تعرّض عالم الدين الشهير في إقليم أورزجان بجنوب أفغانستان، المولوي محمد جان، لمحاولة اغتيال مساء أول من أمس الجمعة، في مدينة ترينكوت مركز الإقليم، ما أدى لإصابته بجروح خطرة، غير أنه نجا من الموت. وجان مشهور بانتقاده لكل من حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية على حد سواء، وهو يتهمهما بعرقلة عملية السلام. لكن الرئيس السابق لمجلس علماء الدين في إقليم قندوز شمال البلاد، وأستاذ المعهد الشرعي في كابول، المولوي فيض محمد فايض، لم ينجُ، إذ قتل صباح الأربعاء الماضي، على يد مسلحين مجهولين في قلب العاصمة الأفغانية، ليصل عدد علماء الدين الذين لقوا حتفهم خلال عام واحد، جراء الاغتيالات والعبوات الناسفة إلى تسعين، معظمهم قتلوا في كابول وعلى أيدي مجهولين، ولأسباب غير معروفة، وفق ما أفاد به "مجلس شورى علماء أفغانستان".
قُتل 90 عالم دين خلال عام جراء الاغتيالات والعبوات
وأوضح المجلس، في بيان له أخيراً، أنه منذ مقتل العالم الشهير في كابول، محمد أياز نيازي، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي إلى الآن، قُتل تسعون عالم دين، جراء أعمال اغتيال أو تفجيرات تنفذها جهات مجهولة ويدينها طرفا الحرب (الحكومة وطالبان). وناشد المجلس الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي بأن يوليا اهتماماً لهذه القضية، ودعا السلطات الأمنية في البلاد إلى الإفصاح عن جميع المعلومات التي توصلت إليها، حول الجهات التي تقف وراء تلك الاغتيالات. كما طلب المجلس من حركة "طالبان"، بأن تلعب دورها بهذا الخصوص، لأنها المتهمة من قبل الحكومة والسلطات الأمنية بالوقوف وراء الاغتيالات. غير أنّ الحركة لطالما نفت أن تكون لها يد في تلك العمليات، بل وشجبت بعضها، كعملية اغتيال رئيس مجلس شورى "جمعية الإصلاح"، محمد عاطف، والتي وقعت مطلع شهر فبراير/شباط الماضي، وعملية اغتيال الأستاذ الجامعي وعالم الدين، مبشر مسلميار، الذي قتل جراء عبوة لاصقة في الشهر نفسه.
وتثير اغتيالات علماء الدين امتعاض الشارع والشريحة الدينية على حد سواء، كما أنها خلقت حالة من القلق في أوساط علماء الدين وأئمة المساجد الذين يحظون باحترام وتقدير واسعين في أوساط الشعب الأفغاني. وفي السياق، قال عالم الدين الأفغاني، وأحد الأئمة، المولوي عبد المعز عتيق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "ظاهرة الاغتيالات بشكل عام، واغتيال علماء الدين بشكل خاص، خطيرة، والدافع وراءها هو إثارة البلبلة في البلاد، إذ إنّ معظم من كانوا ضحايا هذه العمليات، ليسوا علماء دين فقط، بل أيضاً كان لهم نفوذ كبير في أوساط الشعب". وتابع: "أعداء البلاد يقومون بقتل كل من لصوته صدى. من هنا، فإنّ المستهدِف يعرف أنّ لعلماء الدين تأثير كبير في الشارع الأفغاني، لذا يحاول من خلال قتل بعضهم إسكات هذه الشريحة، كي يتسنى له فعل ما يحلو له، من دون أن يقف في وجهه أحد".
وحيال الجهة المنفذة لهذه العمليات، قال عتيق إنه لا يستبعد "أن تكون وراء بعض تلك الاغتيالات استخبارات الحكومة الأفغانية"، مضيفاً أنّ "الاستخبارات تقوم باغتيال بعض علماء الدين، ممن يعارضون الحكومة وسياساتها إزاء عملية السلام".
عتيق: ضحايا الاغتيالات ليسوا علماء دين فقط، بل أيضاً لهم نفوذ كبير في أوساط الشعب
ولم يكن علماء الدين وحدهم الذين راحوا ضحية الاغتيالات غير المسبوقة التي تشهدها الساحة الأفغانية، بل طاولت هذه العمليات شرائح مختلفة في البلاد، ولا سيما الزعامات القبلية، وكان آخرها اغتيال الزعيم القبلي ملك محمد هاشم، الذي قتل جراء انفجار عبوة ناسفة ألصقت بسيارته، في مدينة جلال أباد، في 6 مارس/آذار الحالي.
وحول تصفية الزعامات القبلية وعلماء الدين، قال الزعيم القبلي شوكت الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الهدف من ذلك معلوم، وهو القضاء على كل من هو متجذّر في الشعب، ولا ننسى أنّ القبائل الأفغانية لعبت دوراً مهماً في هزيمة كل أجنبي جاء إلى هذه البلاد، بينما لعب علماء الدين دوراً كبيراً في تنشيط الشعب". وطالب الحكومة الأفغانية بأن "تعلن عن موقفها إزاء ما يحصل في حق الزعامات القبلية وعلماء الدين، لأن القضية لا تنتهي فقط بالإدانات والشجب"، معرباً عن خشيته من "انتفاضة الشعب ضد الحكومة". كما طالب الزعيم القبلي حركة "طالبان" بأن "تلعب دورها بهذا الخصوص، تحديداً في المناطق التي تحت سيطرتها، لأنّ الاغتيالات أيضاً تحصل في تلك المناطق".
وكان "الحزب الإسلامي" بزعامة قلب الدين حكمتيار، قد نظم أخيراً تظاهرة احتجاجية في العاصمة الأفغانية كابول للضغط على الحكومة. وقال حكمتيار في كلمة له خلال التظاهرة، إنّ "من بين مطالب الحزب، وقف الاغتيالات، تحديداً في حق علماء الدين، لأن عدم وقفها يضعف اعتماد الشعب على الحكومة". كما دعا إلى "تنفيذ اتفاق الدوحة (الذي وقّع في فبراير 2020 في العاصمة القطرية بين الولايات المتحدة وطالبان)، إذ هو الحل الوحيد لحلحلة الأزمة في البلاد"، مشيراً إلى ضرورة "تشكيل حكومة انتقالية من أجل إنجاح عملية السلام".