مبادرة جديدة لكسر الاستعصاء السياسي في العراق

09 ابريل 2022
الأزمة السياسية تراوح مكانها في العراق (مرتضى سوداني/ الأناضول)
+ الخط -

رغم مرور نحو 6 أشهر على الانتخابات البرلمانية العراقية، التي جرت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم تتمكن القوى السياسية من التصويت على رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، بسبب انقسام حاد بين الائتلاف الثلاثي الذي يضم "التيار الصدري"، و"تحالف السيادة"، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، المتمسك بتشكيل حكومة أغلبية، وقوى "الإطار التنسيقي" التي تدعو إلى تشكيل حكومة توافقية.

التباين في المواقف بين المعسكرين أدى إلى انسداد في العملية السياسية، ما دفع إلى ظهور مبادرات عدة للخروج من الأزمة، آخرها طرحها رئيس "تيار الحكمة" عمار الحكيم، مساء أمس الجمعة.

ودعا الحكيم في مبادرته القوى السياسية إلى الجلوس إلى طاولة الحوار ومناقشة الحلول والمعالجات من دون شروط أو قيود مسبقة، وتسمية الكتلة البرلمانية الكبرى التي لها الحق بترشيح رئيس للحكومة المقبلة، وفقاً لما نصّ عليه الدستور، وحسم موضوع الرئاسات الثلاث (الجمهورية، والحكومة، والبرلمان) من خلال التفاهمات.

وتضمنت مبادرة الحكيم أيضاً التشديد على أهمية صياغة البرنامج الخدمي والسياسي للحكومة المقبلة وتحديد سقف زمني واقعي لتنفيذه وتحديد معايير اختيار الفريق الوزاري الجديد، مطالباً بـ"توزيع الأدوار، فمن يرغب بالمشاركة في الحكومة ينضم إلى فريق الأغلبية ويلتزم دعم الحكومة بالبرنامج المتفق عليه ويعلن تحمّل المسؤولية الكاملة عن مشاركته وقراره، ومن لا يرغب في المشاركة يتخذ من مجلس النواب منطلقاً لمعارضته البناءة"، على حد تعبيره.

ودعا رئيس "تيار الحكمة" ما اعتبرها "قوى الأغلبية" إلى "التعهد بتوفير الغطاء الآمن للمعارضة"، داعياً المعارضة في المقابل إلى عدم "تعطيل جلسات البرلمان والحضور الفاعل فيه وفسح المجال أمام الأغلبية لإكمال الاستحقاقات الدستورية".

ودعا كذلك إلى "اعتماد الإصلاح الحكومي مادة للتنافس السياسي في الأداء والخطاب، وليطرح كل كيان سياسي وكل تحالف برامجه ورؤيته الاقتصادية والثقافية والسياسية والتنموية والأمنية أمام وسائل الإعلام".

تعليقاً على ذلك، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ "العربي الجديد" إن عمار الحكم يمتلك علاقات جيدة مع مختلف الأطراف السياسية يمكن توظيفها لإنجاح مبادرته، وخصوصاً في ما يتعلق بقوى "الإطار التنسيقي" التي يُعَدّ "تيار الحكمة" جزءاً منها، مستدركة بالإشارة إلى أن "الصعوبة تكمن في التيار الصدري الذي ما زال رافضاً لأي حوارات خارج إطار تشكيل حكومة أغلبية وطنية".

ولفتت المصادر ذاتها التي اشترطت عدم كشف هويتها إلى أن الجهود تنصبّ الآن على الخروج من الأزمة، من طريق إقناع الأطراف المتنافسة بضرورة التفاهم على اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة واستئناف جلسات البرلمان التي شهدت تعطيلاً بسبب الانقسامات السياسية.

برهم صالح يحذّر من "متاهات خطيرة"

من جهته حذّر الرئيس العراقي المنتهية ولايته برهم صالح من استمرار الأزمة السياسية في العراق، موضحاً أنها قد تدفع نحو "متاهات خطيرة"، وداعياً القوى السياسية إلى "حوار جاد وفاعل" للخروج من الأزمة والشروع في تشكيل حكومة وطنية تحمي مصالح البلد.

وقال صالح، في بيان، اليوم السبت، إنّ "الحاجة ملحّة اليوم لتلبية مطلب كل العراقيين في حكم رشيد يتجاوز أخطاء وثغرات التجربة، ومعالجة الخلل البنيوي في منظومة الحكم التي تستوجب إصلاحاً حقيقياً وجذرياً، لا يقبل التأجيل"، مؤكداً أنّ "ذلك لن يتحقق من دون استعادة ثقة الشعب باعتباره مصدر السلطة وشرعيتها، عبر إجراءات استثنائية شجاعة تضع مصالح المواطنين فوق كل اعتبار".

وتابع قائلاً "البلد يمرّ اليوم بظرف حساس وسط انسداد سياسي وتأخر استحقاقات دستورية عن مواعيدها المحددة، وهو أمر غير مقبول بالمرة، بعد مضي أكثر من خمسة أشهر على إجراء انتخابات مبكرة استجابة لحراك شعبي، وإجماع وطني لتكون وسيلة للإصلاح وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتصحيح المسارات الخاطئة، وتحسين أوضاع المواطنين والاستجابة لمطالبهم"، معتبراً أنّ "استمرار الأزمة السياسية قد يؤدي بالبلد نحو متاهات خطيرة يكون الجميع خاسراً فيها".

وأضاف صالح "أمام جميع القوى السياسية اليوم مسؤولية تاريخية ووطنية وأخلاقية، في رصّ الصف الوطني عبر حوار جاد وفاعل للخروج من الأزمة الراهنة، والشروع في تشكيل حكومة وطنية مقتدرة فاعلة، تحمي مصالح البلد وتعزز سيادته واستقلاله، وتعمل على تلبية تطلعات العراقيين، وتواجه التحديات الجسام الماثلة أمامنا، وخصوصاً الأوضاع الاقتصادية الداخلية وفي ظل الظروف الإقليمية والمتغيرات الدولية".

وتابع أنّ "الأشهر التي أعقبت الانتخابات البرلمانية تؤكد الحاجة لتعديلات دستورية يجب الشروع فيها، خلال الفترة المقبلة، عبر وفاق وتفاهم وطني، لبنود أثبتت التجربة مسؤوليتها عن أزمات مستعصية"، مضيفاً "كما أنّ آفة الفساد الخطيرة التي تهدد كيان الدولة تستوجب وقفة حاسمة لمكافحتها، والعمل على ضمان الفرص المتساوية لكل العراقيين في بناء البلد ونهضته، وهذا يستوجب مراجعات وقرارات إصلاحية تبنى على الصراحة والإرادة الموحدة".

وجدد دعوته إلى "عقد سياسي واجتماعي ضامن للسلم الأهلي، يقوم على مراجعة موضوعية لأخطاء الماضي، فالمواطنون في عموم العراق يقرون باستحالة استمرار الوضع الراهن، ويطالبون بسلطات تستجيب لمطالبهم وتطلعاتهم".

وأمس الجمعة، قالت رئيسة كتلة "الجيل الجديد" البرلمانية، سروة عبد الواحد، إن الوضع السياسي في البلاد يشهد انسداداً تاماً، مستبعدة القدرة على استئناف عمل البرلمان قريباً.

وتابعت: "أمر تحديد انعقاد جلسة جديدة لمجلس النواب منحصر برئيس المجلس ونائبيه"، مشيرة في حديث لوكالة الأنباء العراقية "واع" إلى أن "الخلاف السياسي بين الكتل حول توزيع المناصب أثر سلباً بأداء البرلمان، ولا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة".

وفشل البرلمان أكثر من مرة في تحقيق الأغلبية التي يشترطها الدستور للتصويت على رئيس الجمهورية بعد تعذر حضور 220 نائباً من أصل 329 الجلسة، كذلك لم يتمكن من ممارسة مهامه التشريعية والرقابية، على الرغم من الوعود التي أطلقتها رئاسة مجلس النواب بهذا الشأن.

المساهمون