مبادرة مأرب: شروط حوثية تعجيزية لإفشال المبعوث الجديد

13 اغسطس 2021
فشل الحوثيون على مدى 7 أشهر عسكرياً بمأرب (فرانس برس)
+ الخط -

بعد سبعة أشهر من فشل الهجمات على مأرب، أظهر الحوثيون عجزهم عن تحقيق اختراق ميداني جوهري صوب المدينة، الواقعة في الشرق اليمني. وهو ما دفعهم إلى إماطة اللثام، للمرة الأولى، عن تفاصيل مبادرة سياسية، تضمن لهم السيطرة على منابع النفط والغاز، من دون حاجة إلى مزيد من الخسائر البشرية الهائلة في صفوفهم. وتبدو المبادرة كخطة بديلة للحسم العسكري، احتوت على تسع نقاط، لا يفرضها سوى المنتصر في معركة مأرب المفصلية، وكانت تكراراً لشروطهم منذ فشل الهجوم الأول على المدينة في العام الماضي، والتي سُلّمت يومها إلى المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث. وقوبلت مبادرة الحوثيين، خلال الفترة الماضية، بتجاهل من أطراف النزاع اليمني والمجتمع الدولي، لكن تعيين مبعوث أممي جديد لدى اليمن، هو الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ، دفعهم إلى إعادة تفعيلها وتسويقها باعتبارها مدخلاً لعملية السلام.
وحول تنشيط مبادرتهم، يشرح عضو الوفد التفاوضي الحوثي، عبد الملك العجري، في تغريدة له على "تويتر"، أن الحوثيين يسعون لفرض المبادرة على غروندبرغ، مشيراً إلى أنها "تفتح للمبعوث الأممي باباً مناسباً يدشن به مهمته بالتعاون مع الأشقاء في سلطنة عمان". وبالنسبة للعجري المقيم في مسقط، فإن المبادرة "تمثل انفراجة للانسداد الناتج عن تمسّك الجماعة بالبدء بالملف الإنساني وفصله عن العسكري، وتركيزها على مأرب ومقايضة وقف إطلاق النار بالميناء والمطار والملف الإنساني". لكن الحوثيين لم يتلقّوا أي ردود على المبادرة من قبل الوسطاء العمانيين، سواء بالسلب أو الإيجاب، وفقا للعجري، وفي ظل تجاهلها من قبل التحالف السعودي.


يرغب الحوثيون في السيطرة على موارد مأرب بالكامل

وبناء على هذه المواقف، من الواضح أن الحوثيين مستعدون للتخلي عن شروطهم السابقة المتعلقة برفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، في مقابل بسط اليد سلمياً على مدينة مأرب. ويهدف الحوثيون من خلال مبادرة مأرب التعجيزية، إلى حشر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في زاوية ضيقة، وهي تجنيب مأرب الحرب، ولكن وفق شروطهم. وتبدو المبادرة بمثابة وثيقة تدعو إلى استسلام الحكومة الشرعية، وفقاً لما يكشف مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، ويشدّد على أنه "لن يتم الالتفات إليها، لأن الحوثيين يبحثون عن شمّاعة فقط لإفشال المبعوث الأممي الجديد، منذ اللحظة الأولى، من خلال طرح ما يسمى بمبادرة مأرب".

وتنصّ مبادرة الجماعة الخاصة بمأرب على تسع نقاط يصفها الحوثيون بـ"المنصفة"، وعلى رأسها "تشكيل إدارة مشتركة متكافئة من أبناء مأرب، لقيادة المحافظة وإدارة شؤونها بشكل مشترك ومتكافئ في جميع المجالات، ووقف كل أشكال التدخل الخارجي لأي دولة". كما تدعو إلى "تشكيل قوة أمنية مشتركة بقيادة مشتركة من أبناء مأرب لإدارة الشؤون الأمنية، تتبع القيادة المشتركة لأبناء المحافظة وخروج القوات الأجنبية". وبالنسبة لجماعة تحتكر السلطة ولا تقبل الشراكة، كما يتضح من طريقة الحكم في صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لنفوذها، فإنها تسعى إلى ايهام قبائل مأرب بالشراكة كمبرر للتوغل سلمياً فقط إلى قلب مدينة مأرب ووضع اليد على منابع النفط والغاز.
وتنص النقطتان الثالثة والرابعة من المبادرة الحوثية على "الالتزام بحصص المحافظات من النفط والغاز الذي تنتجه مأرب وتوزيعها بطريقة صحيحة"، في إشارة إلى المدن الخاضعة للجماعة شمالي اليمن وغربه، وكذلك "إخراج عناصر داعش والقاعدة من مأرب"، وهو شرط عائم يخولها إلصاق تهمة الانتماء إلى "داعش" بكافة الأطراف المناهضين لها.

أما النقطة الخامسة فتهدف إلى البسط الكامل على ثروات مأرب، وتنصّ على "استئناف ضخ النفط والغاز، وإصلاح محطة مأرب الغازية التي كانت تغذي مدن اليمن قبل الحرب، وإيداع إيرادات النفط والغاز في حساب خاص لصرف الرواتب في مختلف المحافظات الخاضعة للحوثيين، ودعم الجوانب الإنسانية مع إعطاء مأرب أولوية بذلك".

وتشمل باقي النقاط الحوثية "ضمان حرية التنقل، والإفراج عن كافة المخطوفين في سجون القوات الحكومية، وتعويض المتضررين من الحرب، وعودة المهجرين من أبناء مأرب"، في إشارة إلى شيوخ القبائل الموالين للحوثيين، القاطنين في صنعاء، والذين قاتلوا إلى جانبهم خلال المواجهات الأخيرة.

ونسبت قناة "المسيرة" الناطقة بلسان الحوثيين، بياناً لشيوخ مأرب الموالين للجماعة، أعلنوا فيه ترحيبهم بالمبادرة، واعتبروها "الحل السليم نحو سلام حقيقي"، لافتين إلى أن من يرفضها لا يريد الخير لأبناء مأرب. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، مع تكثيف الجماعة حملاتها الدعائية لإقناع شيوخ مأرب، مع دفع الشيخ الموالي لها، المتحدر من قبائل مراد في مأرب، حسين حازب، لطمأنة القبائل وإقناعهم بأن المبادرة "تعترف بالآخر".

وتوجّه حازب، وهو وزير التعليم العالي في حكومة الحوثيين غير المعترف بها عن حصة "المؤتمر الشعبي العام"، إلى الشيوخ بالقول إن "المبادرة رسالة تعني توقف القتال وصون ما تبقى من الدماء التي تُراق بسبب تعنت التحالف ومن يعمل معه، وفوق هذا تعترف بحقوق أبناء مأرب". وعلى الرغم من هذه البنود التي تبدو غير منطقية، إلا أن الحوثيين يحاولون استثمار مبادرة مأرب للتشويش على أجندة المبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرغ، واعتبار مسألة تجاهلها من المجتمع الدولي بأنه عدم اكتراث بعملية السلام.


يحاول الحوثيون استثمار مبادرة مأرب للتشويش على أجندة غروندبرغ

وحول هذه التطورات، يعتبر المحلل عدنان الجبرني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يطرحه الحوثيون ليس مبادرة بقدر ما يمكن وصفها بـ"أمنيات حوثية في مأرب"، لافتاً إلى أنها كانت جزءا من نقاش سابق خلال فترة غريفيث، وتحديداً عندما طرحت الحكومة الشرعية بعض الأفكار والنقاط التي يجب أن يلتزم بها الحوثيون ضمن أي تمهيد للتفاوض بشأن وقف إطلاق النار.

ووفقا للجبرني، تتمثل تلك النقاط التي تمت مناقشتها في "التزام الحوثيين بالسماح لوصول الغاز لكل المواطنين من دون أي إضافات كمجهود حربي، ووقف استهداف الأحياء السكنية ومخيمات النازحين في مأرب بالصواريخ البالستية والمسيّرات الإيرانية. كما نوقشت بنود تتعلق بالإيرادات والجبايات التي يقوم بها الحوثيون بشكل عام". ويضيف أن "الحوثيين لجأوا إلى ممارسة دعائية لم يتفاعل معها أحد، فحتى الأمم المتحدة تفهم السياق الذي يطلق فيه الحوثيون مثل هذه المبادرات".

ويرى الحبرني أن "إعادة الحديث حول المبادرة حالياً، نوع من الإلهاء الهادف للتشويش على المبعوث الجديد والتأثير على أجندته لإرباك المسار الكلي للسلام، والذي بالطبع لا يقبل به الحوثيون، بل يريدون استمرار ممارسة اللعب مع المجتمع الدولي، لتوفير غطاء لبناء ومضاعفة قوتهم العسكرية بمساعدة الإيرانيين". ويشير إلى أن "إعادة تقديمها للعمانيين خلال زيارتهم للحوثيين في صنعاء، كما أفصح متحدث للجماعة أخيراً، بمثابة سخرية من الوسطاء العمانيين باعتقادي، إلا في حال كانت الوساطة العمانية تقبل أن يكون دورها شكلياً".