استمع إلى الملخص
- **مواجهات عنيفة وضبط أسلحة مهربة**: شهدت منطقة شيل مدو مواجهات بين القوات الحكومية ومليشيات قبلية بعد ضبط أسلحة مهربة، مما أدى إلى مقتل 12 شخصاً وتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق.
- **تحديات تنفيذ الحظر الشامل**: يشكك محللون في جدية تنفيذ الحظر بسبب ضعف السلطات والانفلات الأمني، ويرون أن القرار قد يكون محاولة لصرف الأنظار عن حادثة الأسلحة المهربة.
في خطوة هدفها مكافحة انتشار السلاح غير المرخص في الصومال، والذي يُستخدم في جرائم ومواجهات تشهدها البلاد، أعلن مجلس الأمن القومي الصومالي، نهاية يوليو/تموز الماضي، فرض حظر شامل على تجارة الأسلحة وتهريبها في الصومال، وذلك لأول مرة بعد اندلاع الحرب الأهلية، مطلع تسعينيات القرن الماضي. وجاء هذا الحظر الحكومي بعد ضبط أسلحة مهربة منتصف يوليو الماضي، في منطقة شيل مدو بإقليم غلغدود بالقرب من الحدود الإثيوبية، في خطوة من شأنها خصوصاً كبح تهريب السلاح في الصومال.
وبحسب خبراء فإن هدف هذا القانون حصر السلاح بيد السلطة الصومالية فقط، تفادياً لأي ضغوط دولية وأممية على الحكومة بسبب فشلها في ضبط السلاح المنفلت، وحفاظاً على إنجازاتها السياسية، لا سيما بعد نجاحها في الدفع إلى رفع حظر السلاح على البلاد، العام الماضي، والذي كان مفروضاً من مجلس الأمن منذ 1992. علماً أن الحظر الذي استمر ثلاثة عقود، كان بهدف منع سقوط أسلحة الجيش وذخائره ومواد تصنيع القنابل في أيدي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
محمد عبد الرحمن محمد: الأسلحة المهربة الآتية من إثيوبيا أكبر محاولة لضرب أمن البلاد
وشدّد بيان مجلس الأمن القومي الصومالي، منتصف يوليو الماضي، على أهمية تنفيذ قوانين صارمة لمراقبة الأسلحة والذخائر في الصومال، مشيراً إلى أن النجاح في رفع حظر الأسلحة كان يعتمد أساساً على المراقبة الفعالة لإدارة الإمدادات العسكرية والأسلحة لقوات الأمن الوطنية الصومالية.
وظاهرة انتشار السلاح في الصومال والسلاح المنفلت خارج نطاق الدولة، هي أكبر تحدٍ للحكومات المتعاقبة لبسط نفوذها في البلاد على مدار العقود الماضية، إذ انتشر السلاح على نطاق واسع وصار عدده يقدّر بملايين القطع، لدرجة أن الحكومات الصومالية عجزت عن وقف انتشاره داخل البلاد.
تهريب السلاح في الصومال
في 18 يوليو الماضي، شهدت منطقة شيل مدو بإقليم غلغدود المتاخمة للحدود الإثيوبية، مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية، التي ضبطت سيارتين كانتا تنقلان أسلحة غير مشروعة عبرتا الحدود الإثيوبية، ومليشيات قبلية كانت تحاول نهب الأسلحة. وأدت تلك المواجهات إلى مقتل 12 شخصاً، بينهم عناصر في القوات الحكومية، فيما لم يتم الكشف حتى الآن عن حجم تلك الأسلحة ووجهتها.
وشكّل رئيس البرلمان الصومالي، أحمد مدوبي، لجنة برلمانية لتقصي الحقائق عن حادثة محاولة نهب الأسلحة المهربة، للوقوف عن كثب على حقيقة الجهات المتورطة فيها. وتباينت آراء النواب في جلسة النقاش، الأسبوع الماضي، حول موضوع الأسلحة المهربة التي ضبطتها الأجهزة الأمنية الصومالية في إقليم غلغدود، بين من رأى أنها أكبر محاولة من السلطات الإثيوبية لتهريب الأسلحة إلى عمق الصومال لضرب أمنه واستقراره، وتأجيج الصراعات القبلية، وبين من اعتبرها محاولة حكومية فاشلة لممارسة ضغط على بعض رؤساء الولايات الفيدرالية لإطاحتهم قبل الانتخابات المحلية المقبلة.
وقال النائب الصومالي عبد الرحمن محمد، لـ"العربي الجديد"، إن "الأسلحة المهربة الآتية من إثيوبيا تشكّل أكبر محاولة إثيوبية لضرب أمن البلاد وتأجيج الصراعات القبلية التي تجددت في الصومال، لإشغال الحكومة الحالية في خلافات وصراعات داخلية وصرف انتباهها عن الأزمة العالقة بين البلدين". وأوضح أن "الحكومة الصومالية تدرك ما تدبره أديس أبابا ضد مقديشو من خطط وسياسات، وأن السلطات الأمنية مستعدة للتعامل بما يخص الأسلحة المهربة عبر حدود البلاد، وفرضت إجراءات صارمة ضد المتورطين في تهريب الأسلحة".
من جهته، قال النائب في مجلس الشعب، يوسف حسن أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الصومالية لم تنشر معلومات صحيحة وكافية بشأن ملكية الأسلحة المهربة، والتي استولت عليها مليشيات قبلية في إقليم غلغدود، بل حاولت تضليل الرأي العام بشأن وجهة تلك الأسلحة".
واعتبر أن "الحكومة متورطة في توريد تلك الأسلحة بطريقة غير قانونية، فهي تسعى لاستخدامها ضد الولايات الفيدرالية والسياسيين المعارضين لها خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة في بعض الولايات الفيدرالية، لكنها فشلت في تحقيق مسعاها". ومن المتوقع أن تشهد الولايات الفيدرالية، مثل غلمدغ وهيرشبيلي وجوبالاند وجنوب غرب الصومال، انتخابات لرئاسة الولاية وأخرى برلمانية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل".
غياب الثقة بالدولة
في غضون ذلك، قلل محللون سياسيون من جدية قرار فرض حظر شامل على تجارة الأسلحة وتهريبها داخل البلاد، وبالتالي مكافحة انتشار السلاح في الصومال نظراً لضعف السلطات المعنية، إلى جانب غياب التعاون مع المجتمع الصومالي الذي قد لا يثق بالسلطة الحكومية.
وقال المحلل السياسي الصومالي، أحمد جيسود، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار فرض حظر شامل على تجارة الأسلحة ربما طرحته الحكومة قبل أن يحين أوانه، نظراً لعوامل كثيرة قد تعيق تنفيذه على أرض الواقع، كتعدد نظام السلطة في البلاد وضعف المؤسسات الأمنية، إلى جانب محدودية نفوذ الحكومة الفيدرالية في محيط العاصمة مقديشو".
محمد عثمان: السلطات الصومالية تحاول حفظ إنجازات رفع مجلس الأمن حظر الأسلحة على البلاد
وأضاف أن "فرض حظر شامل على تجارة السلاح في الصومال يعاني منذ عقود من الانفلات الأمني وانتشار الأسلحة على نطاق واسع، قد لا يؤدي إلى نتائج ملموسة"، معتبراً أن القرار "لا يحتاج إلى استعجال، بل يتطلب الأمر خطة حكومية مدروسة وسلطة قوية لمواجهة تجار الأسلحة وإحالتهم إلى القضاء ومحاسبتهم".
وشدّد جيسود على أن "محاولة الحكومة حصر تداول الأسلحة بيدها يقابله خوف شعبي لدى الصوماليين من التخلي عن أسلحتهم، نتيجة غياب السلطة عن بعض المناطق في البلاد، إلى جانب الصراعات القبلية التي تنعش تجارة الأسلحة". وأوضح أن "السوق السوداء لتجارة الأسلحة منتشرة في العاصمة مقديشو، حيث يزاول التجار أعمال البيع والشراء في وضح النهار من دون أدنى خوف، ما يعكس مدى ضعف السلطات الأمنية للتعامل مع المتاجرين بالأسلحة بطرق خارج إطار القانون، ويسهم في تفاقم المخاطر الأمنية والأعمال الإجرامية التي قد تحدث في العاصمة والأقاليم الصومالية".
وشجبت المعارضة السياسية حادثة الأسلحة المهربة في المناطق الحدودية الصومالية الإثيوبية، واعتبرتها فشلاً حكومياً لضبط الأسلحة غير المشروعة، إذ طالبت بعض أحزاب المعارضة مجلس الأمن، بإعادة النظر بقرار رفع حظر السلاح المفروض على الصومال.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي في مركز الصومال للدراسات، محمد عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قرار فرض حظر شامل على تجارة الأسلحة وتهريبها في البلاد هي خطة حكومية لصرف الأنظار عن حادثة الأسلحة المهربة في المناطق الحدودية مع إثيوبيا"، وذلك "في ظل مطالب بعض تيارات المعارضة مجلس الأمن بإعادة النظر بقرار رفع حظر السلاح المفروض عن الصومال كونه فشل في الحد من الأسلحة المهربة" ومكافحة انتشار السلاح في الصومال.
وأضاف أن "شحنة من الأسلحة والذخائر بهذا الحجم لا يمكن لأي مجموعة أن تدخلها البلاد من دون علم السلطات الأمنية، إذ تشير بعض المصادر إلى أن السلطات الأمنية كانت على علم بها، وتهدف لتسليح مليشيات قبلية تساند الجيش قبل بدء المرحلة الثانية من العمليات العسكرية ضد حركة الشباب".
وأشار عثمان إلى أن "الخطة الحكومية لتسليح المليشيات القبلية فشلت بعد تسرب المعلومات لمليشيات قبلية أخرى، حاولت نهب الأسلحة بعد مواجهات عنيفة مع قوات أمنية كانت تحرس الأسلحة، وهو ما أربك حسابات الحكومة التي لجأت أخيراً إلى عقد جلسة استثنائية وإصدار قرار بفرض حظر شامل على تجارة الأسلحة في البلاد".
وأضاف أن الهدف من هذا القرار هو "إبعاد السلطات الأمنية عن علاقتها بهذه الأسلحة غير المشروعة التي دخلت البلاد من دون أن تمر عبر قنوات مجلس الأمن، التي تسمح للصومال بشراء الأسلحة والذخائر". وأوضح أن "السلطات الصومالية تحاول حفظ إنجازات رفع حظر الأسلحة المفروض على البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود، من خلال فرض حظر شامل على تجارة الأسلحة، والتي أصلاً تقع ضمن الخطوات المطلوبة من الجانب الصومالي بعد قرار مجلس الأمن".