استمع إلى الملخص
- الخلاف نشأ بسبب ورقة تصويت مميزة، مما أدى إلى انقسام المجلس بين أنصار تكالة والمشري، مع اقتراحات لحلول تتضمن الاصطفاف مع أحد الجانبين.
- القضية الكبرى هي فشل المجلس في تحقيق أي تقدم سياسي، مما يدعم رؤية المجتمع الدولي لعقد حوارات شاملة تضم كافة الأطراف.
كما هي العادة انشغل الرأي العام المتابع لعملية انتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، التي جرت يوم الثلاثاء الماضي، بالجدل الدائر حول نتيجة التصويت، وإمكانية أن تخلق أزمة تلقي بآثارها على العملية السياسية، وتأثيرات الانقسام الحاد بين أعضاء المجلس على مستقبله. ووسط هذه المتابعة المتواصلة لقراءة كل بيان، أو تصريح يصدر عن المرشحَين للرئاسة اللذين يدور حولهما الخلاف، الرئيس الحالي محمد تكالة والرئيس السابق خالد المشري، طرح مراقبون العديد من السيناريوهات لتداعيات استمرار الخلاف، من بينها انقسام المجلسين برئاستين، مجلس برئاسة المشري إذا ما أصر وأنصاره على صحة نتيجة التصويت لصالحه، وتكالة وأنصاره بحجة رفض المشري الاحتكام للقضاء للفصل في الخلاف القائم بينهما.
اندلع الخلاف بين الفريقين، بسبب ورقة أدلى بها أحد أنصار تكالة وكانت ستعادل عدد أصواته الـ68 مع أصوات المشري الـ69، لتجرى جولة أخرى للتصويت. لكن ظهور اسم تكالة على ظهرها بخلاف المكان المخصص لكتابة اسم المرشح على وجه الورقة أكسب أنصار المشري حجة لإسقاطها من عد الأصوات، باعتبارها مميزة عن غيرها من أوراق التصويت، فشروط التصويت في لوائح المجلس تنص على إبطال أي ورقة تتضمن "علامة تعريف أو تمييز من أي نوع كانت".
أما الحلول المقترحة لتلافي أي تداعيات خطرة على المشهد السياسي تبعاً لانقسام المجلس المحتمل، فهي عديدة، لكنها في العموم لا تخرج عن الاصطفاف مع أحد الجانبين، المشري أو تكالة. لكن في غضون ذلك، فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح معبّراً عن الواقع هو ماذا ستجني العملية السياسية بفوز أي منهما؟ بصرف النظر عن حسم الخلاف بواسطة القضاء أو بجولة تصويت ثالثة لصالح المشري أو تكالة، فالقضية هي أن أياً منهما لن يغيّر في المعادلة السياسية أي شيء أو يُحدث فارقاً فيها، من زاوية النظر إلى ماضيه. فكلاهما ترأس المجلس، وفشل في تمرير أي سياسة من شأنها إحداث التقارب المطلوب مع مجلس النواب، بل شاركا في حالة التعقيد التي تعثر معها تنفيذ أكبر استحقاق للمرحلة، وهو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. بل وأكثر من ذلك، فقد أصبح واضحاً أن بقاء تكالة في الرئاسة يعبّر عن مشروع استمرار حكومة الوحدة الوطنية في السلطة، ورجوع المشري إلى الرئاسة يعبّر عن مشروع تشكيل حكومة جديدة، كاد المشري، في ولايته السابقة، أن يتوافق عليها مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
وباتت القضية الكبرى في ظل انقسام مجلس الدولة هي فشله التام، مع عدم قدرته في المستقبل على امتلاك رؤية ومشروع سياسي، فتكالة لن يتمكن من تمرير مشروعه لوجود نصف عدد أعضاء المجلس ضمن مشروع المشري، والعكس صحيح. ويبدو أن الوضع الذي انتهى إليه مجلس الدولة قد يدعم رؤية المجتمع الدولي التي تدفع باتجاه عقد حوارات سياسية شاملة تضم كافة الأطراف، ولا تحصرها في مجلسي الدولة والنواب اللذين فشلا طيلة السنوات الماضية في تحقيق أي منجز لصالح حل أزمة البلاد.