مبادرات متشابكة ومتعارضة لحل الأزمة الليبية بلا نتائج

31 ديسمبر 2024
الأزمة الليبية محمد المنفي في القاهرة، 13 يوليو 2023 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مبادرة الأمم المتحدة الجديدة: تهدف إلى تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين لمعالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية وتحديد إطار زمني للانتخابات، مع مسار تفاوضي لتوضيح نطاق التوافق حول مسببات النزاع.

- المبادرات الإقليمية والمحلية: شهدت ليبيا مبادرات من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومبادرات محلية، لكنها لم تحقق نجاحًا ملموسًا بسبب تعقيدات النزاع وتضارب المصالح وغياب الدعم الدولي.

- التحديات والآفاق المستقبلية: مبادرة خوري تقترح تشكيل لجنة وطنية، وتعتبر تطورًا جديدًا، لكن نجاحها يعتمد على توافق دولي وإقليمي ودعم مجلس الأمن لتحقيق الاستقرار في ليبيا.

تنتظر الأوساط الليبية تفعيل البعثة الأممية مبادرتها التي أعلنت عنها أخيراً، بعد فشل مبادرات سياسية عديدة سابقة أطلقتها جهات محلية، وأخرى تبنتها جهات إقليمية لم تُحدث أي اختراق في جدار الاستعصاء السياسي ضمن حالة الصراع والانقسام الحاد المهيمن على الملف الليبي منذ سنوات. يطرح ذلك أسئلة عديدة حول جدوى المبادرات السياسية بشأن حل الأزمة الليبية وحقيقة العراقيل التي واجهتها ومنطلقات أصحابها، خصوصاً مع فشل مثيلاتها التي أُعلن عنها خلال السنوات الماضية، وآخرها مبادرة الطاولة الخماسية التي اقترحها المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي، نهاية العام الماضي.

مبادرة أممية لحل الأزمة الليبية

أعلنت القائمة بمهام رئيس البعثة الأممية في ليبيا، ستيفاني خوري، منتصف الشهر الحالي، عن مبادرة سياسية تقضي بتشكيل لجنة فنية مكوّنة من خبراء ليبيين، تعمل على وضع حلول لمعالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية التي أنتجتها لجنة 6+6 المشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. كما تعمل هذه المبادرة على بحث خيارات الوصول إلى إجراء انتخابات في أقصر وقت ممكن وفي إطار زمني محدد. وأوضحت خوري، خلال إعلانها المبادرة في كلمة وجهتها لليبيين، يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، وكررتها في إحاطة قدمتها لأعضاء مجلس الأمن في اليوم التالي، أن هذه اللجنة ستعمل أيضاً على "توضح المحطات الأساسية والأولويات لحكومة يتم تشكيلها بالتوافق"، من دون أن تحدد كيفية تشكيل هذه الحكومة والاتفاق حولها. وبالإضافة إلى هذه اللجنة أعلنت خوري عن مسار تفاوضي شامل سيجري بالتوازي بين شرائح ليبية مكونة من القيادات الاجتماعية والمجتمع المدني وممثلي شرائح الشباب والنساء "لتوضيح نطاق التوافق حول مسببات النزاع القائم منذ وقت طويل".

وبعيد إعلان خوري، عقد عدد من أعضاء مجلسي النواب والأعلى الدولة اجتماعاً في بوزنيقة المغربية، برعاية رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري (يتنازع الرئاسة مع محمد تكالة)، انتهى إلى الإعلان عن تشكيل خمس لجان مشتركة بين المجلسين. ومهام هذه اللجان هي إعادة تكليف حكومة جديدة في ليبيا والنظر في المسار الاقتصادي والمالي، وملف الحكم المحلي والأمني، وملف إعادة تعيين شاغلي المناصب السيادية، وملف الأموال المهربة وغسيل الأموال. وتأتي مبادرة خوري، وخطوة مجلسي النواب والأعلى الدولة، في سياق سلسلة طويلة من المبادرات التي شهدتها الساحة السياسي خلال العام الحالي، من أجل حل الأزمة الليبية. فبعد إعلان باتيلي عن استقالته، في إبريل/نيسان الماضي، انتهى الحديث عن مبادرة الطاولة الخماسية التي كان يعتزم باتيلي من خلالها جمع القادة الخمسة الأساسيين، وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة لقائد مليشيات شرق البلاد اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لحوار من أجل حلحلة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية.

مبادرات عربية وأفريقية

كانت الجامعة العربية قد أعلنت قبل استقالة باتيلي، بقرابة الشهر، عن مبادرة شبيهة وللأهداف ذاتها، لكن بمشاركة ثلاثة شخصيات هم صالح وتكالة والمنفي. وتمكنت من استضافة اجتماعهم الأول في التاسع من مارس/آذار الماضي، والذي عُقد في القاهرة، وانتهى إلى الاتفاق على تشكيل لجنة فنية لإجراء تعديلات على القوانين الانتخابية وبدء النظر في قضية الانقسام الحكومي. لكنها فشلت في مواصلة استضافة اجتماعات أخرى لهذه المبادرة. وفي الوقت الذي كان فيه الاتحاد الأفريقي يواصل جهوده لتنفيذ مبادرته التي أطلقها منذ سنتين، والخاصة بعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية الليبية أساسا لحل الأزمة السياسية، ووسط تعثرات عديدة، أعلن سيف الإسلام نجل العقيد الراحل معمر القذافي، في يوليو/تموز الماضي، عن مبادرة بمقترحين. الأول مشاركة غير مشروطة لتمكين كل المرشحين للانتخابات الرئاسية لإجرائها، والثاني انسحاب كل المرشحين وفتح الباب لقبول غيرهم لإجراء الانتخابات. لكن مبادرته لم تلق أي تجاوب أو مواقف حيالها.

ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قدمت تنسيقية الأحزاب الليبية، التي تضم نحو 90 حزباً، مبادرة متعددة المسارات، ترتكز على إعادة بناء الثقة بين الليبيين وتدشين حوار مجتمعي واسع لإنتاج ميثاق وطني لبناء حكم محلي شامل يكون أساساً لإطلاق انتخابات عامة. وجاءت هذه المبادرة تماهياً مع جهود الاتحاد الأفريقي الذي كان يواصل اتصالاته بالأطراف الليبية من أجل إنجاح مبادرة المصالحة الوطنية والسعي لحل الأزمة الليبية. وأثناء زيارة أجراها رئيس الكونغو، دينيس ساسو نغيسو إلى ليبيا، في التاسع من الشهر الحالي، لحشد الدعم للمبادرة الأفريقية، أعلن حفتر عن تقديمه لساسو نغيسو "مبادرة جديدة تهدف إلى ضمان نجاح المصالحة الوطنية الشاملة"، من دون الإفصاح عن تفاصيلها. كان ذلك تزامناً مع اجتماع عقده الدبيبة في طرابلس مع عدد من أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، دعا خلاله إلى طرح الدستور للاستفتاء عليه ليكون أساساً لإنهاء المراحل الانتقالية وإنهاء كل الخلافات السياسية التي فاقمت الأزمة الليبية.

أفكار من دون حلول

تعليقاً على هذه الأوضاع، رأى المحلل السياسي الليبي، نزار كريكش، أن المبادرات المحلية التي وصف تتابع طرحها بـ"حمى المبادرات"، تدور في فلك مصالح من أطلقها أو تبناها "للبحث عن صيغ يمكن أن تجعلها في موقف من يضع إطار النقاش للوصول إلى هدفه". وأضاف كريكش في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الدورة المغلقة من المبادرات التي تتفق في النتائج وتختلف في التفاصيل التي توصل لتلك النتائج، هي مبادرات لا تتضمن أفكارا تأسيسية تناسب ما يحدث في ليبيا، فهي ديباجات مكررة لا تتضمن حلولاً".

نزار كريكش: سبب فشل المبادرات السابقة أنها لا تعي واقع النزاع المستمر في ليبيا 

وعلّل كريكش فشل المبادرات السابقة لحل الأزمة الليبية بأنها "لا تعي ما هي النزاعات، وما هو الواقع الذي يتحرك فيه هذا النزاع المستمر في ليبيا"، مضيفاً سبباً آخر هو أنها "قد تكون اقتُرحت لمجرد وجود أصحابها في الساحة، وللمناورة". وتختلف مبادرة خوري الأخيرة، وفق كريكش، مع المبادرات الأخرى من زاوية اقتراحها تشكيل لجنة وطنية تنظر في قضايا الخلاف في القوانين الانتخابية، وتحدد مهام حكومة جديدة ومحطات عملها. وأوضح أن هذه الخطوة تمثل "التطور الجديد في مبادرة خوري، لأننا لأول مرة ننتقل من منطق التمثيل الذي يرى أن حل النزاع في جسم يمثل كافة الأطراف، كما في الحلول السابقة، إلى منطق التحكيم أو الطرف الثالث ممثلاً في اللجنة الوطنية".

واعتبر كريكش أن هذا التصور الخاص بتشكيل لجنة وطنية جاء نتاج دراسة للنزاعات الدولية التي مرت بتجارب وجود طرف حاكم بين ممثلي النزاع، لكنه استدرك بالقول إن "مبادرة خوري لم تبين ما مدى قانونية ومرجعية هذه اللجنة الوطنية، وهذا ما يجب التركيز عليه بحيث يكون هناك تأسيس حقيقي وقانوني وملزم لهذا الجسم وبدعم من المتدخلين في الأزمة الليبية بشكل واضح". وبرأيه فإن ذلك "ربما يكون الأساس القانوني من خلال قرار من مجلس الأمن، حينها من الممكن الحديث على الأقل في هذه المرحلة عن انتخابات، وإن كانت الأطراف الليبية تمرست في التملص من تعهداتها". وقريباً من هذه القراءة، وصف الباحث السياسي الليبي، وسام الكبير، المبادرات المحلية والتي رعتها الجامعة العربية بـ"المناورات"، فمبادرة الجامعة العربية تقع ضمن صراع بين قوى إقليمية على إدارة الملف الليبي وفشلها لأنها افتقدت القوة وغطاء الشرعية. أما المبادرات المحلية فهي للمناورة كمثيلاتها في السنوات السابقة وفشلها مرده لتعنت أصحابها في مواقفهم لمصالحهم الخاصة، وفق قوله.

وسام الكبير:  أطراف النزاع الليبي أوجدت باتفاق دولي

ولفت الكبير في حديث لمع "العربي الجديد"، إلى سبب آخر لفشل جميع المبادرات المحلية والإقليمية، والذي يتمثل في محاولات الجميع سحب إدارة الملف الليبي من البعثة الأممية. ووفقاً لرأيه فإن ذلك "غير ممكن، لأن الواقع الليبي تشكّل بواقع دولي بدءاً من اتفاق الصخيرات (2015 بالمغرب، والمعروف باسم الاتفاق السياسي الليبي) الذي أفرز مجلسي النواب والدولة وحكومة الوفاق والوطني، وانتهاء باتفاق جنيف الذي شرعن استمرار مجلسي النواب والدولة، وأفرز المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، بالتالي فهي أطراف أوجدها اتفاق دولي". ومن هذه الزاوية رأى الكبير، أن "أي تغيير بإخراج طرف أو إدخال آخر، بل وأي صيغة من التغيير، لن يتم إلا تحت مظلة البعثة الأممية وباتفاق دولي، وبالتالي فكل المحاولات المحلية بتشكيل حكومة جديدة أو أي مبادرة تطرح تغييراً خارج الإطار الأممي والدولي هي مبادرات فاشلة".

وخلص إلى أن المبادرة الوحيدة التي يمكن أن تجد طريقاً للنجاح هي مبادرة خوري، غير أنه شدّد على ضرورة حصول خوري على توافق دولي باعتبار مبادرتها "ستغير قواعد اللعبة السياسية، ولذا لا بد من حصولها على موافقة الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن الليبي". ورأى أن "هذا أمر مهم، ربما ستنطلق فيه خوري من قرار من مجلس الأمن يشرعن مبادرتها لتتمكن من الوصول إلى أكبر قدر من التوافق". لكن في كل الأحوال فإن مبادرتها، وفق الكبير "لن تكون قصيرة بل طويلة الأمد تمر بعدة مراحل، أولها اللجنة الوطنية، وكل مرحلة توصل لنجاح التي تليها، وهو أمر آخر يحتم عليها الحصول على توافق دولي وإقليمي لاستمرار عملها".

المساهمون