ما تزال قضية الرشى تعصف بالوضع السياسي في ليبيا، خصوصاً مع توقيت إثارتها الحساس، والمتصل باستعداد رئيس الحكومة الجديد، عبد الحميد الدبيبة، لتقديم تشكيلته الوزارية كأول حكومة وحدة وطنية، بعد ست سنوات من الانقسام، وفي وقت تقاربت فيه وجهات نظر النواب المنقسمين حول تحديد مكان وزمان جلسة منح الثقة للحكومة. وكشف خبراء من الأمم المتحدة في تقرير رفع إلى مجلس الأمن، قبل أيام، أنه تم شراء أصوات ثلاثة مشاركين على الأقل في ملتقى الحوار السياسي. ووجد الخبراء، وفق التقرير المسرب، أنه خلال محادثات تونس عرض اثنان من المشاركين "رشى تتراوح بين 150 ألف دولار و200 ألف دولار لثلاثة أعضاء على الأقل إذا التزموا بالتصويت للدبيبة كرئيس للوزراء".
لا شك أن التسريب الصحافي حول تقرير خبراء الأمم المتحدة في هذا التوقيت له هدفه، وله من يقف وراءه، لكن المسؤولين الليبيين لم يتلقفوا ارتداداته على الساحة بالشكل الكافي لحماية العملية السياسية، باستثناء موقف الدبيبة المرتبك في بيانين، الأول يوم التسريب، والثاني مشترك مع قادة السلطة الجديدة. اللافت في طريقة تعاطي القادة الليبيين مع القضية، هو عدم اكتراثهم بها وحجم خطرها، فرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح تأخر يومين قبل أن يدلي برأي متحفظ لصحيفة أجنبية، ومن دون أن يُصدر بياناً يوضح موقفه قبل أيام من جلسة مجلس النواب التي حدد موعدها لبحث منح الثقة للحكومة ورئيسها.
أما المجلس الأعلى للدولة، فقد وجدها فرصة سانحة للتذكير بمواقفه من ملتقى الحوار السياسي، لافتاً إلى أنه اقترح أن يكون الحوار بينه وبين مجلس النواب فقط، بل وبطريقة أعطى فيها نوعاً من المصداقية للتسريب، إذ اعتبر أن أعضاء ملتقى الحوار السياسي الـ75 لا يمتلكون شرعية للحوار وإنتاج سلطة سياسية. أما رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، فقد عمّم خطاباً على مؤسسات البلاد الخاضعة لسلطاته، طالبها فيه بعدم التعامل مع السلطة الجديدة، إلى حين منحها الثقة.
طريقة تعامل قادة البلاد مع القضية التي هزت أركان السلطة الجديدة، توحي بأنهم لا يزالون على خصومة معها، ومنافسين لها، وإن أزيلت شبهة تورط تلك الأطراف في هذا التسريب، لكن مواقفها تؤكد أنها لن تتوانى عن استغلال أي فرصة لتوظيفه لخدمة أهدافها. لكن السؤال يبقى: من البديل في حال تمت الإطاحة بالسلطة الجديدة؟