالي مسافر يطا، مضت خطوات الاتحاد الأوروبي باردة حتى الجمود تجاه القضية، كما يرى نشطاء ومتابعون من المسافر. ويوضح المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، شادي عثمان، لـ"العربي الجديد"، أن الاتحاد يتابع الموضوع عن قرب، وأنه سيجري زيارات قريباً للمناطق المهددة بالإخلاء، ومن ثم إثارة الموضوع مع الجانب الإسرائيلي، بحسب تعبيره.

ومنذ العام 2016، وفق عثمان، هدم الاحتلال منشآت بناها الاتحاد الأوروبي بقيمة 2.5 مليون يورو. ويقول: "نكرر باستمرار معارضتنا الإجراءات غير القانونية المتخذة في هذا السياق، وقد ذكّرنا إسرائيل مراراً بضرورة الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وخاصة القانون الإنساني الدولي، تجاه السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك المنطقة ج، لكنه لا يوجد رد إسرائيلي رسمي للآن. نحن نتوقع ونأمل ألا يتم الإخلاء".

المساهمون