محاسبة الوزراء العراقيين: سطوة المحاصصة تعرقل تعهدات السوداني

23 ديسمبر 2022
السوداني في كلمة له بالبرلمان، أكتوبر الماضي (الأناضول)
+ الخط -

أثارت أطراف سياسية عراقية جدلاً بشأن مهلة الأشهر الستة التي منحها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني لوزراء حكومته والوكلاء والمحافظين والمستشارين، لتقييم عملهم، ومن ثم استبدال كل من يخفق منهم في أدائه عمله أو تثبت عليه شبهات فساد أو غيرها، في ظل شكوك كبيرة بأن سطوة المحاصصة السياسية والضغوط ستحول دون تنفيذ السوداني تعهده.

وقرر السوداني، في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 12 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إعطاء مهلة 3 أشهر للمديرين العامين، ليجري بعدها تقييم أدائهم، وفق ما تم تنفيذه على أساس البرنامج الحكومي، فيما منح الوزراء والوكلاء والمحافظين والمستشارين مهلة 6 أشهر ليجرى بعدها تقييم عملهم في ضوء تنفيذ البرنامج الحكومي والتزامهم بمحاوره الأساسية وأولوياته.

وجاء هذا القرار بعد إعلان السوداني، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تشكيل لجنة لتقييم أداء المحافظين، مؤكداً أنه ستكون هناك تغييرات لكل من يثبت عليه خلل إداري أو فساد.

لكن النائب المستقل، عضو لجنة النزاهة البرلمانية، هادي السلامي، قال لـ"العربي الجديد" إن "مهلة تقييم الأشهر الستة للوزراء طويلة، وتقييم عمل أي مسؤول لا يحتاج لأكثر من 3 أشهر فقط".

واستدرك: "لكن بعيداً عن الوقت، فإن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لن يكون مطلق اليد بمحاسبة أي وزير أو تغيير أي وزير يخفق في عمله، حتى من تثبت عليه شبهات، إذ إن الغطاء والحماية السياسية للوزراء سيمنعان أي تحرك للسوداني بهذا الخصوص، وسيلاقي معارضة من قبل القوى السياسية المتنفذة إذا ما حاول".

سطوة المحاصصة تعرقل السوداني

وأكد السلامي أن "المحاصصة التي على أساسها شُكّلت الحكومة الحالية، والضغوط السياسية التي تمارس على السوداني، والتي هي نفسها من فرضت بعض الوزراء عليه، ستحول دون قدرته على تنفيذ أي إجراء على أي وزير"، مشيراً إلى أن "اللجان البرلمانية ومن خلال النواب المستقلين ستعمل على مراقبة الأداء الحكومي بشكل دقيق لمنع أي مخالفات أو شبهات".

واعتبر السلامي أنه "لا يمكن العمل بشكل صحيح ولا تنفيذ أي عملية إصلاح في ظل المحاصصة السياسية، التي تجعل أي مسؤول في الدولة أسيراً ومقيّداً من قبل القوى السياسية المتنفذة، وأي تحرك خارج إرادة هذه القوى سيكلف أي شخص يحاول ذلك موقعه في الدولة العراقية مهما كان، وهذا الأمر ربما حتى يشمل رئيس الوزراء الحالي".


هادي السلامي: السوداني لن يكون مطلق اليد بمحاسبة أي وزير

من جهته، أكد السياسي المقرب من التيار الصدري فتاح الشيخ، في حديث مع "العربي الجديد"، عدم ثقته بقدرة السوداني على تطبيق وعوده بتغيير الوزراء المقصرين، معتبراً أن المهلة التي منحها رئيس الحكومة للوزراء وباقي المسؤولين في الدولة هي "جزء من الشعارات التي ترفعها كل حكومة مع تشكيلها".

وأضاف: "هذه الشعارات ستبقى شعارات ولن يتم تنفيذها بسبب المحاصصة وتدخّل الكتل والأحزاب بعمل وقرارات الدولة العراقية، فالكثير من الوعود الحكومية ستبقى وعوداً، كحال الوعود التي أطلقتها الحكومات السابقة منذ سنين".

وأشار الشيخ إلى أن "استمرار الفشل الحكومي وعدم تنفيذ الوعود الحكومية، مع وجود الأزمات بلا حلول، بل وتفاقمها، خصوصاً المتعلقة بالوضع الاقتصادي، قد يدفع الشارع العراقي إلى الانتفاض على الإخفاق الحكومي المستمر بسبب المحاصصة والحماية السياسية للفساد والفاشلين".

لكنّ للنائب عن تحالف "الإطار التنسيقي" عارف الحمامي رأياً آخر، إذ شدد في حديثٍ مع "العربي الجديد" على أن "رئيس الوزراء جاد بقضية تقييم عمل الوزراء وكافة المسؤولين في الدولة، وهناك حرية له في هذه الخطوة، وهو قد أبلغ القوى السياسية بذلك، وحصل منها على الضوء الأخضر".


عارف الحمامي: السوداني جاد بقضية تقييم الوزراء وله الحرية بذلك

وأشار الحمامي إلى أن "هذه الخطوة بكل تأكيد لا تروق لبعض الكتل والأحزاب السياسية، وستعمل على منع رئيس الوزراء من الإقدام على تنفيذها من خلال الضغوط وغيرها، لكن لا نعتقد أن ذلك سيعرقل تحرك السوداني بهذا الخصوص، فهو يريد إنجازاً حكومياً ولا يريد أن يؤثر عمل أي وزير على الأداء الحكومي".

وأضاف أن "أي وزير سيُقال من قبل رئيس الحكومة، سيجرى اختيار البديل له بالطريقة نفسها التي تم اختيار الوزير فيها، أي عبر تقديم الكتلة التي ينتمي لها الوزير أكثر من مرشح لهذا المنصب، وتبقى حرية الاختيار للسوداني أو برفض جميع المرشحين وطلب آخرين بدلاً عنهم من الكتلة" نفسها.

السوداني والتراجع عن القرارات

وجرت العادة أن تخضع الحكومة لتقييم شامل بعد مرور 100 يوم، أي ثلاثة أشهر، فيما يشير مراقبون إلى أن السوداني، وخلال الشهر الأول من تسمله منصبه، أصدر العديد من القرارات، لكن سرعان ما تراجع عنها، ومن أبرزها إلغاء تكاليف المناصب العليا من قبل سلفه مصطفى الكاظمي، إذ طبّق القرار على بعض الشخصيات فيما جدد التكليف لأغلب الشخصيات الأخرى.

وذهب المحلل السياسي ماهر جودة هو الآخر في اتجاه التقليل من قدرة السوداني على التحرك لعزل أي وزير مقصر بمهامه. وقال لـ"العربي الجديد" إن "الوزراء في الحكومة الحالية تم فرضهم من قبل الكتل والأحزاب على رئيس الوزراء فرضاً، وهذا الأمر يشمل كل القوى السياسية، بما في ذلك قوى الإطار التنسيقي، ولهذا، فإن أي تحرك للسوداني نحو إقالة أي وزير سيواجه معارضة شرسة من قبل تلك القوى".

وأشار جودة إلى أن "منح السوداني مهلة لتقييم عمل الوزراء، وباقي المسؤولين في المناصب المهمة في الدولة، لن تلاقي أي تقدّم حقيقي على الأرض، بسبب المحاصصة التي تحمي هؤلاء المسؤولين من أي محاسبة أو مساءلة، حتى إذا ما ارتكبوا مخالفات أو صفقات فساد".

المساهمون