تشهد الأوساط السياسية في ليبيا نقاشات واتصالات كثيفة حول مبادرة مصرية تركية تهدف إلى كسر حدة الانسداد السياسي الحاصل في المشهد منذ فترة، وتتلخص في توحيد حكومتي البلاد لإنهاء الانقسام الحاصل بين حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس والمعترف بها دوليا، والحكومة الموازية في بنغازي المكلفة من مجلس النواب.
ومنذ العام الماضي، تعيش ليبيا انقساما حكوميا، فبعدما سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية في سبتمبر/أيلول 2021، كلف حكومة جديدة في مارس/ آذار 2023، إلا أن الأخيرة لم تتمكن من دخول طرابلس وسط رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة "إلا لسلطة منتخبة"، مشددا على أن أجل انتهاء خريطة الطريق التي أنتجت حكومته هو إجراء الانتخابات التي لم تتمكن البلاد من تنظيمها نهاية عام 2021.
وازدادت حدة الأزمة الحكومية بعد إصدار مجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قوانين، يوصي بعض بنودها بتشكيل حكومة موحدة للإشراف على الانتخابات، إلا أن مجلس الدولة (شريك مجلس النواب في إعداد القوانين الانتخابية) طعن في دستورية إصدار مجلس النواب للقوانين، ما أدخلها في جدل دستوري وقانوني حتى الآن، في وقت اعتبرها الدبيبة "قوانين غير عادلة ومفصلة لإقصاء البعض ومنعهم من الترشح للانتخابات".
وكشفت مصادر ليبية متطابقة النقاب عن مشاورات قائمة في الأوساط الحكومية الليبية حول مبادرة مصرية تركية غير معلنة، تقضي بدمج الحكومتين في حكومة واحدة كأفضل خيار لتجاوز الأزمة الحكومية، وكسر حدة الانسداد الحاصل بين مجلسي النواب والدولة.
وفيما أكدت المصادر، وهي مصادر حكومية من طرابلس وبنغازي، قبول مسؤولي حكومتي البلاد بالمبادرة المصرية التركية، إلا أن معلوماتها تشير إلى أن المشاورات في كواليس الحكومتين لا تزال جارية حول الكيفية التي يمكن تطبيق المبادرة بها، خاصة شكل محاصصة الحقائب الوزارية السيادية بين الحكومتين، وتحديدا حقائب وزارات المالية والخارجية والدفاع والتخطيط.
وعلى الرغم من أن المصادر بينت أن الحديث في أوساط السلطتين في طرابلس وبنغازي حول مقترح توحيدهما متداول منذ أسابيع في دوائر ضيقة، إلا أنها أشارت إلى أن الحديث والمشاورات حول المقترح أصبحت أكثر وضوحا بعد زيارة وفد مصري رفيع المستوى إلى طرابلس وبنغازي يومي 28 و29 من يناير/كانون الثاني الماضي تم خلالها تداول معالم المبادرة المصرية التركية بشأن توحيد الحكومتين، وعقبها زار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي القاهرة الخميس الماضي، وتسلم تفاصيل المبادرة من الجانب المصري.
وتتوافق معلومات المصادر في أن القاهرة وبمباركة تركية تقترح أن يتولى المجلس الرئاسي الدور الأساسي للإشراف على تنفيذ مبادرة توحيد الحكومتين ومنحها الصبغة الرسمية، وأن يجري التوحيد في شكل تعديل وزاري لحكومة الوحدة الوطنية ليستند في شرعيته إلى اتفاق جنيف الموقع بين الأطراف الليبية في فبراير/شباط 2021، والذي أنتج السلطة التنفيذية الحالية المؤلفة من المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
وفيما لم ترشح معلومات بشأن موقف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح حيال المبادرة، إلا أنها بحسب مصادر حكومية من بنغازي تحظى بمباركة من جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي لا يزال يمتلك طريقا للتواصل مع حكومة الدبيبة من خلال مستشاري الطرفين، خاصة صدام نجل حفتر وإبراهيم الدبيبة ابن عم الدبيبة اللذين كان لهما دور كبير في التوافق على تعيين فرحات بن قدارة الشخصية المقربة من حفتر، رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط بطربلس التي تعد من المناصب السيادية الحساسة في الدولة.
وفي الجانب التركي، أكدت مصادر حكومية من طرابلس أن المبادرة كانت الموضوع الرئيسي في زيارة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أمس الأربعاء إلى طرابلس، الذي حث على ضرورة التجاوب مع المبادرة واتفاق الجانب التركي في تفاصيلها مع الجانب المصري، وقال أحد المصادر إن الوزير التركي أكد في طرابلس على واقعية المقترح بالنسبة للمعطيات الحالية للوضع السياسي في ليبيا، وأنها البديل الأفضل عن حالة الانسداد التي خلفها الاستعصاء في مواقف مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
وتأتي المبادرة في ظل تقارب مصري تركي في الكثير من الملفات التي شكلت خصاما سياسيا بين الجانبين لسنوات، سيما الملف الليبي، حيث وقفت الدولتان ولعدة سنوات إلى جانب معسكر من معسكري الصراع في الشرق والغرب الليبيين.
وفيما لم يصدر أي إعلان رسمي بشأن المبادرة ومواقف الأطراف الليبية منها، عكست تصريحات وبيانات مصرية تركية مساعيهما في هذا الاتجاه، ففي الجانب المصري نقل بيان للمجلس الرئاسي عقب لقاء المنفي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة الخميس الماضي، تأكيد الأخير على "استمرار دعم بلاده لرئيس المجلس الرئاسي في قيادة المسار السياسي الليبي للوصول لتسوية سياسية حقيقية وشاملة تُفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة تحقق تطلعات الشعب الليبي".
كما شدد بيان الرئاسة المصرية بشأن لقاء السيسي والمنفي حرص مصر على دعم "كافة الجهود الرامية لحماية وحدة الأراضي الليبية"، وكذلك "دعم مؤسسات الدولة الليبية لتمكينها من القيام بدورها لتحقيق هدف عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
وفي الجانب التركي، حملت التصريحات التي أدلى بها فيدان قبل زيارته لطرابلس ما يعكس المساعي التركية المصرية لتوحيد السلطة في ليبيا، حيث ركز حديث فيدان على عدم رغبة بلاده في استمرار الانقسام الحاصل في ليبيا، قائلا: "لا نريد للانقسام الحالي بين الشرق والغرب أن يصبح دائمًا، نعتقد أن هذا الانقسام يجب أن يحل بطريقة سلمية من خلال الحوار وبموافقة الأطراف كافة".