أظهرت صور من قمر صناعي نشرتها شركة أميركية خاصة أعمال حشد عسكري روسي جديدة في عدة مواقع قريبة من أوكرانيا، مما يشير إلى استمرار موسكو في حشد قواتها وسط جهود دبلوماسية تهدف لتخفيف الأزمة.
وذكرت شركة "ماكسار تكنولوجيز"، التي مقرها الولايات المتحدة وترصد حشد القوات الروسية منذ أسابيع، أنّ الصور التي التقطت يومي الأربعاء والخميس أظهرت أعمال حشد كبيرة جديدة بعدة مواقع في شبه جزيرة القرم وغرب روسيا وبيلاروسيا.
وأفادت بأنّ قوات ومعدات جديدة وصلت قرب نوفوزرنوي في القرم، مشيرة أيضاً إلى حشد جديد قرب بلدة سالفن على الساحل الشمالي الغربي لشبه الجزيرة.
وأضافت، في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني، في وقت متأخر مساء الخميس، أنّ حشوداً كبيرة من القوات والعتاد وصلت في الآونة الأخيرة إلى منطقة تدريب كورسك في غرب روسيا، على بعد 110 كيلومترات تقريباً شرقي الحدود الأوكرانية.
وكان الجيش الروسي يستعد الجمعة لإجراء مناورات جديدة على الحدود الأوكرانية رغم المحادثات الهادفة إلى تخفيف التوتر بين كييف وموسكو.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، أنّ 400 جندي سيشاركون الجمعة في "تدريب تكتيكي" في منطقة روستوف في الجنوب على الحدود مع أوكرانيا.
ولفت المصدر إلى أنّ نحو 70 آلية عسكرية، من بينها دبابات وطائرات مسيّرة، ستستخدم في المناورات التي تتضمن تدريبات على "مهام قتالية".
وتتهم الولايات المتحدة موسكو بالتحضير لغزو وشيك، الأمر الذي تنفيه روسيا طارحة من أجل خفض التصعيد شروطاً اعتبرها الغرب غير مقبولة، من بينها ضمانات بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي في المستقبل.
وبدأ عشرات آلاف الجنود الروس، الخميس، تدريبات واسعة النطاق في بيلاروسيا المجاورة لأوكرانيا من المتوقع أن تستمر حتى 20 فبراير/شباط.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، أنها تقوم بمناوراتها في البحر الأسود. وأرسلت روسيا ست سفن حربية عبر مضيق البوسفور لإجراء مناورات بحرية في البحر الأسود وبحر أزوف المجاور.
محادثات غربية مرتقبة بشأن أوكرانيا
في مقابل ذلك، يجري قادة الدول الغربية، وفي مقدمهم زعماء كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، جو بايدن وإيمانويل ماكرون وأولاف شولتز، محادثات هاتفية، مساء اليوم الجمعة ، تتناول الأزمة الأوكرانية.
وقالت مصادر في الحكومة الألمانية والإليزيه إنّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس البولندي أندريه دودا، سيشاركون أيضاً في هذه المشاورات، وكذلك رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، ونظيره الكندي جاستن ترودو.
وفي مؤشر إلى هشاشة الوضع، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجمعة إنّ روسيا قد تغزو "في أي وقت" أوكرانيا بعدما حشدت عند حدودها أكثر من 100 ألف جندي وأسلحة ثقيلة.
الكرملين: المحادثات مع باريس وبرلين لم تفضِ إلى "نتيجة"
والجمعة، قال الكرملين إنّ المناقشات التي جمعت روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا في برلين الخميس سعياً لإيجاد حل للأزمة الأوكرانية، لم تفض إلى "أي نتيجة".
وأوضح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحافيين: "شهدنا جميعنا على أن اجتماع المستشارين السياسيين بصيغة النورماندي لم يؤد إلى أي نتائج أمس (الخميس)".
وأشار خصوصاً إلى "عدم قدرة" الدبلوماسيين على قراءة "النص نفسه بالطريقة نفسها"، أي اتفاق مينسك للسلام الموقع عام 2015 والهادف إلى إنهاء الصراع في أوكرانيا.
اجتماع بن والاس وشويغو
وتوافد مسؤولون أوروبيون عديدون في الأيام الأخيرة إلى موسكو وكييف لمحاولة تخفيف التوتر.
ووصل وزير الدفاع البريطاني بن والاس، الجمعة، إلى العاصمة الروسية للقاء نظيره الروسي سيرغي شويغو. وقال وزير الدفاع البريطاني، في مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيره الروسي في موسكو: "تعليماتنا لا تنص على ألا يتوجه المواطنون البريطانيون إلى أوكرانيا، لكن ذلك محل دراسة".
وأضاف بن والاس أنّ من مصلحة الجميع حل الأمور ونتوقع ذلك من الروس أيضاً، مؤكداً على أنه سمع منهم تأكيدات على أنهم لا يضمرون أية نية لغزو أوكرانيا. وتابع والاس: "على الجميع ألا يخطئ بالحسابات، واتفاقيات مينسك مناسبة لجميع الأطراف".
وأضاف والاس للصحافيين في السفارة البريطانية أنّ الحكومة الروسية أبلغته بأنها لا تنوي غزو أوكرانيا، وأنه أوضح أنّ أي غزو ستترتب عليه عواقب وخيمة. وقال إنّ القوات الروسية المنتشرة قرب حدود أوكرانيا تضع مجموعة من الخيارات بالنسبة لموسكو "بما فيها الغزو".
من جانبه، شدد وزير الدفاع الروسي على أنّ موسكو ليست التي تتحمل المسؤولية عن تفاقم الوضع الأمني في أوروبا.
من جهته، قال شويغو، خلال استقباله والاس اليوم الجمعة: "الوضع السياسي العسكري في أوروبا يزداد توتراً أكثر فأكثر ليس بسببنا إطلاقاً. لا نفهم في بعض الأحوال سبب تصعيد هذه التوترات لكننا نرى أنها تتصاعد".
وأعرب وزير الدفاع الروسي عن أمله في مناقشة "المسائل الملحة المتعلقة بخفض هذه التوترات" مع نظيره البريطاني، وأكد شويغو أنه يرغب خصوصاً في مناقشة مبادرة الضمانات الأمنية التي تقدمت بها روسيا إلى الولايات المتحدة وحلف "الناتو" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مرجحاً أن تردّ موسكو قريباً على الوثائق التي تلقتها من الغرب رداً على اقتراحاتها.
ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن شويغو قوله "للأسف، مستوى تعاوننا قريب من الصفر وسيتراجع قريباً دون هذا المستوى ويصبح سلبياً، وهو أمر غير مرغوب فيه".
واقترح شويغو على الغرب "الإسهام في خفض هذه التوترات والكف عن ضخ أسلحة إلى أوكرانيا"، مشيرا إلى أن صادرات الأسلحة إلى هذا البلد "تأتي علناً ومن جميع الأطراف". وتابع: "لا نفهم ما هو الهدف من وراء ذلك، وبودنا أيضاً إدراك هدف إرسال بريطانيا قوات خاصة إلى أوكرانيا وكم من الوقت سيستمر تواجدها هناك؟".
لكن وزير الدفاع البريطاني نفى أن يكون حصل ذلك، وأوضح والاس أنّ بلاده أرسلت "فريقاً صغيراً" من المدربين إلى أوكرانيا لتدريب قواتها على استخدام الأسلحة البريطانية "الدفاعية" المضادة للدبابات التي أرسلتها أخيراً. وأضاف "حين ينتهي التدريب، ستعود هذه القوات إلى بلادها". وبدا والاس أكثر تفاؤلاً من شويغو، معتبراً أنّ المحادثات بين الجانبين كانت "بناءة" وأن العلاقات بين لندن وموسكو "فوق مستوى الصفر".
British Defense Secretary Ben Wallace said he took Russian assurances that Moscow will not invade Ukraine seriously, but that he wanted to see accompanying action and hoped his talks in Moscow had helped reduce tensions https://t.co/Lbcf1WY5SX pic.twitter.com/EJuRRAzHUd
— Reuters (@Reuters) February 11, 2022
وذكّر شويغو والاس في هذا الصدد بـ"التجربة المؤسفة لضخ أسلحة إلى بعض الدول"، مشيراً إلى أنّ حلف الناتو خلال انسحابه من أفغانستان العام الماضي خلف هناك أسلحة ومعدات عسكرية تصل قيمتها إلى 80 مليار دولار تقريباً.
بالتوازي مع ذلك، قال مصدر بريطاني إنّ وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس أخطأت سمع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، عندما سئل عن سيادة منطقتين روسيتين خلال محادثات مغلقة، رافضاً مزاعم الكرملين بأنّ الخطأ أظهر قلة فهم الغرب.
وقال المصدر رداً على تصريحات المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "إنه هراء تماماً وحرب دعائية روسية معتادة".
ستولتنبرغ يزور قاعدة رومانية تضم قوات أميركية
في الأثناء، أجرى الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ زيارة رسمية لرومانيا، اليوم الجمعة، حيث انضم إلى رئيس البلاد في قاعدة جوية عسكرية ستستضيف نحو 1000 جندي أميركي سيتم نشرهم في البلاد، وذلك في إطار تعزيز الحلف لقواته على الجناح الشرقي وسط التوتر مع روسيا.
وصرح ستولتنبرغ، الذي التقى الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس ومسؤولين آخرين في قاعدة ميهايل كوغالنيسينو الجوية جنوب شرقي البلاد بالقرب من البحر الأسود، بأن "هناك خطر نشوب نزاع مسلح في أوروبا".
وقال ستولتنبرغ لوسائل الإعلام: "ليس لدينا يقين بشأن ما سيحدث. هذا هو السبب في أننا ندعو روسيا إلى وقف التصعيد. لهذا نحن يقظون ومستعدون، ولهذا فإن وجود قوات الناتو في رومانيا مهم للغاية".
تأتي زيارة رئيس "الناتو" في اليوم نفسه الذي دخلت فيه أول قوافل عسكرية أميركية تحمل عربات جند مدرعة إلى القاعدة الرومانية، بعد عبور البلاد منذ وصولها مساء الأربعاء. ويأتي ذلك في إطار تحرك أميركي لنقل 1000 جندي أميركي من فيلسك بألمانيا إلى رومانيا. كما تم نشر قوات لـ"الناتو" في بولندا.
أعرب يوهانيس، اليوم الجمعة، عن امتنانه للرئيس الأميركي جو بايدن لإرساله قوات إلى بلاده، وقال إن ذلك "دليل على تضامن الحلفاء". ووصف الوضع الحالي بأنه "لحظة حاسمة للأمن الأوروبي الأطلسي".
أضاف يوهانيس: "نحن على بعد 200 ميل فقط من شبه جزيرة القرم التي تم ضمها بشكل غير قانوني، كما أننا نتشارك جزءاً من حدودنا الشمالية والشرقية مع أوكرانيا - فنحن ندرك بوضوح التهديد الأمني الحالي".
(رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس، العربي الجديد)